تحرير سعر الصرف قبلة الإنعاش للاقتصاد المصري وسيطرة علي الأسعار وكبح جماح التضخم
ضخ 1.3 مليار دولار للجمارك للإفراج عن السلع والحيوية.. و«الغذاء والدواء» علي رأس الأولويات
6 مليارات دولار قيمة البضائع المكدسة في الموانئ المصرية.. والأولوية في تدبير العملة لمستوردي الأدوية والمستلزمات الطبية والسلع الغذائية
«قاسم»: تحرير سعر الصرف يسهم في دفع الصادرات المصرية خاصة في قطاعات تمتلك مصر فيها ميزة تنافسية مما ينعكس إيجابًا على الميزان التجاري
«الشناوي»: قرارات تحرير سعر الصرف من شأنها إحداث استقرار في التسعير وتساعد على جذب الاستثمارات المباشرة داخل السوق وتوفر فرص العمل.. رفع الفائدة 600 نقطة يصعب على الشركات الاقتراض بسبب ارتفاع تكلفة الفوائد
«الهواري»: قرار الحكومة بالإفراج عن البضائع المكدسة بالموانئ «جيد» ويبشر باستقرار الأسواق ويقلل الفجوة السعرية بين «الرسمي» و«الموازية» وإلغائها قريبًا
قرار تاريخي اتخذه البنك المركزي المصري، في خطوة طال انتظارها، فبعد 14 شهرا من التكهنات، منذ آخر تعويم للجنيه؛ اتخذ البنك المركزي المصري أخطر قرار، وهو "التحرير الكامل لسعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى".
ويعد قرار البنك المركزي بمثابة قبلة الإنعاش للاقتصاد المصري، بكافة قطاعاته، والذي تأثر كثيرا بما يشهده العالم من أحداث وأزمات متلاحقة، بداية من تداعيات أزمة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، وهروب الأموال الساخنة من مصر، وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتي كبدت الاقتصاد المصري خسائر أربكته بشكل كبير.
ليتخذ البنك المركزي قراره لتصحيح التشوهات في القطاع المصرفي، وتوغل السوق السوداء للعملات، والتي أثرت بشكل كبير علي توافر العملة الخضراء في البنوك المصرية، وشهدت السوق المصرية شحًا كبيرًا في توافر الدولار، وتدهور الأسواق، والارتفاع المتتالي في كل أسعار السلع.
ويعد قطاع "الصناعة"، من أكثر القطاعات تضررا من نقص الدولار، نتيجة تكدُّس البضائع في الموانئ المصرية، وتأخير مدفوعات السلع الأولية، مما أثر على أغلب الصناعات الحيوية، مثل: "الأدوية والأغذية"، لهذا ضخت الحكومة مليار و300 مليون دولار للجمارك، للإفراج عن السلع والأدوية، من العائد الكبير الذي حصلت عليه مصر من صفقة رأس الحكمة، الذي تصل قيمتها إلى 35 مليار دولار، ويتوقع أن تأتي باستثمارات تصل إلى 150 مليار دولار.
ووفقا لبيانات رسمية؛ تبلغ قيمة البضائع المكدسة في الموانئ المصرية نحو 6 مليارات دولار حالياً، بما في ذلك المنتجات البترولية، ومع توافر الدولار، فانه من المتوقع أن يتم قريباً الإفراج عن كل البضائع المتواجدة بالموانئ، وخاصةً السلع "الغذائية، والدوائية، والأعلاف، ومستلزمات الإنتاج".
وأعطي "المركزي المصري" توجيهاته للبنوك المصرية، بأن تكون الأولوية في تدبير العملة لمستوردي "الأدوية والمستلزمات الطبية والسلع الغذائية"، وهو ما يتماشى مع تصريحات محافظ البنك المركزي حسن عبد الله، والتي أكد فيها أن إمكانيات "المركزي" كانت كافية فقط لتدبير الدولار للسلع الأساسية والاستراتيجية، واليوم "بات لدينا ما يكفي لسداد التزاماتنا ويفيض، خاصة مع توحيد سعر الصرف".
وأضاف أن قرارات "المركزي" التي تم اتخاذها مجرد بداية فقط، وتتطلب التكامل بين السياسة النقدية والاقتصاد الحقيقي؛ منوهاً بوجود خطة واضحة لكبح التضخم، ومؤكداً أن البنك المركزي "لم يعد ولن يستهدف سعر صرف محدد للجنيه، بل التضخم"؛ مشددًا على أننا "بدأنا إتاحة الدولار بكميات كبيرة لمن يحتاجه، بما سينعكس على حركة دخول البضائع للبلاد".
فيما قال محمد قاسم، رئيس جمعية المصدرين المصريين "اكسبولينك"، إن قرار البنك المركزي باعتماد نظام مرن لسعر الصرف، وتحديده وفقا لآليات العرض والطلب في السوق، أمر طال انتظاره، ولطالما طالبنا به كثيرا، لتأثيره المباشر على عدة قطاعات اقتصادية من أهمها القطاع التصديري.
وأضاف "قاسم"، أنه من المتوقع أن يسهم تحرير سعر الصرف في دفع الصادرات المصرية وزيادتها، خاصة في القطاعات التي تمتلك مصر فيها ميزة تنافسية وسينعكس ذلك إيجاباً على أداء الميزان التجاري المصري .
وأكد أن المصدر المصري سيستفيد من ارتفاع قيمة عائدات التصدير بالعملة المحلية، والتي يمكن استغلالها لتعزيز إنتاجيته التصديرية، بالإضافة إلى هذا فإن وجود نظام مرن لسعر الصرف، بدلا عن وجود سعرين للصرف «الرسمي والموازي»، سيجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد، والتي يمكن توجيهها نحو الاستثمار من أجل التصدير.
وتابع "قاسم"، أن قرار الحكومة بسرعة الإفراج عن البضائع المتراكمة بمختلف الموانئ، خاصة مستلزمات الإنتاج، والتي تقدر بنحو 1.97 مليار دولار سيسهم بشكل كبير في دفع حركة الإنتاج، والتي تعطلت في الفترة الأخيرة بسبب عدم توافر السلع الوسيطة اللازمة للعملية الإنتاجية، نتيجة عدم توافر الدولار، ومن جهة أخري تعطل سلاسل الامداد نتيجة الحرب الروسية الاوكرانية والتوترات الجيوسياسة في أغلب بلدان العالم .
ورحب بقرار الينك المركزي، مؤكدا ان مجتمع المصدرين استقبل القرار بشكل إيجابي، ولكن بحذر، وذلك لأن الصناعات المصرية للسلع المصدرة تعتمد بشكل أساسي على «مستلزمات إنتاج يتم استيرادها من الخارج»، وتمثل نحو 30% من مكونات المنتجات المصرية، ومن ثم فإن تحرير سعر الصرف سينعكس على زيادة أسعار هذه المستلزمات من ناحيتين، الأولى: ارتفاع سعر الدولار الجمركي المستخدم في حساب الرسوم الجمركية. والثانية: ارتفاع سعر المستلزمات اللازمة للإنتاج.
وشدد "قاسم" علي ضرورة اتخاذ الحكومة عدد من الإجراءات العاجلة استكمالا لقرار البنك المركزي، أهمها:
إعطاء الأولوية لمستلزمات الإنتاج في الإفراج الجمركي دفعاً لحركة الإنتاج اللازم لضبط الأسعار في السوق المحلية.
وحساب الرسوم الجمركية على مستلزمات الإنتاج الموجودة حاليا في الموانئ على أساس سعر الدولار قبل قرار التحرير، لتفادي انتقال الزيادة في الأسعار بشكل كبير إلى السوق المحلية.
كما طالب بإعادة النظر في نظام الرسوم الجمركية بشكل عام، خاصة لمستلزمات إنتاج الصناعات الحيوية المعززة للتصدير، وإعطاء حزمة عاجلة لكافة الصناعات التي تقوم بالتصدير، وذلك بإعفائها من كافة الرسوم والضرائب الخاصة بالتوسع في الإنتاج والاستثمار، نظرا لما قد يمثله ارتفاع سعر الفائدة المحلي من عائق أمام دخول مستثمرين جدد إلى الأسواق، فإننا نطالب بسرعة رد كل الأعباء التصديرية من صندوق تنمية الصادرات لامتصاص أثر ارتفاع أسعار الواردات من مستلزمات الإنتاج الناتج عن انخفاض قيمة العملة.
من جانبه؛ قال الدكتور أحمد الشناوي، أمين صندوق مجلس العقار المصري، ونائب رئيس لجنة التنمية المستدامة بجمعية رجال الأعمال المصريين، إن تحرير سعر الصرف خطوة حتمية، وركيزة أساسية للإصلاح الاقتصادي؛ موضحا أنه تبقي إشكالية هامة من قرار رفع الفائدة 600 نقطة، حيث يصعب على الشركات عمليات الاقتراض بسبب ارتفع تكلفة الفوائد، لانه ارتفاع "كبير وغير متوقع"، وسيؤثر على أصحاب الأعمال المقترضين من البنوك، ما سينعكس على أسعار السلع المختلفة.
وبالتالي سيتم رفع تكلفة المنتج النهائي، فمن الصعب أن يستوعب المصنعين هذه التكلفة؛ موضحا أن تكلفة الاقتراض بلغت نحو 30%، وبإضافة المصروفات الإدارية التي يحصل عليها البنك عند منح التمويل، ستصل إلى 40%، وهو رقم كبير جداً، سيؤدي لارتفاع تكلفة المنتجات الجديدة إلى 100% بهذه الطريقة، خاصة للمنتجات التي تعتمد على مكون مستورد، مع ارتفاع سعر الدولار في السوق الرسمية".
وأكد "الشناوي"، أن قرارات تحرير سعر الصرف، من شأنها إحداث استقرار في التسعير، ويساعد على جذب الاستثمارات المباشرة داخل السوق المصرية، وتوفير فرص العمل.
وقال إن تحرير سعر الصرف خطوة موفقة من الحكومة نحو تصحيح مسار الإصلاح الاقتصادي، وتدعو للتفاؤل للقطاع الخاص، كما جاء في توقيت مثالي حيث وجود احتياطي من النقد الأجنبي.
وأكد أن السياسة النقدية تلعب دوراً كبيراً في النهوض بالاقتصاد وتشغيل القطاعات الاقتصادية بالدولة؛ مطالبا بعمل مبادرات تمويلية جديدة خاصةً للقطاع العقاري والقطاعات الإنتاجية لمواجهة ارتفاع تكلفة الاقتراض في ظل ارتفاع نسب الفائدة.
وأشار "الشناوي"، إلى أن تحرير سعر الصرف متماشياً مع صفقة رأس الحكمة أظهرت مدى قوة وصلابة الاقتصاد المصرى، وتحديد مدى قوة قطاع التطوير العقاري الداعم الأساسي للاقتصاد.
فيما أكد مبارك الهواري، عضو اتحاد الصناعات المصرية، وعضو المجلس التصديري للحاصلات الزراعية، أن الخطوات التي تنفذها الحكومة إجراءات حتمية، وتمثل بداية حقيقية للإصلاح؛ مشيرا إلي أن تحرير سعر الصرف قرار مهم، وخطوة جريئة ومهمة يجب أن تُدار بعناية.
وأوضح "الهواري"، أن هذه الخطوة وغيرها من القرارات الأخيرة لمحافظ البنك المركزي حسن عبد الله، ورئيس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي، والاتفاق المقرر مع البنك الدولي وصندوق النقد لا بد أن تتبعه مجموعة من القرارات والإجراءات اللازمة لتحفيز الاستثمار وتهيئة مناخ الأعمال ليكون أكثر مرونة وقدرة علي تحفيز رؤوس الأموال المحلية والأجنبية.
وقال إن توافر السيولة من العملات الأجنبية هو الخطوة الأولي لنجاح الإصلاح؛ مشيرا إلي أن قرار الحكومة بالإفراج عن البضائع المتراكمة بالموانئ جيد، ويعطي ثقة أكبر، ويبشر بتحقيق الاستقرار في الأسواق، ويقلل من الفجوة السعرية بين السوق الرسمية والموازية، وإلغائها علي المدي القريب.
وأضاف: أتوقع أن تشهد الصادرات المصرية طفرة كبيرة، وأتمني منح الأولوية لمستلزمات ومكونات الإنتاج، ومنح قطاعات الزراعة والصناعة مزايا وبرامج تمويلية مشجعة في مواجهة ارتفاع سعر الفائدة، مما يتطلب وقوف الدولة بجانب الصناعة والزراعة من خلال مبادرات تمويلية محفزة للاستثمار.
وقدم "الهواري"، توصيات محددة للتعامل مع ما بعد تحرير سعر الصرف، وارتفاع سعر الفائدة، تتضمن: تعزيز الاستثمارات، وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية، من خلال توفير بيئة استثمارية ملائمة، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وتقديم حوافز مالية وضريبية للشركات.
إضافة إلي تحسين البنية التحتية من خلال الاستثمار في تطوير بنية التحتية لدعم الصناعة والزراعة، مثل تحسين شبكات النقل والطاقة والاتصالات وتعزيز الصادرات من خلال دعم قطاع الصادرات من خلال تحسين جودة المنتجات، وتوسيع قاعدة التصدير، وتقديم دعم للشركات للوصول إلى أسواق جديدة.
فضلا عن تقديم دعم ومساندة لقطاعات الصناعة والزراعة المحلية من خلال تقديم دعم مالي وتقني للصناعة والزراعة المحلية لزيادة إنتاجها وتحسين جودتها، وكذلك رصد التضخم عن طريق المتابعة عن كثب لمؤشرات التضخم واتخاذ إجراءات مناسبة لضبطه، مثل سياسات نقدية مناسبة وضبط الإنفاق الحكومي.