لا توجد أي إمكانية لانجاز هدنة حقيقية بين حماس وإسرائيل قبل رمضان ولا بعده؛ فكل طرف يتمسك بشروطه ويستعد لإعلان انتصاره العسكري والإستراتيجي في الحرب التي استمرت قرابة خمسة شهور كاملة، ولذلك الرهان على توصل الطرفان لإتفاق هدنة في القريب العاجل يدل على عدم فهم طرفي الصراع وآيات المواجهة بينهما.
إسرائيل استنزفت نفسها في صراع مسلح ربما أفرطت في استخدام القوة العسكرية فيه، حيث لم تحقق أهدافها، سواء من تحرير الرهائن أو القضاء على حركة حماس، التي تتفاوض معه الآن، أو حتى في الضغط عليها بالشكل الذي يدفعها لقبول شروطها، ولذلك يصعب عليها أنّ تخرج مهزومه في هذه المعركة.
وهذا ما دفع إسرائيل لعدم حضور جولة المفاوضات الجارية في القاهرة حاليًا، انتظارًا لأي جديد يتحقق، كأحد وسائل الضغط التي تفهم حماس وتتعامل معها، صحيح أنّ قيادات حماس أضافت مع الوسطاء يومًا جديدًا من الحوار والنقاش، ولكن هذا لا يُعني القبول بشروط إسرائيل أو التخلي عن مطالبها، والتي تتلخص في الوقف الدائم لإطلاق النار مع الإنسحاب الكامل وعودة النازحين إلى شمال قطاع غزة.
أفرطت إسرائيل في استخدام القوة وها هي حماس تحصد ثمار الرعونة الإسرائيلية المعتادة في المواجهة، صحيح أنّ إسرائيل قد تكون حققت بعض النجاحات العسكرية ولكن حماس حتمًا بتمسكها بالشروط التي طرحتها للهدنة تُريد أنّ تجني ثمار الانتصار الإستراتيجي.
لن يتم توقيع هدنة بين الطرفين لا قبل رمضان ولا أثناء الشهر الكريم، وإذا تمت توقيع اتفاقية بين الطرفين فلن تصمد كثيرًا، سوف يتم اختراقها وقد يكون من نتائجها حرب ربما تجتاح فيها إسرائيل رفح الفلسطينية لتقلب الطاولة من جديد، أملًا في تحقيق الانتصار في الجولة الأخيرة من الصراع.
ولذلك الهدنة التي يلعب عليها الوسطاء في القاهرة وقطر سوف تكون على أسنة الرماح، ولن يلتزم بها أي من الطرفين؛ فإذا كانت بضغط عربي على حماس، ولا أظن ذلك، فسوف تتخفف منها الحركة مع أول قذيفة يُطلقها الإسرائيليين، وهذا وارد، وإذا كانت إسرائيل مضطرة إليها، وهو متوقع، فسوف تخرقها مع شمس اليوم التالي.
من مصلحة حماس عدم توقيع اتفاقية إلا أنّ تكون على شروطها، فرغم المآسي التي تعرض ومازال يتعرض لها الشعب الفلسطيني، فإنّ عامل الوقت لصالحها وليس لصالح إسرائيل، خاصة مع قدوم شهر رمضان الكريم، وبالتالي سوف يزداد التعاطف العربي والإسلامي وهو ما سوف يضر بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية، ولذلك سرعة انجاز الهدنة لصالح إسرائيل أكثر منه لصالح الفلسطينين.
الوسطاء العرب مع الولايات المتحدة الأمريكية يُدركون أنّ الفشل في التوصل لإتفاق قبل شهر رمضان يُعني أنّ هناك جولات جديدة من الصراع قد يمتد إلى حرب تضرب المنطقة العربية، وقد يدفع إسرائيل إلى احتلال محور فلادلفيا أو حتى اجتياح مدينة رفح، وهو ما سوف يدفع مصر لردع إسرائل وتنفيذ تهديداتها بهذا الخصوص.
هناك طرف سوف يُعلن انتصارة بعد هذه الحرب الطويلة بين الجانبين؛ ما قدمة الفلسطينيون يجعلهم يتمسكون بشروطهم، خاصة وأنّ حماس تُريد أنّ تُسوق لمشروعها الجهادي أو النضالي من خلال المواجهة المسلحة في هذه الحرب، وبالتالي لن تُخرج منهزمة، بل تُريد أن تُحقق الانتصار الإستراتيجي وتضغط على إسرائيل من أجل تحقيق مطالبها.
وهو ما يدفعنا للقول، إنه من المستبعد توقيع أي اتفاق بين حماس وإسرائيل حاليًا أو بعد حين إلا بشروط حماس، وإذا تم توقيع اتفاق حالي فسوف يكون على أسنة الرماح، سوف يكون اتفاق محكوم عليه بالإنهيار، وسوف ينتهي إلى حرب جديدة، إلا إذا وقعت إسرائيل على هزيمتها، وهو ما قد يُحدث ولكن بعد قليل من الوقت.