الكتبة والمادحين وشيوخ الطوائف والبنائين والنحاسين،.. وغيرهم الكثير من المهن التي اشتهرت في مصر خلال العصرين العثماني والفاطمي والذي سجلت الجدران والمساجد ابداعاتهم التي ظلت راسخة ومنقوشة عبر مئات السنين، وتأخذكم "البوابة نيوز" في رحلة طوال شهر رمضان المبارك وحديث حول تلك المهن وشيوخها واسطواتها التي اشتهرت في مصر والعالم العربي، والتي لايزال الكثير منها موجود حتى عصرنا الحالي ومنها من اندثرت وأصبحت تراث تشهد به جدران المساجد والقصور.
وعلى مدار الشهر الكريم نقدم لكم حرفة من الحرف التي اشتهرت في تلك الفترة واقفين أمام إبداعات فنانيها وقوانيها التي كانت تتوارث جيل بعد جيل، وحكايات المعلم والصبي والاسطى الذي كان يعتبر رب المهنة.
"يا منجد على المرتبة عروستنا حلوة مؤدبة" هكذا تغنت السيدات للمنجد في الأفراح وأثناء عمل عفش العروسة وتجهيز المراتب، والمنجد أو النداف كما كان يُطلق عليه قديمًا هو الشخص الذي يعمل بمهنة الندافة والتي تختص بأعمال القطن الذي يستعمله النداف كحشوة داخل الأقمشة ليصنع منها اللحاف والمراتب والمخدة.
وكان النداف أو المنجد يستخدم الأدوات البسيطة وهي ما يُطلق عليها "الطنجة" حيث كان يقوم بنشر القطن على الحصيرة ويبدأ في ضربه بالمضرب حتى يتحول القطن إلى اللون الأبيض وتزيد كثافته، ثم يستعمل القماش الأبيض والخيط ليقوم بصنع جهاز العروس من مراتب ومخدات وألحفة الغطاء، كما كان يشتهر كل "نداف" بقدراته على رسم وعمل أشكال وزخارف ورسومات خاصة به، تزين المراتب والألحفة ومفارش العروس.
"الندافة" تجمع بين حرفية الصنعة والإبداع
فـ "الندافة" أو المنجد هي مهنة يدوية شعبية التراثية التي تجمع بين حرفية الصنعة، وابداعات صاحبها في إضافة شيئًا من فكره على المنتج الذي يقوم به لذلك نرى أن الحرفة قد ارتبطت بأشخاص احترفوا وتميزوا واكتسبوا شهرتهم من إتقانهم الصنعة، وتتميز أعمالهم بتفصيلات وزخرفات ومنمنات يبدعون فيها.
وتتكون عدة المنجد من القوس وهو الأداة الأساسية في حرفة الندافة بالإضافة إلى ملحقات يمكن اعتبارها من الضروريات لا يمكن الاستغناء عنها مثل المدقة والكشتبان والإبرة بأنواعها والعصا الخشبية الطويلة.
ومهنة المنجد هي من المهن التي تم توارثها عبر الأجيال إلا أنها تعاني في الفترة الأخيرة طريقها إلى الاندثار نظرًا لانتشار المراتب الإسفينية والمخدات الفايبر والألحفة والبطاطين التي تستخدم في الغطاء، كما أن الأيدي المهارة التي كانت تتفنن في صنع الزخارف والرسومات على الألحفة أيضًا فقدت بريقها نظرًا لعدم أقبال الصنايعية على هذه المهنة لأنها لم تعد قادرة على توفير العائد المادي الوفير، غير أن مهنة المنجد أو النداف تتطلب مجهود بدني وجسدي غير ما يتعرض له المنجد من أمراض صدرية نتيجة الغبار الذي يخرج من القطن ويتنفسه، ما يتسبب له في مشاكل صحية.
والطريقة التقليدية لعمل المنجد فهو يجلس مقابل كمية القطن المطلوب لتبدأ العملية بالضرب على الوتر بالمدقة، وكأنه عازف هارب يدق على اوتاره، ثم تبدأ عملية خياطة وجه اللحاف بالطرق العادية والذي دائمًا ما يكون من الحرير وبالتطريز عليها، حيث يصمم النداف على الوجه الرسومات الجميلة والذي يبدأ عمله فيها من مركز اللحاف إلى محيطه أو بالعكس وعلى شكل تصاميم زخرفية منها رسم النجمة والقلب والهلال والقمر وبشكل متكرر ورسم الطاووس من الأعلى إلى الأسفل ويتم اختيار الرسومات بما يتناسب ويتجانس مع الألوان المستعملة الأخرى.