الإثنين 18 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

منير أديب يتساءل: ميناء غزة قرار سياسي أم إنساني؟ 

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

الطرح الأمريكي على لسان الرئيس في الكونجرس بإنشاء ميناء على سواحل غزة لا قيمة له؛ فالقرار الخاص بهذا الميناء جاء متأخرُا للغاية، فنحن نتحدث عن حرب مر عليها خمسة شهور كاملة وقد لا يتم بناء هذا الميناء إلا بعد شهر كامل  من الآن؛ فضلًا عن الشروط الإسرائيلية التعجيزية لبناء هذا الميناء وإدارته.

قرار واشنطن ببناء ميناء على سواحل غزة يُعني استمرار الحرب وانحياز خفي لإسرائيل، وهو ما دفع حركة حماس ومازال للتمسك بشروطها التي تتعلق بخروج الرهائن الإسرائيلين، وهنا يمكن القول: إنّ أمريكا باتت جزءًا من مشكلة غزة وليست جزءًا من حلها، فضلًا على أنها لم تكن طرفًا محايدًا نزيهًا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قبل أكثر من سبعين عامًا.

هدف إنشاء ميناء غزة ليس ارسال المساعدات وإنما تقنين إرسالها! بمعنى مزيد من التضيق على سكان القطاع؛ فبدلًا من إرسال هذه المساعدات عبر معبر رفح والتي تُسيطر عليه مصر والحكومة المشكلة في قطاع غزة، بات هناك ميناء "أمريكي" سوف يكون في حوزة إسرائيل إذا استمر الاجتياح العسكري لقطاع غزة.

وهنا يبدو الفشل الأمريكي في حل الصراع، وهو ما سوف تدفع ضريبته واشنطن من سياستها الخارجية، فضلًا عما سوف يدفعه الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن وحزبه في الإنتخابات الرئاسية القادمة؛ ولذلك لا يمكن أنّ يُقارن الفشل الأمريكي في السياسة الخارجية الحالي بأي فشل أخر في أي مرحلة تاريخية أخرى، وهذا يعود في الأساس لإستجابة الإدارة الأمريكية للوبي اليهودي في الدوائر الأمريكية.

الفلسطينيون يموتون جوعُا نظرًا لنقص المساعدات عمدًا ورفض إسرائيل الدائم لدخولها ووضع عراقيل أمام هذا الدخول؛ كما أنها أخطأت بالضغط على الفلسطينين من خلالها، وقد يموتون تحت وقع هذه المساعدات التي يتم إلقاؤها عليهم جوًا؛ أو الوعد بإنشاء ميناء قد يستغرق ثلاثين يومًا وأكثر؛ فما الذي يمكن أنّ يجده الفلسطينيون بعد أن أكلوا علف الحيوان ونبات الصبار، حتى حشائش الأرض فقد احترقت بالنابلم الإسرائيلي.

الهدف من انشاء ميناء غزة هو مزيد من الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني؛ فإذا كانت واشنطن جادة في مساعدة الفلسطينيين لإرغمت إسرائيل على وقف آلة الحرب أو على الأقل وقف استهداف المشافي الصحية أو دخول المساعدات الإنسانية والطبية والإغاثية عبر معبر رفح المصري، ولكن قرار إنشاء الميناء المتأخر هو قرار سياسي وليس إنساني، وسوف يتم استخدامه للضغط على الفلسطينين وليس لحل مشاكلهم الرئيسية.

لا أحد يمكن أنّ يُنكر ما نجحت حماس في تحقيقه في 7 أكتوبر الماضي؛ فهو انتصار حقيقي بالمقاييس العسكرية، وأهميته ليس في الأهداف التي أحرزتها حماس في هذا اليوم ولكن في الدلالة، والتي يمكن اختصارها في إزالة هالة القداسة التي رسمتها إسرائيل لجيش الدفاع، هذه الهالة سقطت ومعها سقطت ورقة التوت الأخيرة عن أمريكا؛ وكل منهما سوف يدفع ضرية أكبر إنّ لم ينتبهو لضرورة تغيير سياساتهما.

لا يمكن أنّ يرسم ميناء غزة الحياة فيها بعد أن تخاذل العالم عن نجدة الشعب الفلسطيني، ولكن سوف تظل الأنفاق مأوى الحياة بداخلها بعد أنّ حاول العالم ومعهم إسرائيل أنّ يخفوها من على وجه غزة.

اختصارًا يلجأ الفلسطينيون إلى باطن الأرض لأنهم حرموا من الحياة على وجهها؛ وعندما تعقل إسرائيل هذه المعادلة سوف يكون هناك شأنٌ أخر؛ الشعب الفلسطيني يبحث عن حقه على الأرض وبين أعماقها في الأنفاق وفي السماء؛ فإذا كانت إسرائيل قد وصلت إليهم على الأرض فحتمًا لن تصل إليهم في عمقها ولن تُجاريها في الوصول إلى السماء.