قالت وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، إن إسرائيل قتلت خلال الأشهر الخمسة الماضية، الآلاف من مقاتلي حماس، ودمرت العشرات من أنفاقهم، وأحدثت دمارًا غير مسبوق في قطاع غزة، لكنها لا تزال تواجه معضلة كانت واضحة منذ بداية الحرب وهي "أزمة الأسرى"، وسوف تحدد نتائجها في نهاية المطاف: فإما أن تحاول إبادة حماس، وهو ما يعني موت شبح.
وأكدت الوكالة الأمريكية لأسراها الذين يقدر عددهم بنحو ١٠٠ أسير، ما زالوا محتجزين في غزة، أنه يمكنها قطع الطريق على إسرائيل، والقبول بصفقة من شأنها أن تسمح للمسلحين بتحقيق نصر تاريخي.
وذكرت الوكالة أن أي من النتيجتين ستكون مؤلمة للإسرائيليين؛ فمن المرجح أن يكون أي منهما بمثابة نهاية مخزية للمسيرة السياسية الطويلة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وأي منهما قد يعتبر مقبولًا من جانب حماس، التي تثمن الاستشهاد.
من جانبه؛ ينفي نتنياهو، على الأقل علنًا، وجود أي معضلة من هذا القبيل، فيما تعهد بتدمير حماس واستعادة جميع الأسرى، زاعمًا: "إن النصر قد يتحقق في غضون أسابيع".
الأسرى أم النصر العسكري؟
وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أنه طالما أن الحرب في غزة مشتعلة، فيمكن لنتنياهو تجنب إجراء انتخابات مبكرة؛ إذ تشير استطلاعات الرأي بقوة إلى أنها ستطيح به من السلطة، ولكن يبدو أنه لا مفر من الاختيار عند نقطة ما بين الأسرى والنصر العسكري. كما يرى نتنياهو، أن الضغط العسكري سيؤدي في النهاية إلى إطلاق سراح ما يقرب من ١٠٠ أسير، ورفات ٣٠ آخرين، الذين ما زالوا محتجزين لدى حماس.
ماذا لدى حماس؟
في الوقت ذاته؛ يبدو أن حماس ليست في عجلة من أمرها للتوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار قبل شهر رمضان المبارك، الذي يبدأ الأسبوع المقبل، أو لتأجيل عملية إسرائيلية متوقعة في رفح، المدينة الجنوبية حيث يتواجد نصف سكان غزة. ويرى زعيم حماس يحيى السنوار، أنه طالما يحتجز الأسرى، يمكنه في النهاية إنهاء الحرب بشروطه.
وخلال أكثر من عقدين قضاهما داخل السجون الإسرائيلية، يقال إن السنوار تعلم اللغة العبرية بطلاقة، ودرس المجتمع الإسرائيلي، وقد اكتشف ثغرة في درع خصمه المتفوق عسكريا.
كما علم أن إسرائيل لا يمكنها أن تتسامح مع احتجاز مواطنيها، خاصة الجنود، وأنها ستبذل قصارى جهدها لإعادتهم إلى الوطن.
أنفاق حماس والموت المؤكد
ونقلت الوكالة عن مسئولين إسرائيليين قولهم: "إن الأنفاق تمتد لمئات الكيلومترات، وبعضها يقع عدة طوابق تحت الأرض، وتحرسها أبواب مضادة للانفجار وفخاخ مفخخة، وحتى لو تمكنت إسرائيل من تحديد مكان زعماء حماس، فإن أي عملية ستعني الموت المؤكد تقريبًا للأسرى الذين يحتمل أن يحيطوا بهم".
وقال عاموس هاريل، المراسل العسكري لصحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية: "إن الأهداف متناقضة تمامًا.. بالطبع، يمكنك القول إن الأمر سيستغرق عاما لهزيمة حماس، ونحن نمضي قدما في ذلك، ولكن المشكلة هي أنه لا أحد يستطيع ضمان بقاء الأسرى على قيد الحياة".
وأضاف أنه حتى لو قتلت إسرائيل بطريقة أو بأخرى السنوار وغيره من كبار القادة، فإن آخرين سيصعدون في الرتب ويحلون محلهم، كما حدث في الماضي. وقال هاريل: "ستواجه إسرائيل صعوبة كبيرة في الفوز بهذا". لكن في تصريحات صريحة في يناير الماضي، قال غادي آيزنكوت، القائد الأعلى السابق لإسرائيل وعضو في حكومة نتنياهو الحربية: "إن أي شخص يقترح إمكانية إطلاق سراح الأسرى المتبقين دون اتفاق لوقف إطلاق النار ينشر "الأوهام".
وقالت "أسوشيتد برس": "إنه من الصعب تصور قيام حماس بإطلاق أثمن دروعها البشرية من أجل وقف مؤقت لإطلاق النار، ثم نرى إسرائيل تستأنف محاولتها للقضاء على الجماعة، وقد رفضت حماس فكرة استسلام قادتها والذهاب إلى المنفى"، وأضافت "بالنسبة للسنوار، من الأفضل أن يبقى تحت الأرض مع الأسرى ويرى ما إذا كان رهانه سيؤتي ثماره".
كيف ينتهي هذا؟
وذكرت الوكالة الأمريكية أن الكارثة الإنسانية في غزة أثارت غضبًا عالميًا، وتهدد الحرب بإشعال جبهات أخرى في الشرق الأوسط؛ إذ تتعرض حكومة نتنياهو لضغوط متزايدة من عائلات الأسرى الذين يخشون نفاد الوقت، ومن الجمهور الأوسع الذي يعتبر عودة الأسرى التزامًا مقدسًا.
بينما يتعرض الرئيس الأمريكي جو بايدن، أهم حليف لإسرائيل، لخطر خسارة إعادة انتخابه في نوفمبر المقبل، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الانقسامات الديمقراطية حول الحرب. وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أن هناك اقتراحا من حماس على الطاولة يقضي بعودة الرهائن أحياء، ويدعو القرار إلى إطلاق سراح جميع الأسرى تدريجيًا مقابل انسحاب إسرائيل التدريجي من غزة، ووقف إطلاق النار وإعادة الإعمار على المدى الطويل. وستطلق إسرائيل أيضًا سراح مئات السجناء، بمن فيهم كبار القادة السياسيين الفلسطينيين والمسلحين المدانين بقتل مدنيين.
وهذا الاقتراح سيكون نصرًا لحماس، وهو الاقتراح الذي رفضه نتنياهو، ولكن ليس هناك ما يشير إلى تراجع حماس عن مطالبها الأساسية. فيمكن لإسرائيل أن تستمر في القتال – لأسابيع أو أشهر أو سنوات، لكن في مرحلة ما، من المرجح أن يضطر نتنياهو أو خليفته إلى اتخاذ واحد من أكثر القرارات المؤلمة في تاريخ البلاد، أو سيتم اتخاذ القرار نيابةً عنهم.