الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

من «الحشاشين» لـ«الإخوان».. تضليل العقول الوسيلة المفضلة للجماعات الإرهابية

مسلسل الحشاشين
مسلسل "الحشاشين"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

مع إذاعة الحلقة الأولى من مسلسل "الحشاشين" للفنان كريم عبدالعزيز، والكاتب عبدالرحيم كمال، والمخرج بيتر ميمي، وهو يتلقى إشادات من جمهور عريض، معجبا بالنقلة التي انتقلتها الدراما التاريخية المصرية مع هذا الإنتاج الضخم والمفاجئ، وبدوره أثار العمل جدلا واسعا فيما يتعلق بقضايا تخص اللغة والأحداث التاريخية.
يأتي المسلسل في إطار المواجهة الفكرية، والمواجهة بالفن، للأفكار المتطرفة والجماعات الإرهابية، خاصة عقب نجاح ثلاثية "الاختيار" للمخرج بيتر ميمي، التي وثقت بصورة فنية درامية العمليات الإرهابية ضد أفراد الجيش والشرطة، وضد المدنيين ورجال القضاء، وطالت أيضا المساجد والكنائس، وعرضت في مواسم رمضانية سابقة.

“الحشاشين”.. مسلسل عن جذور الإرهاب وأصوله في إطار المواجهة الفكرية

تجاه فريق العمل لشخصية حسن بن الصباح (ت.518هـ) جاء لدوره التاريخي في تأسيس طائفة مرعبة عُرفت بأنها أشهر طائفة قتل واغتيالات سياسية، تمكنت من الوصول وقتل شخصيات بارزة من أكبر رجال الدولة السلجوقية والدولة العباسية، لذا فهي من الفرق التي يرجع إليها السبب في التأسيس للإرهاب والتطرف الديني.
ويبدو التشابه أيضا كبيرا بين حسن الصباح مؤسس جماعة الحشاشين، وحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية، وقد ألح العديد من المراقبين والباحثين على التشابه الكبير بين الشخصيتين، وخاصة في امتلاكهما قدرات خاصة للتأثير على أنصارهما والدفع بهم إلى تنفيذ عمليات إرهابية مهما كانت عواقبها وخيمة وغير مضمونة لمنفذ العملية.

تحصن الصباح في قلعة آلموت معلنا قيام دولته النزارية

"شيخ الجبل".. من هو الحسن الصباح؟
تعود جذور الحسن بن الصباح إلى أصول يمنية، وأنه ولد في الري في بلاد فارس القديمة (إيران حاليا)، نشأ على مذهب الشيعة الاثنا عشرية، ثم تعرف على الدعوة الباطنية الإسماعيلية وعلى أحد دعاتها في الري، والتقى بكبير الدعوة وزعيمها وهو عبد الملك بن عطاش، الذي أُعجب بعقله ومهاراته الفذة، فجعله نائبا للدعوة الباطنية، ونصحه بالذهاب إلى مصر للقاء الخليفة الفاطمي المستنصر بالله (ت.487ه)، وهي الزيارة التي ستغير مجرى تاريخ ابن الصباح حتى النهاية، إذ وقع في الخلاف القائم في القاهرة حول خلافة المستنصر، هل هي لابنه الأكبر وولي عهده نزار أم لابنه الأصغر أحمد صهر الوزير بدرالدين الجمالي، حليفه والمدعوم منه، والذي نصَّبه فعليًا في مصر ولقب بلقب المستعلي بالله.
لم يرض نزار بهذه الخطوة، ودخل في نزاع مع المستعلي، انتهى بهزيمة نزار وقتله في عام 488ه، بعدها جرى إبعاد الصباح عن القاهرة على متن سفينة متجهة للمغرب، وتعرضت السفينة لعاصفة ولم تكمل طريقها إلى المغرب بل اتجهت إلى الشام، ثم رحل إلى بغداد ثم إلى أصفهان. 
في بلاد فارس، أعلن الصباح انتهاء ولائه للخلافة الفاطمية في القاهرة، وسمى نفسه "حجة الإمام المستور" يقصد نزار المقتول، واستولى بالحيلة على قلعة فوق جبل تسمى "آلموت" وتعني في لغة الديلم "عش النسر"، وأحاط نفسه بجيش من القتلة الماهرين، واستولى على عقولهم، وانتشرت عنهم قصص كثيرة مليئة بالرعب، وعرف بلقب "شيخ الجبل".

رشيد الخيون: الجماعات المتطرفة تسيطر على عقول أتباعها بالفتاوى المضللة

"الحشاشين".. سبب التسمية
في قصص مشهورة، استغل الصباح نبتة الحشيش للتأثير على أتباعه، وأنه أوهمهم بدخول الجنة أيضا، إلا أن الباحثين المنتمين لنفس المذهب الإسماعيلي يرفضون هذه القصص التاريخية، ولهذا رأى الباحث السوري مصطفى غالب في كتابه "تاريخ الدعوة الإسماعيلية" أن العباسيين أمروا أصحاب المقالات بالطعن في مبادئ الحركة، وتلفيق التهم والأكاذيب لها"، وأن تعاطي الحشيش كان من التهم الملفقة لهذه الفرقة.
أما المفكر العراقي رشيد الخيون رأى في كتابه "لا إسلام بلا مذاهب" أن كتب التاريخ لا تفيد بشيء عن أصل تسمية الحشاشين، ولا المخدر المقصود أو علاقة قاطني قلعة آلموت به"، ويقتبس من المؤرخ اللبناني حسن الأمين رأي مفاده أن الحشائشي لفظ يطلق على مستخدمي الحشائش البرية في الأدوية، كما قدم رأيا إضافيا متعلقا بكون التسمية مشتقة من كلمة الحشاشة بمعنى "بقية الروح في الجريح أو المريض"، فربما لتمرسهم في الاغتيال ارتبط اسمهم بالحشاشة حتى ذاع صيتهم بالحشاشين نسبة إلى عملية حش الرقاب.
خلافا لرأيه السابق، أعلن الخيون تراجعه عن رأيه في سبب التسمية، معترفا بأن تسمية الطائفة النزارية التي اتبعت حسن الصباح بالحشاشين تسمية صحيحة وليست فردية.
وقال الخيون في مقال له بعنوان "الاغتيال بالفتوى والحشيش": كنا مقتنعين، أن تسمية "الحَشاشين" جماعة حسَن الصَّباح شوهت مِن قِبل الرَّحالين الأوروبيين، وفي مقدمتهم ماركو بولو.

كتاب "صرعى العقائد" للباحث العراقي رشيد الخيون

وأضاف "الخيون" أنه في خلال عمله على كتابه "صرعى العقائد المقتولون بسبب ديني قديمًا وحديثًا"، وجدنا أنَّ جماعة عُرفت بـ"الحشيشية"، ينفذون الاغتيالات، والمؤرخ كان زيديّا، قبل ماركو(1254-1323م)، قال: "قومٌ في تلك الدِّيار، يرمون نفوسهم على الملوك، فيقتلونهم ويُقتلون، ويرون ذلك دينيًّا"(ابن دَعثم، السّيرة الشَّريفة المنصوريَّة). تحدث المؤرخ ابن دعثم(ت: 615 هجريّة/1218م) عن أربعة أسرى مِن "النَّزاريّة".
كذلك كان الحشيش معروفًا، بدلالة التَّحريم، وفق "زَهر العريش في تحريم الحَشيش"، لبرهان الدِّين الزِّركشيّ (ت: 794هـ)، ووجود "الجُنينة تصغير جنة، من أخبث بقاع الأرض... تعرف ببيع الحشيشة، التي يبتلعها أراذل النَّاس، وقد فشت هذه الشَّجرة"(المقريزيّ، المواعظ والاعتبار). حتَّى قيل الشِّعر في تناولها، مع التَّوصية بزراعتها، وتبنت ذلك جماعة دينيّة: "دع الخمر واشرب مِن مدامة حيدر/ معنبرة خضراء مثل الزَّبرجد".
هذا الوقت غير البعيد عن القرن السَّادس الهجري، أي وجود النِّزاريَّة، وممارستهم للاغتيال. كان الحشيش يستخدم مكيفًا للدماغ، وقيل عنه "في الحشيش مِن الإسكار والإفساد"(الزَّركشي، زهر العريش). لهذا أنَّ تسمية تلك الجماعة بالحشاشين، ليست نسبة للأدوية، إنما إلى المخدر، ولا هي اختلاق أوروبي.

جماعة الإخوان الإرهابية اعتمدت على الاغتيالات لإزاحة خصومها

أوجه التشابه مع جماعة الإخوان الإرهابية
من المفارقة، أن تشبيه حسن البنا بحسن الصباح جاء في البداية على لسان سيد قطب (الذي أدين في قضية تنظيم 65) وذلك قبل انضمامه للجماعة الإرهابية، وقبل أن يصبح منظر الإرهاب الأكبر في كتابه "معالم في الطريق"، حيث تعود "قطب" أن يمازح أحد أقاربه المنتمين إلى جماعة الإخوان فيقول له: "ماذا فعل بك حسن الصبَّاح وجماعة الحشاشين؟"، وذلك ما أشار إليه ثروت الخرباوي في كتابه "أئمة الشر".
هذا التشابه الذي انتبه إليه سيد قطب في وقت سخر فيه من "البنا"، ليس عفويا، وليس ناتجا عن تشابه الأسماء فقط، إنما هو تشابه حقيقي جوهري، فالجماعات المتطرفة ينتظمها خيط واحد هو تسويق فكرة الدفاع عن الدين، والحفاظ عليه، مع ضرورة إزاحة من يقف في طريق هذه الجماعات لأنه يقف في طريق الدين.
كلا الحسنين (الصباح والبنا) اعتمد على اختيار أولى رجاله من طبقات متواضعة، فالباحث فرهاد دفتري في كتابه "الإسماعيليون تاريخهم وعقائدهم" أكد أن معظم القادة النزاريين جاؤوا من خلفيات اجتماعية متواضعة"، وهو ما يتشابه للغاية مع بداية حسن البنا الذي اعتمد في بداية تأسيس جماعته على مجموعة من ذوي الحرف والمهن البسيطة.
عندما جرى انضمام حسن الصباح للدعوى الإسماعيلية، أقسم يمين الولاء أو “يمين العهد” يلتزم فيه ببيعة مع رموزها، وقد فرضه على أتباعه، وهو نظام يجري استخدامه من قبل جماعة الإخوان الإرهابية، وكل الجماعات المتطرفة، ويسمى بالبيعة.  
استغلت الجماعتان الأوضاع السياسية والاقتصادية في زمنهما للتأثير على الأفراد والمنتمين إليها، حيث يزداد تأثير الجماعة فيمن حولها عندما تركز في خطابها على الأوضاع الاجتماعية والسياسية، واستغلال أي أوضاع سيئة يمكن من خلالها التأثير على الناس، وهو ما تفعله جماعة الإخوان دائما، وما فعلته جماعة الحشاشين في استغلال أوضاع اقتصادية وأسباب للشكوى من النظام السلجوقي. 

وأوهمت الجماعات المتطرفة أتباعها بأن الانضمام إليها والعمل لصالحها يسهل إقامة المجتمع الإسلامي العادل، الذي ينشده الدين، وأن الابتعاد عن الأنظمة السياسية القائمة خطوة مهمة في طريق الصلاح الديني.
كلا الفريقين ينظر للآخرين الذين لا ينتمون إليه، بل ويعملون ضد مصالحه، أو يمثلون عقبة في نشر دعوته أو جماعته، أنهم أعداء ويجب التخلص منهم، وهي الفكرة الجوهرية لدى الإرهاب، أنه لا يعمل على نشر أيدولوجية فقط، بل يعمل على تطبيقها بالعنف والقتل. 
وفيما يتعلق بنظرة عناصر هذه الجماعات لضحيته، يقول برنارد لويس مؤلف كتاب "الحشاشون": "كان الحشاشون يبدون في عيون ضحاياهم مجرمين متعصبين ضالعين في مؤامرة شيطانية ضد الدين والمجتمع، أما رفاقهم الإسماعيليون فكانوا ينظرون إليهم باعتبارهم قوة نخبة في الحرب ضد أعداء الإمام وأنهم بقتلهم للطغاة والمغتصبين يعطون الدليل الناصع على إيمانهم وولائهم ويحصلون على البركة الخالدة العاجلة". وهذه صفة مشتركة في جميع التيارات المتطرفة والإرهابية، فهم ينظرون إلى قتل بعض الأفراد أنه إزاحة من طريق الدين، وقضاء على المؤتمرين ضد الدين.
ووفقا لرأي المفكر رشيد الخيون، فإنه "ما مِن جماعةٍ دينيَّة سياسية مسلحة، تمارس الاغتيال دون فتوى، أو تحت مخدر العقيدة، أو المادة المكيفة، وأخطرها عندما تمارس بيد الدّين السّياسي، لأنَّ التّنفيذ يكون واجبا مقدسا، فكم حاول الإخوان المسلمون التنصل مِن اغتيال المستشار أحمد الخازندار(1948)، حتى فضح الأمر أحد أقطابهم عبد العزيز كامل(ت: 1991)، في بحث القضية مع حسن البنا (اغتيل: 1949)، ومدبر الاغتيال عبد الرحمن السّنديّ (ت: 1962)". في إشارة منه إلى تخدير العقل بالفتوى المضللة، والسيطرة على عقول أفراد الجماعة ببث عقائد وأفكار معينة.