«لا تترك نفسًا حية»، كان ذلك تلخيصًا لطبيعة شريعة الكيان المغتصب في حق صاحب الدار، ردده ذات يوم «حاخام» صهيوني يؤمن بأن وجود مجاور لـ«تل أبيب» هو خطر وجودي.
في شريعة المغتصب، إن أي مقاوم سلمي أو مسلح فهو إرهابي يهدد أمن المجتمع المصطنع بفعل السياسات والأغراض الدولية، وهذا ما تؤمن به إسرائيل وتعمل على توظيفه باستمرار.
ولسنوات جندت «إسرائيل» آلافًا من الدعاة داخل قطرها وخارجه، لصنع خيال توراتي يتضمن خميرة ثقافية تصنع بواسطتها جنودًا يستطيعون اجتراح الأفعال الدموية دون أن ترف لهم أجفان.
كان هذا ضروريًا لصناعة جيش مسلح ينتمي في الأصل لمجتمع لا يملك تاريخًا أو ثقافة، ويمثل أداة للتدخل المباشر أمام أي قطر عربي ساع إلى التحرر من الوصاية الأجنبية.
ومنذ أحداث السابع من أكتوبر وحتى الآن، تتبع إسرائيل كل الأساليب الممكنة لطرد السكان الأصلييين من أراضيهم بالقوة وإثارة رعب واسع النطاق وذلك عبر أساليب عدة، والتي يمكن تحديدها في محاصرة وقصف القرى والمراكز السكنية، وحرق المنازل والأملاك والبضائع، وهدم البيوت والمنشآت، وأخيرًا زرع الألغام وسط الأنقاض لمنع السكان المطرودين عنوة من العودة إلى منازلهم.
وتنُم هذه السياسة العدوانية التي تتجلى في استشهاد 20 ألف مواطن فلسطيني، عن طبيعة صهيونية واضحة تكشف لنا عن نظام التفكير النفسي للشعب الإسرائيلي، الذي تستعصي معه كافة أدوات العقلنة السياسية، بما يعكس إيمانه الشديد بأن أمنه لا يمكن أن يتحقق مع وجود أصحاب الحق في الجوار.
لم يكن زعم «بن غفير» بأن الدولة الفلسطينية تشكل تهديدًا وجوديا لدولة إسرائيل كما ثبت في 7 أكتوبر، ضربًا من الخيال بل هي عقيدة راسخة لدى كل جندي يحمل سلاحا في وجه أي طفل أو امرأة أو رجل.
ففي شريعة المغتصب- إرهابيو اليوم هم أطفال أمس، والنساء هن من يصنعن الإرهابيين، يسير كل هذا بمبدأ «لا تترك نفسا حية» كما ذكر الحاخام الصهيوني.
في شريعة المغتصب يكون الخوف مسيطرا ومتجسدا في سياساته الرامية إلى تحقيق تطهير عرقي للسكان الأصليين، وبناء دولة يهودية نقية دون آخرين يؤمن بأنهم قد يشكلون تهديدا وجوديا.
خوف إسرائيل وهشاشة أمنها الذي بدى مدى ضعفه في أحداث 7 أكتوبر، تبدو انعكاساته في تنفيذ سيناريو «التطهير العرقي للسكان الأصليين»، وبناء دولة يهودية نقية دون آخرين قد يشكلون تهديدا وجوديا.
في الفكر الصهيوني لكل "فاعل" دور محدد زمني وجغرافي، بالأمس كانت بريطانيا واليوم أمريكا، فتفجير السفارة البريطانية في روما عام 1946 من قبل منظمة الإرجون الصهيونية ردًا على تقليص الهجرة إلى فلسطين، كان بمثابة بداية النهاية للدور الإنجليزي في تحديد أولويات الدولة الصهيونية لتحل محلها «الولايات المتحدة الأمريكية» بكل قدراتها وعلاقاتها المتشابكة في المنطقة.
كانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بإسرائيل كدولة مستقلة في 14 مايو 1948 عندما أصدر الرئيس هاري ترومان بيان اعتراف عقب إعلان إسرائيل الاستقلال في نفس التاريخ.
على نحو أدق كان اعتراف أمريكا بهذا الكيان بعد 12 دقيقة فقط من اعتماد وثيقة الاستقلال.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن، لم نلمس ثمة تناقض أمريكي إسرائيلي فعلا، باستثناء بعض الخلافات المصطنعة التي تظهر على السطح تجميلا لصورة "واشنطن" الراعية زيفا وبهتانا لحقوق الإنسان أمام العالم.
وإذا كانت الإدارة الأمريكية، قد استفاضت في وقت لاحق بالعديد من العبارات المنددة لما تفعله "إسرائيل" في غزة؛ إذا لما تستمر في مدها بمليارات الدولارات والأسلحة الفتاكة.
ولعل تبنى مجلس النواب الأمريكي الذي يهيمن عليه الجمهوريون حزمة مساعدات بقيمة 14 مليار دولار لإسرائيل، خير مثال على الدعم الأمريكي المطلق.
وللمطلع على العلاقات الدولية وتحديدا هذا الملف، يعرف جيدا أن «إسرائيل» لم تتجاهل ولو مرة أمرًا أمريكيًا حتى ما يتصل بالأحداث الكبرى مثل اتفاقية السلام واتفاق أوسلو وغيرها، ولكن مع تضخم تأثير جماعات الضغط الصهيونية على صناع القرار الأمريكي بدا التحول في مدى الانصياع للأوامر الأمريكية واضحا، فالرئيس الأمريكي في التلفاز يرفض العملية العسكرية على رفح الفلسطينية في أول الأمر وبعدها يظهر ثانية معلنًا الموافقة على دخول المدينة المكتظة بمليون ونصف المليون نازح فلسطيني لكن مع المحافظة على المدنيين، وهو ما يبرز مدى تضخم اللوبي الصهيوني حتى على صناعة القرار الأمريكي.
يعتقد البعض بأن هناك تغيرا في سياسة إسرائيل؛ وأنها أصبحت أكثر تطرفا بصعود بنيامين نتنياهو إلى قمة السلطة، ولكن هذا غير صحيح، فالمنهج الصهيوني قائم منذ تأسيسه على إبادة أي محاولة سلمية من شأنها قيام دولة فلسطينية.
حتى البند الذي تم التوافق عليه في «اتفاق أوسلو 1993»، والذي بموجبه اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل (على 78% من أراضي فلسطين – أي كل فلسطين ما عدا الضفة الغربية وغزة)، أفسد أيضا وتم الجور على النسبة الضئيلة لسكان القطاع والضفة ببناء مئات المستوطنات وإزاحة سكان القطاع مرة تلو الأخرى إلى الجنوب، مع زراعة الألغام وسط الأنقاض لمنع السكان المطرودين من العودة إلى منازلهم.
إسرائيل تؤمن منذ تأسيسها وحتى الآن بشيء واحد فقط ملخصه أن الفلسطينيين يجب أن يرحلوا، فهذه شريعة المغتصب... وللحديث بقية.