أنجبت مصر عددا كبيرا من الأدباء والمفكرين والمبدعين كان لهم دور بارز في الحياة الثقافية، ولم تفغل الهيئة العامة لقصور الثقافة أن تحفل بهؤلاء الكتاب والمبدعين في لفتة طيبة وتقديرا لما قدموه خلال مسيرتهم الإبداعية من خلال مبادرة تقدمها الهيئة تحت عنوان "العودة إلى الجذور تتناول من خلالها عطائهم الأدبي وسيرتهم الذاتية وفي هذه السطور خلال شهر رمضان المبارك نقدم كل يوم حلقة عن هؤلاء الرموز نبرز من خلالها مدى مساهمتهم في إثراء الأدب والثقافة والمكتبة العربية طوال حياتهم.
لم يكن ليخطر بباله أن رحلته ستتوج بعد أكثر من نصف القرن بوسام رفيع من الرئيس الروسي في نوفمبر ۲۰۱۱ تقديرا لجهوده الكبيرة في نشر الثقافة والأدب الروسي بالعربية لكن الجدية والمثابرة كانتا خصلتين ملازمتين له منذ أن كان تلميذا في المدرسة الثانوية للمتفوقين بضاحية المعادي، إنه المترجم الكبير أبو بكر يوسف أبو جليل.
ولد الروائي أبوبكر يوسف في ٢٠ مايو لعام ١٩٤٠ في قرية مفتاح أبو جليل بمحافظة الفيوم، كان والده عمدة الناحية وعميد قبيلة الرماح يكتب الشعر الزجل ويخجل من وضع اسمه عليه فيوقع قصائده باسم العمدة"، في تلك القبيلة ذات الأصول البدوية كان الجميع تقريبا يكتبون الشعر ويعشقون الخيل والسلاح ويقدسون الشعور بعزة النفس. ولد أبوبكر في أحضان الشعر والكرامة ومثلما فعل بعض من الريفيين المصريين الذين قطعوا الطريق من قراهم إلى القاهرة ثم أوروبا.
قطع أبوبكر الطريق من القاهرة إلى روسيا طلبا للعلم بالإصرار الذي امتاز به كل المتعطشين للمعرفة، وحينما وصل أبو بكر يوسف إلى موسكو عام ١٩٥٨ وبفضل تفوقه تم اختياره عضوا في أول بعثة إلى روسيا تضم طلابا - وليس خريجي جامعات - للحصول على الليسانس والماجستير في اللغة الروسية وآدابها، وعندما عاد إلى مصر في عام ١٩٦٤ التحق مدرسا بكلية الألسن بجامعة عين شمس.
ثم توجه بعد فترة إلى موسكو مرة ثانية في بعثة لنيل شهادة الدكتوراة حيث ناقش الحرب العالمية الموسكو في موضوع - الدكتوراة الفتى الذي قطع الطريق من الفيوم إلى موسكو تتجدد أشواقي هذه المرة إلى الإبداع وإلي نقل عيون الأدب الروسي إلى العربية، فيقدم على صفحات - أنباء موسكو" (١٩٦٩ - ١٩٧٤) ترجمات العديد من الشعراء والأحياء الروس والسوفيت.
وللمرة الأولى تشق الترجمة طريقها للقارئ العربي مباشرة من الروسية إلى العربية وليس عبر لغة ثالثة، كما كان الأدب الروسي يترجم قبل ذلك من الفرنسية والإنجليزية. ويلتحق أبوبكر مترجما في دور النشر "التقدم"، و"رادوجا" و"مير" ويواصل من هناك إثراء الحياة الثقافية العربية فيقدم للقارئ العربي مجموعة من عيون الأدب الروسي منها "ديوان الشاعر الكسندر بلوك"، وروايتا “السفينة ، والكلب الأبلق الراكض عند حافة البحر” لجنكيز ايتماتوف، ورواية "كوبروفسكي" لبوشكين، و"سوار العقيق" لأكسندر كوبرين، ومجموعة قصص الأندريه بلاتونوف، ومجموعة أخرى ليوري ناجيبين، ورواية "المعطف" لجوجول وغير ذلك.
كما قدم لمكتبة الطفل العربي ترجمات لأكثر من خمسة وعشرين كتابا من أدب الاطفال الواسع الانتشار في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، إلى ترجمته لمنتخبات من الشعر الروسي الكلاسيكي والمعاصر حاول فيها اشتقاق أسلوب جديد لترجمة الشعر ابتعادا عن النماذج النثرية التي شاعت في ترجمة الشعر الأجنبي إلى اللغة العربية،كتب عن الثقافة والشئون الروسية للصحف العربية.
واحتفي المثقفون بالدكتور أبوبكر يوسف عام ٢٠١٠ وهو يتسلم وسط باقة من محبيه فوق منصة دار الأوبرا الشهيرة من الوكالة الفيدرالية الروسية للصحافة والإعلام ميدالية تقدير عال لجهده الكبير في تنمية العلاقات الثقافية بين روسيا ومصر، كما نال أبو بكر يوسف أبوبكر وساما رفيعا "ميدالية بوشكين من الدولة الروسية ورئيسها" تتويجا واعترافا بعطائه الخصب الذي أثرى به التعارف الثقافي الإنساني العربي الروسي على مدى نصف القرن.