منذ أسابيع قليلة حضر الأب تكلا أفا ماركوس وكيل مطرانية جنوب أفريقيا إلى القاهرة، لتلقي العزاء في والدته، وحرصت "البوابة نيوز" على لقائه وإجراء حوار معه حول تفاصيل خدمته في إيبارشية جنوب أفريقيا، وتمر الأيام ويُعلن خبر استشهاده هناك مع اثنين من الرهبان في هجوم على دير القديس مار مرقس الرسول والقديس الأنبا صموئيل المعترف في جوهانسبورغ بجنوب إفريقيا، حسبما أعلنت الكنيسة المصرية يوم الثلاثاء.
أثناء لقاء “البوابة نيوز” مع الأب تكلا، فتح قلبه وتحدث باستفاضة عن كواليس الخدمة في جنوب أفريقيا، وعن ظهور السيد المسيح له وتشجعيه على مواصلة خدمته والتي انتهت الثلاثاء حسب الجسد، ولكن ذكراه وتعاليمه تظل موجودة بين أبناء الكنيسة.. فإلى نص الحوار:
- في البداية متى بدأت خدمتك في جنوب أفريقيا؟
أنا أبونا تكلا وكيل مطرانية جنوب أفريقيا مع نيافة المطران الأنبا أنطونيوس مرقس. بدأت خدمتي في جنوب أفريقيا في عام 1992، حيث طلبت من الرب أن يمنحني فرصة لتأسيس خدمة وكنيسة في جنوب أفريقيا، وكان لي الحظ السعيد بالتعاون مع نيافة المطران الأنبا أنطونيوس، الذي يُعتبر معجزة في حد ذاته.
* وكيف بدأ مشوار تأسيس الكنيسة هناك؟
كان هناك مطران قبل الأنبا أنطونيوس في المنصب، ولكنه توفي بعد سنة واحدة من توليه المنصب، أما الأنبا أنطونيوس فهو يحب أفريقيا كثيرًا، وهو أيضًا طبيب جراح ماهر. بعد تخرجه من كلية الطب، وضع الرب في قلبه الرغبة في خدمة أفريقيا.
لذلك، ذهب الوكيل الخاص بي إلى سيدة من اليونان، التي كانت تساعد الجميع بشكل كبير، وعلمت منها أنها طلبت من شفيعها القديس نيقولاس (بابا نويل) أن يكون وسيطًا لها لشراء مدرسة كبيرة جدًا في الأرض التي أرادتها، وكانت ترغب وتتمنى أن يكون هذا المكان ملكًا للأقباط الأرثوذكس.
* هل تعد هذه السيدة هي أول من ساعدت في تأسيس الكنيسة هناك؟
بالفعل هي ساهمت في ذلك، وأكثر ما شجعها على ذلك، انها سبق وقامت بزيارة الكنائس والأديرة في مصر وأحبت أن يكون منزلها شبيهًا بذلك، وعندما زارهم الأنبا أنطونيوس مرقس والتقى السيدة، قال لها: "أنا سأذهب لشراء الأرض، ألستِ تأتين بنفسك؟" فرحت كثيرًا بأن الرب استجاب لصلواتها وأنه كان هدفها بناء كنيسة قبطية. فقال لها الأنبا أنطونيوس: "حسنًا، دعنا نتفق على السعر"، ثم سافر الأنبا إلى المكان الذي كان يسافر إليه وحجز موعداً لدفع المبلغ في البنك.
* وما دور الكنيسة المصرية في ذلك الوقت؟
عندما علم قداسة البابا شنودة الثالث بالأمر قال وقتها إنه ليس معه مبلغ شراء الأرض بأكمله، وأنه سيقوم بإرسال حوالة مالية بقيمة 100 ألف جنيه، وأود أن أشير إلى أن حياة الأنبا أنطونيوس كانت متكلِّة على الرب في كل شيء، ولم يكن للمال أي أهمية بالنسبة له، حيث كان المبلغ الذي أرسله قداسة البابا مقوماً بالعملة المحلية في ذلك الوقت، وهي الراوند، ولم يكن كافيا لشراء الأرض، ولكن حدثت وقتها معركة بين قبائل في جنوب أفريقيا، مما أدى إلى وفاة عدد كبير من الأشخاص، وأدي ذلك إلى انخفاض قيمة الراوند، وبالتالي أصبحت الأموال التي أرسلها قداسة البابا كافية لشراء الأرض، ووقتها أيقنت أن يد الله معنا.
- وكيف بدأت مرحلة البناء وهل ظهرت معوقات أخرى؟
كان الأنبا أنطونيوس سعيدًا جدًا لشراء الأرض ودفع ثمنها، لأن جوهانسبرج كانت بلدًا أفضل من أوروبا من حيث النظام والتنظيم. وعندما بدأ البناء فيها، أراد أن يأخذ آراء الناس ويجمعهم معًا منذ البداية، حيث رفض الناس فكرة البناء ولم يكونوا يرغبون في مدرسة أو كنيسة أو أي شيء، وكانوا يرغبون في تجنب المشاكل. ولكنه استخدم حكمته وشرح لهم أن ما سيقوم به مستمد من تقليد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي تم تأسيسها منذ ألفي سنة، حيث كان مار مرقس الرسول، مؤسسها، وأشار إلى حبهم لجميع الناس وأن الكنيسة تحترم وتخدم الجميع.. وبعدها بدأ الناس يوافقون على فكرة البناء واستأذنوا مرة أخرى، ووافقت الكنيسة على الصلاة. وتم بناء المطرانية الكبرى بجوار الكنيسة، بالإضافة إلى كنيسة العذراء وكنيسة مارمرقس. بدأ أيضًا إنشاء مؤسسة كبيرة، معهد قبطي أو كلية للاهوتية، بنيت كبناء ضخم، وقد ساهمت في تعليم المصريين المتواجدين هناك. بدأ أيضًا في التعرف على الأفارقة في منطقة جنوب أفريقيا، وبفضل رحمة الرب، رُسِمَ 12 كاهنًا وأُرسِلوا إلى مصر للتدريب عند الأنبا بنيامين، مطران المنوفية في شبين الكوم. وقد رسمهم قداسة البابا شنودة كهنة، وانتشرت الأرثوذكسية في حوالي 12 أو 13 منطقة هناك.
- وماذا عن الدير؟
طلب مني قس من الكنيسة الكاثوليكية البحث عن مكان لإنشاء دير مارمرقس والأنبا صموئيل في محافظة بروتوريا، وبالفعل وجدت أرضاً مناسبة بمساحة 55 فدان بسعر 700 ألف راوند. وقام الدكتور ثروت باسيلي بتحويل الأموال اللازمة لشراء الأرض، وبعدما تم شراء الأرض، أبدى الأنبا صموئيل اهتمامه بتأسيس دير في هذا المكان وقد وافق على الفكرة. وفي تلك الفترة، كان الأنبا صموئيل في زيارة لمصر لحضور المجمع المقدس. وقام الدكتور ثروت باسيلي بالاتصال به وتأكيد موافقته على شراء الأرض وتحويل الأموال. وبدأت عملية إنشاء الدير بعد ذلك.
* كيف ترى أهمية وجود هذا الدير في جنوب أفريقيا؟
يمكن اعتبار هذا الدير جبهة مهمة للكنيسة الأرثوذكسية القبطية في تلك المنطقة، وقد تم بناؤه بجوار كنيسة كاثوليكية في المنطقة التي يشبهها الديرة، ويعد الدير مكانًا رائعًا لخدمة الأقباط وللتواصل مع الطوائف الأخرى، حيث يتمتع الأرثوذكس بمكانة مرموقة واحترام عالٍ في المنطقة.
- وهل جميع الرهبان المتواجدون بالدير من مصر؟
بناءً على موافقة البابا شنودة، قام الأنبا صموئيل بإرسال رهبان من دير الأنبا صموئيل للعمل على تحويل الأرض إلى دير، ووافق الأنبا سداروس، الذي كان حينها مهندسًا في الدير، على الذهاب والإشراف على عملية إعداد الأرض للبناء. وهو حاليًا أسقف في عزبة النخل.
* وكيف تمت عملية بناء الدير؟
كانت الأرض في حالة سيئة حيث كانت تغطيها الأشواك والأشجار، وكان هناك بئر ولكن كمية المياه كانت قليلة. قام الأنبا صموئيل بحفر بئر جديد لضمان توفر المياه الكافية للمدير، وقد كان هناك شخص يُدعى جون، وهو مهندس ميكانيكا، يمتلك ورشة مساحتها 55 فدان، وكان يصنع ويصلح العربات. كانت تلك الأرض تقع بالقرب من الدير.
زوجة هذا الشخص كانت تصلي لكي تصبح الأرض ملكًا للدير وليست ملكًا لهم. وكنت أنا أيضًا أصلي وأذهب إلى الأرض بعد القداس لأسقي النباتات وأتمنى أن تصبح الأرض ملكًا للدير، وكان لدي إيمان كبير في ذلك.
وفعلًا، حدث أن انفصل هذا الرجل عن زوجته وطالبت بحقها في الأرض. وجاء الأنبا صموئيل وأخبرني بأن الأرض مُعروضة للبيع. وفي البداية رفض الأنبا صموئيل بسبب المبلغ الكبير المطلوب لشراء الأرض.
ومع ذلك، وافق الأنبا صموئيل فيما بعد بسبب تخفيض المبلغ المطلوب لشراء الأرض. وبهذا، أصبحت مساحة الدير 110 فدادين، حيث يشتمل نصف الأرض على الدير وحياة الرهبنة والمزارع، والجزء الآخر مخصص لتدريب وتعليم الكهنة. وأصبح الدير مركزًا هامًا لتعليم الشباب الأفارقة وتبشيرهم بالإيمان.
- وما الدور المجتمعي الذي تقوم به الكنيسة المصرية هناك من خلال الكنيسة والمدير؟
من الجوانب الإيجابية الأخرى هو خدمة الجميع بغض النظر عن الطوائف، حيث يأتي الناس للدير للحصول على الطعام والشراب والخدمات، وأصبح الدير منارة في المنطقة، حيث يأتي الناس ويعتنقون الإيمان القبطي ويصبحون أعضاء في الكنيسة القبطية. وفي المناسبات الدينية والأعياد، يتذكر الناس دور الأنبا إبرام، أسقف الفيوم السابق، عندما كان يعمل بنفس الطريقة.
* وكيف تصف تجربتك الروحية هناك؟
التجربة الروحية هي تجربة فريدة حيث شعرت بدعم وحماية من الله، سواء في بلدك أم خارجه، وعندما يكون لدينا الثقة في الله، يكون لدينا الشعور بأن الله يحارب من أجلنا ويحرص على حمايتنا.
* وماذا عن المعجزة التي حدثت معك هناك؟
حصل لي معجزةً جميلة في ظل الظروف الصعبة حيث انقطع التيار الكهربائي في إحدى الليالي عن طريق بعض الأشخاص الذين قاموا بقطع الكابل الرئيسي، وكانت درجة الحرارة منخفضة جدًا، وقمت بالذهاب إلى القلاية التي أصلي فيها، حيث طلبت من الله حل هذه الأزمة، واستجاب الله لصلاتي وأرسل شخصًا يساعدني في إصلاح الكهرباء، وهذا يظهر قوة الإيمان والتواصل مع الله، وعلى مدار حياتي هناك كنت على ثقة وإيمان كبير في ربنا ومعتمد عليه، وكنت على يقين من أن الله سيكون معي وسيمنحني القوة لمواجهة أي تحديات. وبالفعل، استجاب الله لي ولصلاتي وأعطاني العون الذي كنت احتاجه.
وفي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وأثناء نومي جاء شخص يدق علي باب قلايتي وأنا كنت في نوم عميق، استيقظت وقلت له ادخل، وفوجئت بأنه شخص المسيح أمامي يقول لي أنا معك ولن أتركك ورأيت المسامير في يديه، ومن شدة الفرحة بكيت.