شغلت حكايات المتطفلين على موائد الطعام حيزًا مهمًا في الكتابات التراثية العربية، وهي نوع من الحكايات تجمع بين الطرافة والفكاهة، وتحقق لدى القارئ درجة عالية من المتعة المعرفية، فهي أيضا تشمل جانبا مهما يكشف عن الجوانب العقلية والفلسفية التي تمتع بها المتطفلون أو الطفيليون كما تسميهم كتب التراث.
روى الخطيب البغدادي في كتابه «التطفيل وحكايات الطفيلين وأخبارهم ونوادر كلامهم وأشعارهم»، عن محمد بن سلمة، أنه قال: «مات لمساورالوراق بنت في يوم حار، فلم يحشد إليه جيرانه، وتخلفوا عنه إلا نفيرًا حتى أبردوا، فحُملت وقد تبعه منهم قوم، فلما انصرف، قال: تخلف عني كل جاف ضرورة، وكل طفيلي من القوم عاجز، سريع إذا ما كان يوم وليمة، بطيء إذا ما كان حملُ الجنائز».
ففي شعره اشتكى «الوراق» من بعض الناس كانت تحتشد عنده وتسرعإليه في أي وقت إذا كانت عنده وليمة للقوم، أما في مصابه وقد توفيت له بنت في يوم حار، وتخلف عن المشاركة في جنازته كثير من الناس حتى أبردوا أي تجنبوا الحرارة، فاشتكى من ذلك التخلف ووصفه أنه من فعل الطفيليين الذين يسارعون من أجل الوليمة ويبطئون في حمل الجنائز.
ومساور الوراق، هو مساور بن سوار الكوفي، توفي سنة ١٥٠ للهجرة، واشتهر بلقب الوراق، وكان من رواة الحديث النبوي، وتناقلت اسمه كتب الرجال في الحديث، ووصف أنه من الثقات، وروى صفة عمامة النبي الكريم، حيث روى عن جعفر بن عمرو بن حريث، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء.
وروت كتب الأدب كثيرًا من المقولات التي تذم صفة التطفيل، أي الدخول إلى موائد الطعام دون دعوة من أهلها، ونقل أبو عثمان المازني عن الأصمعي، أنه قال: «الطُّفيلي الداخل على القوم من غير أن يُدعى، مأخوذ من الطَّفَل وهو إقبال الليل على النهار بظلمته»، وعلَّق الخطيب البغدادي على تعريف الأصمعي، قائلًا: «أرادوا أن أمره يظلم على القوم فلا يدرون من دعاه ولا كيف دخل إليهم»، وواضح اتجاه البلغاء في توضيح معنى التطفيل، فلم يقدموا تعريفًا يحمل معنى الدخول على الموائد دون دعوة فقط، بل مزجوا معه الهم الذي يدخله الطُفيلي على أهل المائدة، وكأنه ظُلمة الليل.
وفي ذم التطفيل، نقل البغدادي رواية عن عبدالله بن عمر، أن النبي الكريم قال: «من دُعي فليجيب، ومن دخل عن غير دعوة دخل سارقًا وخرج مغيرًا»، وفي كلمات الحديث أوصاف تشدد على عدم إتيان فعل التطفل على موائد الناس دون دعوة، مُشبهًا ذلك بالسرقة والإغارة على الناس.