بعد صدور حكم غيابي جديد بحق الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي، سارعت منظمات وكيانات مختلفة الأسماء، متنوعة الجنسيات والبلدان ظاهريا، بإصدار بيانات رافضة تدين هذا الحكم وتصنفه بأنه طريقة للتنكيل بالسياسيين، وهو ما قد يشكل معلومة لها وجاهتها عند كثير من المتابعين، أو قراء هذه البيانات الرافضة، لكنها في جوهرها كيانات ومنظمات وهمية تعود إلى أصل واحد يشغلها جميعا، ويوجه بياناتها، وهو التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية، التي اتخذت من المرزوقي بوقًا إعلاميًا يروج لها قضاياها ومصالحها في الخارج، فهو لا يكف عن عقد الندوات، أو المشاركة في أي حدث من افتعال المنظمات المشبوهة التي ينتمي إليها، أو الظهور كمعلق ومحلل في منصاتها الإعلامية، لتسويق فكرة غياب الديمقراطية والتحريض ضد الحكومات العربية التي تقف في وجه التنظيم الإرهابي بصورة حاسمة مثل مصر وتونس.
قبل أيام، وجه القضاء التونسي ضربة جديدة بحق المرزوقي، حيث قضت محكمة تونسية، بإدانته غيابيًا بالسجن لمدة 8 سنوات نافذة، وهي المرة الثانية التي يدينه فيها القضاء، وكانت المرة الأولى في ديسمبر عام 2021 عندما صدر بحقه حكمًا بالسجن مدة 4 سنوات نافذة، لذا انطلق البيانات الرافضة لهذه الأحكام القضائية من الجماعة الإرهابية "جبهة لندن" أولا، ثم منظمة تسمى "المجلس العربي" أسسها المرزوقي مع اليمنية توكل كرمان وآخرين من مصر ينتمون للجماعة الإرهابية، وهيكل آخر يسمى "منتدى البرلمانيين المصريين بالخارج" يرأسه الإخواني الهارب محمد جمال حشمت، أحد المدانين في قضية اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات.
تنضم لقائمة هذه المنظمات المشبوهة التي تقوم بدور الواجهة للتنظيم الدولي للجماعة، منظمة أخرى أعلن عن تأسيسها وتسميتها بـ"شبكة البرلمانيين الديمقراطيين العرب" كإطار يجمع كل المنبوذين من بلادهم، وخاصة عناصر جماعة الإخوان الهاربة والمدانة في قضايا إرهاب وعنف، وإعادة غسل سمعتهم الملوثة بالقتل والعمليات الإرهابية بإطلاق تسميات حقوقية وديمقراطية عليهم من جديد. هذه الشبكة المشار إليها سيكون من مهامها تنشيط الشارع العربي لإحداث ما سماه بـ"الموجة الثانية للربيع العربي" وهي فرصة يبحث عنها المرزوقي جاهدا لإعادة استغلالها مجددا.
حكم ضد المرزوقي للمرة الثانية
كانت الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس قضت غيابيا بالسجن مدة ثمانية أعوام مع النفاذ العاجل في حق الرئيس الأسبق للجمهورية المنصف المرزوقي وفق ما أكده محمد زيتونة الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس.
وأضاف "زيتونة" بأنه وأثر تصريحات أدلى بها المتهم على مواقع التواصل الاجتماعي أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس بفتح بحث تحقيقي ضده من أجل تهم تتعلق بتدبير الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم البعض بواسطة السلاح والدعوة إلى ارتكاب أعمال القتل والسلب على التراب التونسي حسب منطوق الفصل 72 من المجلة الجزائية. وأضاف أنه تم توجيه هذه التهم للمرزوقي، على أثر تداول شبكات التواصل الاجتماعي لخطاب له في اطار ندوة تم تنظيمها بالخارج، حرض خلالها المتهم مؤسسات الدولة على الخروج والتحرك لقلب نظام الدولة.
وفي تعليقه على هذا الحكم، قال المحلل السياسي نجيب الدزيري إن المرزوقي تجاوز المعارضة السياسية إلى دعاوى التحريض والقتل حيث توعد جميع العسكريين والقضاة والأمنيين بنصب المشانق لهم، وهو ما استند إليه الحكم القضائي بحسب الدزيري.
وأضاف في حديث له مع إذاعة محلية تونسية، أن جميع الفئات من عسكريين وأمنيين وقضاة يعملون من أجل حماية بلدهم تونس، وأن كل فرد فيهم أشرف من المرزوقي، الذي يحرض على بلاده من الخارج.
تحركات خارجية مريبة
المرزوقي الذي انتخبه المجلس الوطني التأسيسي، الذي هيمن عليه إخوان تونس، رئيسًا للفترة الانتقالية في ديسمبر 2011 حتى العام 2014، فشل في إقناع الناخب التونسي في اختياره في انتخابات الرئاسة 2019، وأصبح شغله الشاغل هو الهجوم على الحكومة التونسية والرئيس التونسي قيس سعيد، كما هاجم الإعلام والقضاء التونسي، خاصة بعد قرارات 25يوليو/جويلية التي أنهت استحواذ حركة النهضة الإخوانية على مفاصل ومؤسسات الدولة، ليتحول بعدها المرزوقي إلى "بوق إخواني" أو واجهة إعلامية دائمة الظهور في المنصات الإعلامية والبرامج التلفزيونية لمواصلة فقرات هجومه على الحكومات العربية وخاصة التي تتخذ موقفا حازما ضد جماعة الإخوان الإرهابية.
بعد خسارته في الانتخابات أمام الرئيس الحالي قيس سعيد، وخروجه من الجولة الأولى، استقر المرزوقي في باريس، وحاول من خلال اللقاءات والمؤتمرات الصحفية التحريض ضد الشأن التونسي الخارجي، واصفا قرارات 25يوليو/جويلية بالانقلاب، التي خلصت البلاد من شلل سياسي عجز فيه الرئيس عن اتخاذ أي قرار أو خطوة جادة في تشكيل الحكومة بعيدا عن تأثير وضغط حركة النهضة الإخوانية.
المرزوقي الذي جاء للمشهد السياسي بخلفيته كطبيب أطفال، وكاتب في الشأن السياسي عن الحريات وحقوق الإنسان، فاجأ الجميع بتحالفه المشبوه مع النهضة الإخوانية، التي اختارته رئيسا، ليكون في الواجهة رئيسا من خارجهم، ليتضح بعد ذلك أنه تماهي ليس مع الحركة التونسية المحلية فقط بل مع التنظيم الدولي للجماعة، حيث أصبح لسان الدفاع عن قضاياهم في جميع البلدان العربية، فتطاول على القيادة السياسية المصرية، وحرض على فوضى ومظاهرات ضد الرئيس السيسي، لكنها باءت بالفشل، وأيضا اتهم الرئيس التونسي قيس سعيد المنتخب ديمقراطيا بأنه فاقد للشرعية، كما تباهى المرزوقي بكونه تسبب في تعطيل عقد القمة الفرنكوفونية التي كان من المزمع عقدها في تونس نوفمبر 2021، أي أنه أعلن اعترافه بالعمل ضد مصالح وطنه في الخارج.
في أكتوبر2021، أصدر الرئيس قيس سعيد قرارا بسحب جواز السفر الدبلوماسي من المرزوقي في إطار سعيه للتحريض ضد تونس، ومحاولة التأثير على قرار بعض الدول الأوروبية التي تتجه للتقارب مع تونس، وفي نوفمبر2021 أصدر قاضي التحقيقات التونسي مذكرة دولية لجلب المنصف المرزوقي للتحقيق معه في ما نسب إليه من تصريحات مسيئة ضد بلاده، وما يقوم به من توجهات تهدد مصالح تونس في الخارج.
ورفضت نقابة السلك الدبلوماسي التونسي، آنذاك، تصريحات "المرزوقي" التي حرض فيها سلطات دولة أجنبية على اتخاذ تدابير عقابية ضد بلاده والسعي لإفشال القمة الـ50 لمنظمة الفرنكفونية، ووصفت تحركاته بـ"الأفعال اللاوطنية".
وفي ديسمبر 2021، قضت محكمة تونسية بسجن المرزوقي لمدة 4 أعوام نافذة في تهم الاعتداء على أمن الدولة الخارجي، وإجراء اتصالات بموالين لدولة أجنبية، بغرض الإضرار بحالة تونس من الناحية الدبلوماسية. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها بحقه حكما بالإدانة فيما يقوم به من تحريض خارجي.
ركز المرزوقي دوره في الخارج على عقد مؤتمرات صحفية أو المشاركة في محاضرات جامعية، وأيضا المشاركة في مهرجانات ثقافية، من أجل استغلال أي فرصة لتوجيه الرأي الدولي ضد تونس، ففي أكتوبر 2023 شارك المرزوقي ضمن مهرجان ثقافي تقيمه جمعية هندية تدعو للسلام، بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي كلمته أبدى المرزوقي تطلعه لكسب التأييد الأمريكي من أجل قيامه بتنشيط ما وصفه بـ "موجة ثانية من الربيع العربي" وكأنه يبحث عن فرصة ثانية خاصة بعدما استفاقت عدة دول عربية ولفظت جماعة الإخوان الإرهابية التي مثلت اليد المنفذة للمخططات التدميرية الخارجية.