شهادات مرعبة وحقائق دامية تلك التي عاشها الفلسطينيون في قطاع غزة وبالتحديد في دوار النابلسي الواقع بشارع الرشيد شمالي القطاع، فبالتزامن مع خروجهم للحصول على المساعدات الإنسانية التي هم في أشد الحاجة إليها في ظل مجاعة حقيقية تعصف بأهل غزة، فتحت الدبابات والمدافع الإسرائيلية النار عليهم ما أسفر عن استشهاد ما لا يقل عن 112 فلسطينيا، وهي المجزرة التي عرفها العالم بـ"مجزرة الطحين".
"مجزرة الطحين" أثارت غضب العديد من المنظمات الدولية، كما أعربت العديد من الدول العربية والأجنبية إدانتهم للمجزرة المخزية التي نفذها الاحتلال بحق الفلسطينيين أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات.
مجاعة حتمية في غزة
وفي أعقاب المجزرة، جددت الأمم المتحدة تحذيراتها من المأساة الإنسانية التي يشهدها قطاع غزة نتيجة للعدوان الذي تشنه قوات الاحتلال على القطاع، حيث أكدت أن المجاعة في قطاع غزة "أصبحت شبه حتمية، ما لم يتغير شيء.. والإحصاءات الرسمية تؤكد أن الكثير من الأطفال ماتوا جوعًا".
وفي هذا الشأن، قال ينس لايركه، الناطق باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، إن لدى الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية معايير معينة لتحديد حالة المجاعة، ولم تعلن بعد في قطاع غزة رغم الوضع الكارثي فيه؛ لكن "حتى إعلان حالة مجاعة، يكون الأوان قد فات بالنسبة إلى كثر.. نحن لا نريد أن نصل إلى هذا الوضع، ويجب أن تتغير الأمور".
وأضاف متحدث الأمم المتحدة أن الوفيات تشكل علامات تحذيرية "مقلقة جدا لأن الأمن الغذائي قبل هذا الصراع في غزة لم يكن سيئا إلى هذا الحد، موضحًا: "كان الناس يملكون الطعام، كانوا قادرين على إنتاج طعامهم"، والآن حتى "إنتاج المواد الغذائية في غزة أصبح شبه مستحيل".
من جهته، قال الناطق باسم منظمة الصحة العالمية كريستيان ليندماير، إنه وفقا للإحصاءات الرسمية التي جمعتها وزارة الصحة في قطاع غزة، سجلت وفاة عشرات الأطفال رسميا بسبب سوء التغذية، وهذا العدد بالتأكيد أقل من الأرقام الفعلية.
الإفراج عن مساعدات أوروبية لـ"الأونروا".. وإقرار مساعدات إضافية
وعلى صعيد متصل، طالب رئيس المجلس الأوروبى شارل ميشيل، ورئيسة المفوضية أورسولا فون ديرلاين، الجمعة حكومة الاحتلال الإسرائيلي بإجراء "تحقيق مستقل على الفور" في المجزرة التي وقعت الخميس في شارع الرشيد شمال قطاع غزة، وأدت لاستشهاد أكثر من 115 فلسطينيًا، تجمعوا للحصول على مساعدات إنسانية.
فيما أعلنت المفوضية الأوروبية، الإفراج عن 50 مليون يورو من مساعدات الاتحاد الأوروبي المجمدة لمنظمة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، كما أعلنت تخصيص 68 مليون يورو إضافية كمساعدات لمنظمات أخرى في المنطقة، مشيرة إلى أنه تم تخصيص 125 مليون يورو إضافية بالفعل للفلسطينيين لعام 2024.
ولفت بيان المفوضية إلى أنه بالإضافة إلى التمويل الجديد المعلن عنه بقيمة 68 مليون يورو، يرفع هذا إجمالي مساعدات الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين خلال العام الجاري إلى 275 مليون يورو.
ولعل الإفراج عن المساعدات يغير من المواقف الأوروبية التي كانت قد جمدت مساعداتها لـ "الأونروا"، وطالبت بتدقيق حسابات مستقل للوكالة إثر اتهام إسرائيل لحوالي 12 من موظفي المنظمة بالمشاركة في هجوم السابع من أكتوبر الذي قادته حركة "حماس"
أستاذ علاقات دولية: إسرائيل تنفذ خطة ممنهجة لتصفية الفلسطينيين
وفي هذا الشأن، قال الدكتور رامي عاشور، أستاذ العلاقات الدولية، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي تسير على خطة متعمدة لتصفية القضية الفلسطينية من خلال تصفية أكبر قدر ممكن من سكان قطاع غزة، وذلك بهدف صناعة حالة من اليأس بين الفلسطينيين من أجل توصيل رسالة تفيد باستحالة العيش على الأراضي الفلسطينية، ودفعهم للهجرة من أراضيهم بالقوة.
وأضاف "عاشور" أن الاحتلال الإسرائيلي ينفذ سياسة الأرض المحروقة بكل جوانبها من خلال خلق أوضاع إنسانية وصحية ومعيشية شبه مستحيلة، وهو أمر متعمد ومعتاد من الاحتلال الإسرائيلي الذي يستهدف توسيع النفوذ الاستيطاني وضم قطاع غزة بالكامل لمخططه الاستيطاني، من خلال تفريغ القطاع وتهجير سكانه ومن ثم إعادة إعماره وتوطين المستوطنين عليه كما فعلت في الأراضي الفلسطينية على مدار السنوات الماضية.
وتابع: "المجازر والإبادة الجماعية التي تنفذها قوات الاحتلال كل يوم في غزة هو جزء من السياسة الإسرائيلية لتصفية أكبر قدر ممكن من سكان غزة من أجل تنفيذ مخططها الاستيطاني".