هل كان حسن الصباح صاحب خطوة؟، أو من أهل الكرامات والمعجزات؟، أم أنها خرفات قد صاحبت حركة الحشاشين؟، ويبدو هذا التساؤل قد أصبح جليًّا في الحلقة الرابعة من مسلسل الحشاشين تأليف الكاتب والسيناريست عبد الرحيم كمال، والتي ظهر فيها حسن الصباح وهو يُلقي بعض التعويذات السحرية خلال سفره على إحدى المراكب، وكاد أن يغرق هو وأسرته، بعدما طرده الوزير بدر الدين الجمالي من مصر، وبعد تلاوته لتلك الكلمات تمكن من السيطرة على ارتفاع أمواج البحر لترسو المركب في سلام.
فهل كان حسن الصباح ساحر أو ولي أو صاحب كرامة.. وهنا نعود إلى الدراسة التي قدمها "فرهاد دفتري" في كتابه "خرافات الحشاشين وأساطير الإسماعيليين والتي قدمها وترجمة إلى اللغة العربية سيف الدين القصير وصدر هذا الكتاب عن دار المدى عام 1996.
ففي هذا الكتاب "خرافات الحشاشين وأساطير الإسماعيليين.. دراسة في أصول الخرافات وتاريخ وضعها وتطورها منذ العصور الوسطى وحتى القرن التاسع عشر" وقد تناول الكتاب في عدة فصول ومنها "الإسماعيليون في التاريخ وفي كتابات مسلمي العصر الوسيط، وفهم الأوروبيين من العصور الوسطى للإسلام وللإسماعيليين، وأصول الخرافات وتكوينها المبكر، كما ألحق الكتاب بمحلق عن دراسة سيلفستر دوساسي حول الحشاشين، كما قدم الكتاب أيضًا دراسة في سلالة الحشاشين والأصل اللغوي لأسمهم.
فمنذ القرن الثاني عشر كان للحكايات الخيالية للحشاشين وقائدهم الغامض "حسن الصباح" وحصونهم الجبلية الكائنة في سوريا وشمال إيران تستحوذ على مخيلة الأوروبيين وتأسرها، وأول ما ظهرت هذه الخرافات عندما كان الصليبيون الأوروبيون في بلاد الشام، وأقاموا علاقات عدائية في أغلب الأحيان، مع الفرع السوري من الإسماعيليين النزاريين الذين اشتهروا في تلك الفترة بتنفيذهم لمهمات خطيرة "أو عمليات فدائية" للتخلص من أعدائهم البارزين بأمر من زعيم المذهب.
وتقوم دراسة فرهاد دفتري في ضوء الصورة المختلفة لتاريخ الإسماعيليين التي ظهرت حديثًا، بتتبع أصول خرافات الحشاشين من العصر الوسيط واستطشاف الإطار التاريخي الذي ضمنه ثم وضعها وتأليفها وتناقلها، ومن ثم عبر الأجيال، كما تسمى إلى معرفة أسباب استمرارها خلال تلك الفترة الطويلة من الزمن، والطريقة التي من خلالها تركت ذلك الأثر العميق في التبحر الأوروبي حتى عهود قريبة، فهذه الدراسة ذات فائدة كبيرة لكل الباحثين أو المهتمين بتاريخ الدراسات الإسماعيلية وتاريخ الإسلام وأيضًا تاريخ العمل الفدائي.
ويقول المترجم في تقديم الدراسة:"أن النزاريين قد اشتهروا في تلك الفترة بتنفيذهم لمهمات خطيرة أو عمليات فدائية للتخلص من أعدائهم البارزين بأمر من زعيم المذهب، وقد عاني الصليبيون كثيرًا من هذه العمليات الجريئة التي استهدفت عددًا لا بأس به من ملوكهم وأمرائهم وقواد جيوشهم، ولم يجدوا تفسيرًا لهذا السلوك من جانب النزاريين إلا من خلال تصور أشياء خيالية وهمية كانت تدفع بالفدائيين إلى التضحية بأنفسهم للتنفيذ أوامر زعيمهم".
خرافات أم تضحية بالنفس
ولعل المشهد الأول من مسلسل الحشاشين يؤكد على تلك المقولة وهي التضحية بالنفس من أجل القضية التي يؤمنون بها، وهو مشهد إلقاء أحد الجنود بنفسه من فوق القلعة المتواجدة بحضن الجبل بعد أن سأله حسن الصباح والذي يقوم بدوره الفنان كريم عبد العزيز عن ماذا يضحى من أجل الدعوة.. فرد عليه الجندي بروحي، ليذهب الجندي بعدها ويخلع عنه سلاحه ويعتلي قمة الحصن ويلقى بنفسه من فوق أمام أحد الصليبيين".
شيخ الجبل
وأكد على فكرة الخرافات ما رواه الرحالة الإيطالي "ماركو بولو" والذي أطلق على زعيم الفرقة اسم "شيخ الجبل" وقال أنه كان يسيطر على سلوك الفدائيين من خلال استخدامه لعقار مخدر يدعى "الحشيش" وقد بلغ تأثير تلك الحكايات الخرافية والتي أخذت في التطور إلى أذهان الأوروبيون، وقد تم تصوير الاسماعيليين النزاريين على أنهم فرقة خبيثة من القتلة، قد أظهرت الدراسات الحديثة في تاريخ الإسماعيليين في العصور الحديثة والتي وصلت فيها الروايات الأوروبية من العصور الوسطى وخلطها للواقع بالخيال، وأن دراسة "فرهاد دفتري" والتي قامت بتتبع أصول خرافات الحشاشين من العصر الوسيط".
الإسماعيليون النزاريون "الجماعة المحيرة"
من هم الإسماعيليون النزاريون؟ ففي هذا الجزء يحاول الباحث "فرهاد دفتري" تقديم تعريفًا عن الإسماعليون النزاريون والذي وصفهم بأنهم جماعة إسلامية شيعية ذات شأن في أوروبا في العصر الوسيط، وعُرفت باسم الحشاشين، وتأتي تلك التسمية والتي لاقت انتشارًا كبيرًا على ايدي الصليبيين ومن احتك بهم، والحكايات التي تناقلها الكثيرون بخصوص الممارسات السرية للحشاشين وزعيمهم، ما أكسب تلك الخرافات مصداقية.
الرفاق الثلاثة
ونعود مرة أخرى لمسلسل الحشاشين والتي ظهر فيه الثلاثي "حسن الصباح" و"عمر الخيام" والوزير السلجوقي "نظام الحكم" على أنهم رفقاء دراسة وهو ما أكده المؤلف ""فرهاد دفتري" في تقديم كتابه "خرافات الحشاشين" على أن الترجمة التي جاءت في مقدمة "إدوارد فيتز جيرالد" لرباعيات الخيام، والتي كتبت تحت عنوان "بحاية رفاق الدراسة الثلاثة" والتي كان أبطالها الثلاثة الفرس المشهورين، والذين اتخذوا عهدًا على أنفسهم في تفرة الصبا بان من يحقق نجاحًا ويحصل على رتبة يقوم بمد يد المساعده للاثنين الآخرين.
فكان الثلاثي من تلاميذ نفس المُعلم في نيسابور، فحينما وصل "نظام الملك" وكان أول الثلاثي في الحصول على رتبة وسلطة وأصبح وزيرًا للسطان السلجوقي، قد وفى بعهد إذ قام بمنح "عمر الخيام رتبًا منتظمًا وأعطي حسن الصباح منصبًا رفيعًا في الحكومة السلجوقية، غير أن حسن لم يلبث وأصبح منافسًا لنظام الملك، والذي نجح في تعرية حسن الصباح وقام بفضحه أمام السلطان، وأقسم حسن على الانتقام وغادر إلى مصر حيث تعلم أسرار المعتقد الإسماعيلي، ثم عاد إلى فارس فيما بعد ليؤسس فرقة أرهبت السلاجقة باغتيالاتها، وأصبح نظام الملك اول ضحية للاغتيالات التي أشرف عليها حسن الصباح.
ويقول الكاتب أن تلك الحكاية ربما تكون من الخرافات التي ارتبطت بالإسماعيليين النزاريين، الذين عرفوا باسم "الحشاشين" وهو ما سنعرفه خلال الأيام القادمة من خلال دراسة "فرهاد دفتري".. يتبع،،