يبدو مستقبل غزة غامضا بعد فشل الوصول إلى اتفاق هدنة، خاصة وأنّ كل من طرفي الصراع تمسك بشروطه، ولما لا وكل منهما يُريد أنّ يُعلن انتصاره سواء حركة حماس، التي نجحت في توجيه ضربة قوية على وجه جيش الدفاع الإسرائيلي في 7 أكتوبر الماضي، أو محاولة الأخير تحقيق أي فوز على حماس سواء بالقضاء على حكمها أو القضاء عليها.
توقع صاحب هذا المقال قبل أيام فشل أي مفاوضات بينهما وأنها لن تُفضي إلى شيء؛ خاصة وأنّ إسرائيل اعتقدت أنّ الضغط العسكري خلال الخمسة شهور الماضية قد يُساعدها في مرحلة التفاوض لخروج رهائنها، فإذا بذلك يقف عائقًا أمام تحقيق أي اتفاق؛ فالحركة تضع مكسب وقف إطلاق النّار ولو بشكل مؤقت أمام ما فعلته إسرائيل خلال الشهور الماضية، فتجد نفسها خاسرة وهو ما يؤدي إلى تعثر المفاوضات في كل جولة.
سوف يأتي شهر رمضان دون التوصل إلى أي اتفاق وإذا حدث فلن يصمد؛ وقد يمتد لهيب الحرب في غزة إلى ما حولها وسط تهديد القيادة السياسية في إسرائيل بضرب رفح الفلسطينية، وهنا يمكن أنّ نقول إنّ غزة باتت مستنقع إسرائيل التي فشلت في أنّ تخرج منه؛ فبعد أن حاولت أنّ توظف حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي، ففوجئت بأنّ حماس باتت خطرًا لم تكن تتوقعه بل بات أكبر من قدراتها العسكرية، بدليل أنها لم تحقق أهدافها المعلنة سواء بتحرير الأسرى الإسرائيليين أو بالقضاء على الحركة!
ونجحت إسرائيل في توريط أمريكا في وحل غزة؛ فكل منهما يُريدان الوصول إلى اتفاق مجان ولكنهما لم يستطعا تحقيق ذلك على الأقل في الوقت الراهن؛ وهو ما اضطر جو بايدن إلى اصدار تكليفاته بإنشاء ميناء بحري على شواطئ غزة من أجل وصول المساعدات الإنسانية، بما يُعني أنّ الحرب مستمرة وقتًا أطول، وللمفارقة فإنّ إسرائيل أعلنت موافقتها ومساعدة واشنطن في تحقيق ذلك.
لا توجد أي مسارات تفضى إلى هدنة مؤقتة أو دائمة بين حماس وإسرائيل، ولعل سيناريو شبح الحرب مازال قائمًا، في ظل وضع سياسي وعسكري معقد، ولكن ما نُريد قولة إنّ واشنطن فشلت في ضبط سلوك حليفتها حتى تورطا كل منهما في وحل الحرب التي مازالت دائرة في غزة.
ولذلك يعملان سويًا على سيناريو تقليل مخاطر استمرار هذه الحرب في شهر رمضان الكريم، ولذلك لجأوا إلى خيارات إنشاء ميناء على شواطئ غزة، رغم أنّ المساعدات يمكن أنّ تدخل في معبر رفح بكل أريحية لو أرادت واشنطن وتل أبيب، كما أنّ خطوة ميناء غزة جاءت متأخرة، فلماذا الآن؟ وهنا نتساءل عن تأخر هذه الخطوة وليس على اتخاذها.
نتنياهو وضع خطة لوجود قواته 10 سنوات في غزة! رغم أنه سوف يفقد منصبة ربما خلال أقل من 10 أشهر، وهو لم يُدرك أن قواته فشلت في تحقيق أهدافها سواء منذ إنشاء الحركة في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي أو خلال الشهور القليلة الماضية منذ إعلان الحرب على القطاع، وهو ما يُعني فشلًا ذريعًا لجيش الدفاع الإسرائيلي.
وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي تصور عامين أو ثلاثة للقضاء على حماس؛ وهذا التصور من الناحية العسكرية سوف يستغرق وقتًا طويلًا بما يُعني إما قوة حماس أو ضعف جيش الدفاع الإسرائيلي أمامها، وإنّ كنّا نشكك في تحقيق هذه الأهداف التي يُداعب من خلالها الرأي العام الإسرائيلي وهي غير قابلة للتحقيق.
المنطقة على شفا هرب سوف تُشعلها تل أبيب وسوف تكون واشنطن أحد أدواتها، وسوف تستثمرها إيران سياسيًا وعسكريًا من خلال محاولة امتلاك أدوات قوة أكبر في منطقة الشرق الأوسط؛ ولعل هذه الحرب ليست في مصلحة أحد، وإذا ما انتهت في أي وقت، فسوف يكون الرابح فيها هو الشعب الفلسطيني، حيث بدأ العالم يتعاطف عمليُا مع قضيته، كما بدأ يضغط من أجل الوصول إلى حقه، رغم صمته على ما يتعرض له الآن.