طلقات نارية وأسلحة بيضاء تسفر عادة عن سقوط قتلى ومصابين، هكذا بات حال المشاجرات هذه الأيام، فهي لم تعد كالسابق تبدأ بمشادة كلامية وسرعان ما يتدخل هذا أو ذاك من المحيطين بها لفك الاشتباك وإبعاد كل طرف عن الآخر.
وأضحت المشاجرات تتصف بصفات مقيتة ومفجعة يتخللها دائما دماء، وذلك لقلة تدخل الآخرين لمنعها من ناحية، ولشهوة إسالة الدماء التي صارت تسيطر على أدمغة البعض من ناحية أخرى.
فالثأر الشخصي والخلافات السابقة برغم أنهما يتربعان على عرش الدوافع وراء المشاجرات الدامية، إلا أن الغضب وفقدان السيطرة على النفس التي يصبح معها الشخص فريسة سهلة لشيطانه، فيتخذ من المشاجرات ذريعة أعد تهيئتها سلفا للانتقام، هو الشكل الأخطر الذي يخلف وراءه قتلى.
الشكل الإجرامي
فردا سلاح ناري "خرطوش"، كانت أبرز مضبوطات مشاجرة نشبت في بشتيل التابعة لمركز أوسيم، فما إن تقابل كل طرف من طرفي المشاجرة بالآخر حتى أمطره بوابل من الطلقات، فسقط واحد منهم وأتبعه ٤ آخرين بإصابات دامية وخطيرة.
وفر من بقى من تلك "المجزرة" ليقعوا في قبضة رجال الأمن، وعامل الرخام الذي قضت عليه طعنة نافذة بالقلب، من شخصين لخلاف على بيع المخدرات في البساتين، وعامل آخر قتل على يد ثلاثة من جيرانه ببورسعيد...الخ.
عشرات المشاجرات التي نشبت في الأسبوع المنصرم فقط، فما السر وراء هرولة البعض ناحية الجريمة وسفك الدماء بهذا التسارع المتمثل في المشاجرات؟.
الغرامة أو المؤبد.. عقوبة المشاجرات
واجه القانون ورجاله المشاجرات والمشاحنات بين الناس بعضهم لبعض، لا سيما المفضية منها إلى قتل أو إصابات كبيرة أو صغيرة، بعقوبات رادعة تمثلت في قانون العقوبات القانون رقم ٥٨ لسنة ٢٩٣٧ وفي موادة ٢٤١و٢٤٢ و ٢٤٥، وغلظت العقوبة فيهم، بتعديل قانون رقم ١٤١ لسنة ٢٠٢١ لذات المواد.
وفقا للمادة المادة رقم (240) من القانون والتي تنص في“على أن كل من جرح غيره وضربه وتسبب له في أذية عضو من جسده أو قطعه أو تسبب له في فقدان بصره أو فقد عين واحدة من العينين، يعاقب بالسجن من 3 إلى 5 سنوات، لكن في حال كان فعل الضرب بنية مسبقة بقصد الأذى يحكم بالأشغال الشاقة مدة من 3 إلى 10 سنوات".
ويضاعف الحد الأقصى للعقوبات إذا ارتكبت الجريمة تنفيذاً لغرض إرهابي، والمادة (241) التي تنص على "كل من أحدث بغيره جرحاً أو ضرباً نشأ عنه مرض أو عجز عن الأشغال الشخصية مدة تزيد على عشرين يوماً يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين أو بغرامة لا تقل عن عشرين جنيهاً مصرياً, ولا تجاوز ثلاثمائة جنيه مصري.
أما إذا صدر الضرب أو الجرح عن سبق إصرار أو ترصد أو حصل باستعمال أية أسلحة أو عصي أو آلات أو أدوات أخرى فتكون العقوبة الحبس.
وتكون العقوبة السجن الذي لا تزيد مدته على خمس سنوات إذا ارتكبت الجريمة تنفيذاً لغرض إرهابي، وتتضاعف العقوبة إذا ما زاد الضرر، وجاء ذلك مفصلا في المواد (٢٤٢) و(٢٤٣) و(٢٤٤) إلى المادة (٢٤٥)، ليبلغ إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
الأسرة هى كلمة السر
ارتفاع وتيرة العنف في المشاجرات، يقول عنها الدكتور أحمد شوقي العقباوي أستاذ قسم كشف الجريمة بالمعهد القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن السبب الحقيقي وراء ذلك دون مزايدات هو انعدام الأخلاق وخلل المنظومة التربوية في منزل الأسرة، هو ما يؤدي حتما إلى اللجوء للعنف وسيلة للخلاف وحل النزاعات، لافتاً إلى أن غياب دور القدوة المحرضة على الخير، والمحذرة من عواقب الشر والوقوع فيه تكون ابتداء داخل المنزل وليس في الشارع.
وأوضح " العقرباوي" ، أنه وعلى الرغم من أن القدوة يجب أن تبدأ من الأساس من المنزل، إلا أنها لا تكفي لوحدها ما لم تنعكس في المدرسة والعمل، مشيرا إلى أن السلوك المقيت الذي يصاحب المشاجرات من الناس المحيطين بطرفي الشجار، والمتمثل في انعدام المروءة ودفع الضرر، زاد ذلك من حدة الضرر والعنف بين المتشاجرين.
الدولة ليست طرفًا في العنف
وتابع الدكتور أحمد شوقي العقباوي، أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر في حديثه لـ"البوابة نيوز"، أن الدولة ليس لها دخل من قريب أو بعيد في خلل المنظومة الأخلاقية، فهي لا تعلم ما يدور بين أفراد البيت الواحد، وما هي القيم التي يتشاركونها بينهم وإلى ما تفضي، مشيرًا إلى أننا لا نستطيع أن نضع وراء كل مواطن ضابط شرطة ووكيل نيابة وقاضى لكي يضبط سلوكه ويبتعد عن الوقوع في الجريمة.
وختم أستاذ كشف الجريمة، أنه دائما ما يتشارك مرتكبو الجرائم في متلازمة غياب العقل، فلو وقف المجرم وراجع نفسه لنصف دقيقة فقط وقدر العقوبة، لم ارتكبها، لافتاً إلى أن الحل دائما يكون في الأخلاق حيث هي تكون الضامنة لمنع ارتكاب الجرائم.