قالت الكاتبة الصحفية والإعلامية داليا عبدالرحيم، مقدمة برنامج “الضفة الأخرى"، ونائب رئيس قطاع القنوات الإخبارية بالشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لملف الإسلام السياسي، إنه سيتم التركيز على مناقشة المفاهيم والمصطلحات التي تستخدمها الجماعات الإرهابية والمتطرفة والتي تدعي أنها تُمثل الإسلام، تلك المفاهيم التي تستخدمها في إقناع شبابنا للانضمام إليها.
وتابعت: سنقوم بتفكيك هذه المفاهيم وإعادة ضبطها من خلال مناقشاتها مع مجموعة من المتخصصين من مؤسساتنا الدينية ليقدموا لنا تصحيحًا لهذه المفاهيم الملتبسة أو التي تلتبس على البعض مثل مفاهيم الولاء والبراء والجهاد والشريعة والحاكمية وغيرها والتي ترتكز عليها الجماعات الإرهابية والمتطرفة في خطابها السياسي في محاولة منها لتلبيس السياسي بالديني والديني بالسياسي؛ فدائما ما تستخدم هذه الجماعات شعارات براقة خادعة، لخداع الآخرين والترويج لهذه الشعارات لكسب الأنصار أو جلب استعطاف الآخرين على أقل تقدير.
وأضافت "عبدالرحيم"، خلال تقديمها برنامج “الضفة الأخرى”، المُذاع عبر فضائية “القاهرة الإخبارية”، أن هذا ليس جديدًا على هذه الجماعات بشكل عام فقد استلهموه من التراث؛ فطائفة الخوارج التي خرجت على الإمام علي رضي الله عنه وعلى جماعة المسلمين كانوا يزعمون أن خروجهم على الإمام علي رضي الله عنه كان أمرًا مشروعًا؛ فكانوا يتأولون لقب "الخوارج" ويرونه مدحًا، فكلمة خوارج في نظرهم جمع "خارجة" وهي الطائفة التي تخرج للغزو في سبيل الله تعالى، ويستندون في هذا إلى آيات قرآنية يخرجونها من سياقها القرآني ليصفون بها أنفسهم، كما حدث منذ ما أطلق عليه بالصحوة الإسلامية في أواخر سبعينات القرن الماضي وحتى الآن، فحينما تصف أحد عناصرهم بالإرهاب يقول لك نعم نحن إرهابيون بوصف القرآن لنا ويستند إلى آية "وأعدوا لهم ما استطعتم" مختصر الإسلام في جماعته وفريقه مكفرا القيادة السياسية أو بألفاظهم ولي الأمر.
وتابعت: "وفي العصر الحديث حاول كل تنظيم من التنظيمات المتطرفة أن يضفِيَ على نفسِه لَقبًا، أو اسمًا يتميز به عن غيره، وفي نفس الوقت يحمل طابعًا إسلاميًّا يؤثر في النفس؛ حتى ينخدع بهذا الاسم بعض الشباب المغرَّرِ بهم، فيتورطون مندفعين إلى هذا الفَصِيل، أو ذلك التنظيم طواعيةً منهم، ظنًّا منهم أنَّ مَن لم يلتحق بهم سيترك خيرًا كثيرًا، ويَنالُ عقابًا أليمًا من الله تعالى. كذلك فإنَّ تلك التنظيمات تُعطِي للألقاب كثيرًا من الصفات المقبولة في أذهان المتلقين، مثل: "أهل الإيمان"، و"الفرقة الناجية"، أو أنَّهم وحدهم الصادعون بالحق، والمجاهدون في سبيل الله، أو الغرباء في زمن الكفر، ... الخ.
واستطردت: "ومن بين المسائل والقضايا التي تشغل بال هذه الجماعات وتروج لها قضية "نظام الحكم"؛ حيث تدعي هذه الجماعات بأن هناك نظام حكم إسلامي وعدته أساس للعقيدة وجذبت من خلال استخدامه عددا لا حصر له من الشباب.
وأوضحت أن الجماعات الإرهابية تستغل مفاهيم مختلفة للسيطرة على عقول الشباب وترويج مشروعها السياسي؛ ولنتذكر معا عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك سارعت بعض الجماعات الدينية المسيسة، المتحالفة مع جماعة الإخوان، إلى المطالبة بتطبيق الحسبة، إذ طالب الدكتور عصام دربالة، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية، بإنشاء “شرطة حسبة” تكون مهمتها تغيير المنكر والأمر بالمعروف، ومنع الاعتداء والبلطجة وارتكاب الفواحش، على أن تكون جزءا من جهاز الشرطة العام، مشيرة إلى أنه فور إعلان فوز محمد مرسي برئاسة مصر، وقبل أن يضع قدميه في قصر الاتحادية، حتى ظهرت جماعة أعلنت أنها ستقوم بتطبيق “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” وطالبت الرجال بإعفاء اللحى والنساء بارتداء النقاب، ولا يعني تبرؤ الإخوان من هذه الأفعال أبدا أن الحسبة كانت غائبة عن إدارة الصراع السياسي بينهم وبين ومنافسيهم وخصومهم بل والأغلبية الكاسحة من المجتمع المصري بعد وصول الجماعة إلى الحكم؛ فقد تم استدعاؤها، دون إعلان ذلك صراحة، في دفع بعض شباب التنظيم الخاص للجماعة ومجموعات من السلفية المتطرفة المتحالفة معها وعلى رأسها “حازمون” لممارسة العنف، الرمزي واللفظي والمادي، لردع خصوم حكم الإخوان، وإحكام القبضة على مؤسسات الدولة.
ونوهت: "بينما كانت هذه المجموعات تتحرك في الشارع كان الإعلام التابع للإخوان وآلة الفتوى الموالية لهم تضع هذه التحركات في سياق “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بغية إقناع أكبر عدد من شباب السلفيين بالإنضمام إليها، ونزع أي شرعية أخلاقية ودينية عن القوى المناهضة لحكم الجماعة، والتي صوروها وقتئذ بأنها مجموعات علمانية كارهة للإسلام، لا تريد أن تصدع لـ“الحق” وترضى بـ“حكم الشريعة”، وبهذه الذريعة حاصر مئات من شباب الإخوان وبعض أتباع التيار السلفي مقر المحكمة الدستورية العليا في القاهرة، وحاصروا مدينة الإنتاج الإعلامي، وطاردوا إعلاميين وسياسيين وخبراء أمام أسوارها.
ولفتت إلى أن هناك عددا من المفاهيم أسيء استخدامها من قبل الجماعات الإرهابية، وأولها الخلافة والتمكين، حيث أن الخلافة الإسلامية أو الإمامة العظمى هو نظام الحكم الذي يقوم على استخلاف قائد مسلم على الدولة الإسلامية ليحكمها بالشريعة الإسلامية، وهي فرض كفاية عند أهل السنة والجماعة، وسُميت بالخلافة لأن الخليفة هو من يخلف الرسول لتولي قيادة المسلمين، موضحة أن ثاني هذه المفاهيم التمكين لجماعات التطرف، والتي استخدمتها جماعات العنف والتطرف من أجل بسط سيطرتها وفرض أفكارها حيث أطلقت عليها مرحلة التمكين ضمن مراحل سرقة الأوطان؛ هدفها ليس إقامة الدين ولكن فرض أيديولوجيتها الدينية من خلال الصبغة السياسية، رغم أنه اتفق على أنها سياق تاريخي غير ملزم، فضلا عن مصطلح الجاهلية، وهو مصطلح إسلامي ورد في السور المدنية في القرآن الكريم، يُشير إلى حياة الأمم قبل الإسلام، ويربطها بجهل تلك الأمم من الناحية الدينية، وهي إشارة ليست خاصة بالعرب، بل تشمل جميع الشعوب قبل بعثة النبي محمد، وهو تعريف أكثر منه حكم على هذه المجتمعات.
وأشارت إلى أنه يأتي بعد ذلك مصطلح جاهلية المجتمعات المسلمة، والذي أطلقته الجماعات التكفيرية المتطرفة على المجتمعات المسلمة في محاولة منها للصق صفة عدم الإيمان بهذه المجتمعات، ومن ثم إقامة أحكام الكفر على هذه المجتمعات؛ حيث قاربت هذه التنظيمات بين وصفها للمجتمعات المسلمة المعاصرة والأخرى التي رفضت الإسلام وحاربت أهله، علاوة على مصطلح التكفير وهو نسبة أحد المسلمين إلى الكفر، وإخراجه عن ملة الإسلام، وبداية ظهور المصطلح مرتبط بمعركة صفين وظهور فرقة الخوارج الذين اعتقدوا بكفر الإمام علي بن أبي طالب ومن معه لقبولهم بالتحكيم، يحكم جميع المذاهب الإسلامية بحرمته، كونه من المسائل التي تدعو إلى الاختلاف وزرع الفرقة.
ونوهت بأن آخر هذه المصطلحات تكفير المختلف سياسيا، وأطلقت الجماعات التكفيرية والمتطرفة لفظة التكفير على كل من يختلف معها سياسيًا ودينيًا، حتى أنها عُرفت بهذه الصفة، لأنها تُكفر كل النّاس، حتى أنها أمعنت في التكفير، فقامت بتكفير من لم يحكم بكفر الحاكم والمختلفين معها، وبالتالي تقوم بقتل النّاس وفق حكمها بتكفيرهم.
من جانبه قال الدكتور محمد عزت، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إن نفسية المتطرف تتكون من عدة أمور مثل الحماس الجارف، والاندفاع الطائش، والاضطراب الموجود في مقاصد الشريعة الإسلامية، موضحًا أن الإسلام جاء لحفظ النفس والإنسان والوطن، والمتطرف يخلط ما بين هذه المفاهيم، ولديه لا إنسانية في كلامه وخطابه، وهذا الاضطراب ينتج قبحًأ في خطابه المتطرف.
وأضاف "عزت"، خلال حواره مع الإعلامية داليا عبد الرحيم، ببرنامج "الضفة الأخرى"، المذاع على فضائية "القاهرة الإخبارية"، أن المصطلحات لدى الجماعات المتطرفة تحتوي على نوع من الاختلال من خلال خلط المصلطحات بعضها ببعض، مضيفًا أن الإسلام لم يضع قالبًا معينَا للحكم في الإسلام فالنظام يختلف بحسب المكان والزمان.
وأوضح أن الرسول لم يضع قالبًا معينًا للحكم في الإسلام، ولو كان الأمر هكذا لقام الرسول صلى الله عليه وسلم بتعيين سيدنا أبو بكر الصديق خليفة له، ولكنه لم يفعل ذلك، مشيرًا إلى أن الحكم في الإسلام هو حكم يقوم على مصالح الناس، وحكم قائم على العدل، مشيرًا إلى أن الإسلام يُريد حكم رشيد أيًا كان اسم هذا النظام سواء كان جمهورية، أو حكم فيدرالي أو خلاف أو أيًا كان المسمى، مشيرًا إلى أن الإسلام يريد من الحكم عدم التفرقة بين الناس سواء من ناحية الجنس أو اللون أو العرق.
ولفت إلى أن الإسلام جعل من قضية الحكم قضية فرعية وليس قضية أصلية، فالحكم يختلف باختلاف الزمان والمكان واختلاف الناس؛ أي أن الحكم يُحدد وفقًا لاختيار الناس، موضحًا أن الحكم في الإسلام ليس له نظامًا أو قالبًا معينًا ويختلف باختلاف أحوال الناس، والمكان الذي يعيش فيه الخلق، وهذا ما نص عليه علماء العقيدة، فالحكم هو فرع يختلف فيه الناس بحسب أزمنتهم وأماكنهم.
وأكد أنه لا يوجد نظام حكم من الممكن أن يوصف بالنظام الإسلامي، والناس هم من يختارون نظام الحكم، والإسلام وضع ضوابط عامة للحكم الرشيد منها العدالة، وقضاء احتياجات الناس، وتوفير احتياجات المواطن، مشيرا إلى أن جماعة الإخوان عملت على تمكين عناصرها من مفاصل الدولة المصرية خلال فترة حكم المعزول محمد مرسي، ولم تسع لتمكين المواطنين، والعمل على تحقيق مصالح الناس.
وأشار إلى أن التمكين لدى جماعة الإخوان لا يعني تمكين الله أو لخلق الله أو التمكين من أجل عبادة الله، ولكنه يعني تمكن عناصر الإخوان من الدولة، فالتمكين الحقيقي هو الذي يوفر الاستقرار، ويؤمن الناس على مستقبلهم ومستقبل أولادهم، موضحا أن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية عقد عدة مؤتمرات للحديث عن مخاطر التكفير، ومفهوم الدولة وتطورها عبر الزمن، وكيفية التعامل مع الفراغ الإلكتروني الذي يُستغل من قبل الجماعات المتطرفة.
ونوه بأن جميع المؤسسات الإسلامية في مصر تعمل تحت مظلة الأزهر الشريف سواء المفتي أو الأوقاف، وهناك تعاون في إعداد الملتقيات الفكرية والإسلامية من أجل بناء الوعي وبناء الإنسان المصري، مؤكدا أن الجماعات المتطرفة تُكفر أي شخص تصفه بالجاهلي، ووفقًا لهذا تقوم باستباحة دمائه وممتلكاته وكل شيء يخصه.
وأوضح أن الحكم في الإسلام لله وحده، وقضية التكفير في الإسلام ليست في يد الأفراد، ولكنها موضوعة لدى القضاء وفقًا لعدة مبادئ، مشيرا إلى أنه لا يجوز تكفير المسلم أيًا كان فعله وفقًا لأراء الكثير من العلماء، فإذا وجدنا الإنسان يسجد أمام صنمًا فلابد أن نسأله عن ذلك، فربما يكون يبحث عن شيء في الأرض، أو لعله تعب فوقع على الأرض، لأن قضية التكفير خطيرة جدًا، ويترتب عليها الكثير من الأشياء مثل التفريق بين الزوج والزوجة وخلافه.
ولفت إلى أن تهنئة المسيحيين بالأعياد الدينية أمر إنساني، وليس أمرًا عقائديًا، فتهنئة المسيحي بأحد الأعياد الدينية أمرًا فطريًا إنسانيًا يتعايش به الناس مع بعضهم البعض، موضحا أن ظاهرة التكفير ظهرت منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم مع المنافقين، مشيرًا إلى أن أول ظهور لهذه المصطلحات ظهرت مع الخوارج.
واختتم أن الجماعات المتطرفة هم تلامذة الخوارج، وهم امتداد للخوارج منذ عهد سيدنا علي بن أبي طالب حتى الآن.