كل المعطيات حول ميناء بايدن المؤقت على ساحل قطاع غزة تؤكد أنه ليس مجرد وسيلة لنقل المساعدات الغذائية إلى الفلسطينيين وإنما محاولة لبناء جسر يتم من خلاله العبور بمخطط التهجير إلى حيز التنفيذ.
عندما نضع تصريحات الرئيس الأمريكى جو بايدن منذ بدأ الحديث عن ميناء غزة المؤقت إلى جانب تصريحات المسئولين الصهاينة فى بؤرة الضوء؛ سنكتشف على الفور أن هذا الميناء مناورة أمريكية إسرائيلية جديدة لتهجير مليون ونصف فلسطينى بعد أن فشلت جميع مناوراتهم السابقة.
ليس صحيحًا أن واشنطن كانت جادة فى كل ما أعلنته بشأن رغبتها فى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار قبل حلول شهر رمضان؛ إذ أنها لم تمارس ضغوطًا تذكر على الحكومة الصهيونية المتطرفة فى تل أبيب، وتركت مجرم الحرب الصهيونى بنيامين نتنياهو يضع شروطًا غير معقولة لقبول الاتفاق.
الأمريكان والصهاينة كانوا يريدون كل شيء بلا مقابل، يريدون تحرير جميع أسراهم مقابل هدنة مؤقتة مع تهديد ووعيد باستئناف الحرب على المدنيين فى قطاع غزة.
على الجانب الآخر لا يمكن إلقاء اللوم على حركة حماس واتهامها بالتسبب فى فشل المفاوضات لأنها وببساطة اشترطت فقط وقف نهائى لهذه الحرب اللإنسانية والكف عن تجويع أكثر من ٢ مليون مواطن فلسطينى وهى بكل المعايير مطالب إنسانية عادلة.
أصلًا هناك تصريح خطير لمجرم الحرب نتنياهو قبل أسبوع تقريبًا قال فيه "نمضى فى طريق المفاوضات ولا نتمنى نجاحها، والتوصل إلى اتفاق هدنة مؤقتة لم يلغ خطة الهجوم البرى على مدينة رفح الفلسطينية".
مراقبون كثر أكدوا أن ميناء المساعدات الأمريكى المقترح يهدف فى الأساس إلى تخفيف حدة الضغوط السياسية على حكومة جرائم الحرب الصهيونية بسبب حصارها المطبق على غزة وفى ذات الوقت محاولة لتحسين صورة الرئيس بايدن الذى يواجه انتقادات شرسة من قبل أنصاره الديمقراطيين قبل منافسيه بسبب هذه الحرب اللاإنسانية.
ميناء بايدن بمثابة رخصة أمريكية لبدء الهجوم الإسرائيلى على مدينة رفح التى يحتشد فيها نحو مليون ونصف نازح من باقى محافظات ومدن القطاع للتقليل من حدة الانتقادات الدولية للحكومة الصهيونية أثناء ارتكابها المزيد من المجازر فى الحرب المرتقبة على المدينة الصغيرة.
وزير الخارجية الفلسطينى رياض المالكى قال عن ميناء بايدن المؤقت أنه تفريط فى سياسة الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ومحاولة لتمرير مخطط التهجير.
واشنطن تحاول من خلال تدشين هذا الميناء تجميل وجه بايدن ونتنياهو لأن الهجوم البرى على مدينة رفح سيدفع قطعًا مئات الآلاف إلى الهجرة القسرية إما عبر السفن الأوروبية والأمريكية التى سترابض عند ميناء بايدن الموقت.
يسرائيل كاتس وزير خارجية الكيان الصهيونى تبجح وقال بوقاحة منقطعة النظير "سنعمل على تهجير مليون فلسطينى نحو الغرب عند بدء الهجوم البرى على مدينة رفح؛ وليس فى غرب رفح الفلسطينية إلا رفح المصرية".
تصريحات الوزير الصهيونى جاءت تعليقًا على حديث الرئيس الأمريكى بايدن بشأن عدم وجود خطوط حمراء لدعم الاحتلال الصهيونى، وعدم وجود خطوط حمراء تمنع إسرائيل من الهجوم على مدينة رفح لكنه فقط يطالب نتنياهو بالحفاظ على حياة المدنيين بتأمين مأوى لهم قدر المستطاع.
بايدن كان واضحًا كفاية فى تعبيره عن دعمه المفتوح والمطلق للعدوان الإسرائيلى بقوله "من المهم الاستمرار فى دعم إسرائيل بالأسلحة دون خطوط حمراء".
سبقت تصريحات بايدن كشف صحيفة الواشنطن بوست عن تقديم الولايات المتحدة ١٠٠ صفقة سلاح إلى إسرائيل منذ أحداث السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ لم يعلن منها إلا اثنتين فقط، وتقارير صحفية دولية ذكرت أن ١٠٪ من قتلى وجرحى جيش الاحتلال الصهيونى جنود أمريكان وليسوا من المواطنين الاسرائيلين الحاصلين على الجنسية الأمريكية وإنما جنود ينتمون إلى الجيش الأمريكى، لذلك لا يمكن تصديق رئيس أمريكا الصهيونى “بايدن” عندما يقول أن الجيش الأمريكى سيحتاج إلى ألف جندى فى عملية بناء ميناء غزة المؤقت دون أن تطأ أقدامهم شواطئ غزة.
هذا التواجد العسكرى الأمريكى سوف يقدم كل أشكال الإسناد والدعم لجيش الاحتلال الصهيونى لتنفيذ مخطط التهجير ويكفى القول هنا أن مجرد هذا الحضور العسكرى للجيش الأمريكى يشكل ضغط سياسي هائل على جميع الأطراف المحيطة والمعنية.
من المهم الإشارة هنا إلى أن معظم المنظمات الإغاثية الدولية، بالإضافة إلى الأمم المتحدة قد سخرت من ميناء بايدن للمساعدات المزعومة واستمرت فى مطالباتها بضرورة الضغط على الكيان الصهيونى لتمكين شاحنات المساعدات الإغاثية من الوصول إلى قطاع غزة عبر معبري رفح وكرم أبو سالم بسبب فاعلية هذه الطريقة فى انقاذ الشعب الفلسطينى من شبح المجاعة.
اللافت أن الإعلام الأمريكى والغربى سوقوا حديث بايدن حول ضرورة إيصال المساعدات إلى الفلسطينيين وحماية المدنيين فى رفح باعتباره انتقادًا حادًا لرئيس الوزراء الصهيونى بنيامين نتنياهو وتعبيرًا عن ضيق واشنطن لسياسات تل أبيب؛ فيما المشهد برمته مجرد تمثيلية هابطة كشفها مشهد استشهاد وإصابة عشرات الفلسطينيين جراء سقوط صناديق المساعدات الإغاثية على رؤوسهم ومنازلهم.
الكيان الصهيونى وفى مسعاه لتنفيذ مخطط التهجير حاول زعزعة الاستقرار الاجتماعى داخل غزة وتواصل على ما يبدو ببعض شيوخ القبائل والعشائر الغزية ليتولوا مسألة توزيع المساعدات التى ستأتى عبر ميناء بايدن إلا أن تجمع القبائل والعشائر الفلسطينية أعلن انحيازه إلى خيار مقاومة المحتل الغاصب، والحقيقة أن المخطط الصهيونى الخبيث كان يريد استخدام القبائل والعشائر فى وظائف أخرى منها مساعدته على تحفيز المدنيين الذين يعانون الجوع والخوف على الهجرة إما شمالًا عبر سفن بايدن أو غربًا نحو مصر.
بالتزامن مع كل ذلك تخبرنا التقارير والمعلومات عن بدء اللوبى الصهيونى الاقتصادى فى واشنطن بتحذير السلطات الأمريكية الكبرى من التعامل مع عدد من المؤسسات والهيئات الاقتصادية التابعة لعدد من الدول العربية والتى تصنفها إسرائيل داعمة للشعب الفلسطينى وحقه فى إنشاء دولة مستقلة، وتشير تقارير إلى ما يسمى بمنتدى الشرق الأوسط وهو تجمع للوبى صهيونى اقتصادى وقد بدأ بالفعل تحركاته حتى تبدأ الدول المستهدفة بممارسة ضغوط أكبر على فصائل المقاومة الفلسطينية.