الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

أسطوانات المهنة.. "السقا" عطشان يا صباي دلوني على السبيل(1)

السقا
السقا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الكتبة والمادحون وشيوخ الطوائف والبناءون والنحاسون، وغيرهم الكثير من المهن التي اشتهرت في مصر خلال العصرين العثماني والفاطمي والذي سجلت الجدران والمساجد إبداعاتهم التي ظلت راسخة ومنقوشة عبر مئات السنين.

وتأخذكم "البوابة نيوز" في رحلة طوال شهر رمضان المبارك وحديث حول تلك المهن وشيوخها وأسطواتها التي اشتهرت في مصر والعالم العربي، والتي لا يزال الكثير منها موجودا حتى عصرنا الحالي ومنها من اندثرت وأصبحت تراثا تشهد به جدران المساجد والقصور. 

وعلى مدار الشهر الكريم نقدم لكم حرفة من الحرف التي اشتهرت في تلك الفترة واقفين أمام إبداعات فنانيها وقوانينها التي كانت تتوارث جيلا بعد جيل، وحكايات المعلم والصبي والأسطى الذي كان يعتبر رب المهنة.

شهدت شوارع القاهرة قديمًا مهنة من المهن الحيوية والتي لم تعد موجودة في عصرنا الحديث وهي مهنة "السقا" وكانت من المهن التي لها رواج كبير وذلك قبل دخول المياه المنازل.

ففي نهاية القرن الثامن عشر كانت تعتمد القاهرة على مياه نهر النيل، والذي كان يجري على بُعد كيلو متر من الحد الغربي للمدينة، أما مياه الخليج المصري فكانت لا تجلب المياه الصالحة إلا بعد مرور ثلاثة أشهر بعد الفيضان.

ولهذا كانت المنازل في حاجة ماسة إلى وجود المياه للاستخدام وكانت تعتمد بشكل كبير على السقايين، والذين كانوا يمثلون ثماني طوائف، فما هي تلك الطوائف الثمانية وكيف كان عملهم ووظائفهم في عملية توصيل المياه إلى المنازل. 

وصل عدد الأسبلة في القاهرة مطلع القرن التاسع عشر نحو 300 سبيل

 

ففي البداية كانت تأتي المياه من النهر من خلال الموردات التي كانت تتواجد على جانبي النيل، كان يصب من عندها السقايون، ولهذا ظهر الأربع طوائف الأولى وهي التي يبدأ عملهم من عند النهر.

فكانت الطوائف الأربع لحاملي المياه على ظهور الحمير بالقرب من المدخل الغربي للمدينة، فنجد أولًا طائفة "حاملي المياه على ظهور الحمير" لحي باب البحر، ثم طائفة لحي باب اللوق، ثم حارة السقايين والرابعة كانت في قناطر السباع، والتي عُرفت بهذا الاسم نسبة إلى نقش السباع الموجود عليها "وهو "الرنك" أي العلامة الخاصة بالظاهر بيبرس.

كما أنها عُرفت أيضًا فيما بعد بقنطرة السيدة زينب، أما في وسط الحد الغربي للقاهرة فكانت توجد طائفة لحاملي المياه على ظهور الجمال.

وكان حاملو "القِرب" وهي وعاء جلدي مصنوع من جلد الماعز يحافظ على المياه ويحتفظ ببرودتها، وكان يستخدمها السقاة لنقل المياه من المورد إلى المنازل، وكانوا يسيرون على أقدامهم يوزعون المياه في أحياء القاهرة، ولم نكن هناك طائفة واحدة تضم باعة المياه بالقطاعي في الشوارع.

وكان نشاطها لا يقتصر على القاهرة فقط، ولكن كانوا يذهبون لعدة مناطق أخرى مثل بولاق ومصر القديمة، فبعد أن يأخذ السقا حصته من المياه لتوزيعها كانوا يتوجهون إلى عملائهم حاملين قربهم التي كانوا يحملونها فوق ظهورهم.

وكان حينما يصل إلى المنزل أو وجهته يقوم بصب المياه في الخزان المخصص لها بداخل المنزل، أو يقوم بصبه في الزير، وكان يقوم السقا بعمله هذا بمقابل مالي مقابل عدد القرب التي يستهلكها صاحب المنزل. 

ولما كانت كمية المياه المأخوذة من النيل يتم بيعها كلها على سكان القاهرة، بل كان يوضع جزء منها في الخزانات أو السبل "السبيل" حيث يستطيع الفقراء الذين لا يملكون ثمن شراء المياه من السقايين أن يحصلوا على حاجتهم بأنفسهم.

ووصل عدد الأسبلة أو السبل في القاهرة في مطلع القرن التاسع عشر نحو 300 سبيل، وكانت عبارة عن منشآت خيرية يؤسسها الأمراء والأغنياء للمنفعة العامة، وليتمكن الفقراء في الحصول على المياه الصالحة للشرب دون مقابل من خلال السبل المتواجدة في كل أحياء القاهرة المحروسة. 

فهل كان يقتصر عمل السقايين على توصيل المياه وحسب هذا ما سنعرفه في الحلقة المقبلة...