صفقة مشروع رأس الحكمة التي وقعتها الحكومة مع الإمارات، أكبر صفقة استثمارية تعقدها مصر، كما أنها أحد أهم الحلول السريعة والناجزة للحد من أزمة شح العملة الدولارية التي تعاني منها البلاد، وأثرت بشكل كبير علي كافة مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وهى دليل علي مدى قوة ومتانة العلاقات المصرية الإماراتية، ويؤكد الخبراء أن تلك الصفقة سيكون لها العديد من الآثار الايجابية على الاقتصاد المصري، على المدى القريب والبعيد.
وقال الدكتور عبدالمنعم السيد ، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إنه منذ أن أعلنت الحكومة عن الصفقة التاريخية التي تعد الأكبر في تاريخ الاستثمار المباشر لمصر انخفض سعر الدولار في السوق الموازي بنسبة كبيرة بمجرد الإعلان أن هناك سيولة دولارية سوف تدخل الخزانة العامة مما يعطي دلالة أن سعر السوق الموازي ليس حقيقيا ولكن كان سعر مضاربة لأن الدولار تحول من عمله إلي سلعة.
واضاف السيد، صفقة رأس الحكمة ناجحة بكل المقاييس وتبلغ قيمة المقدم النقدي للصفقة 35 مليار دولار تحصل عليهم مصر علي عدة دفعات، الدفعة الأولي خلال أيام وقيمتها 15 مليار دولار تسدد علي النحو التالي:
10 مليارات دولار تحول مباشرة للبنك المركزي المصري، والـ 5 مليارات دولار الباقية، تخصم من وديعة الإمارات داخل البنك المركزي المصري.
أما الدفعة الثانية، وقيمتها 20 مليار دولار تدفع خلال شهرين من التوقيع وتسدد من خلال “دفعه نقدية” بقيمة 14 مليار دولار تدخل لخزينة الدولة بجانب 11 مليار دولار ودائع إماراتية لدى البنك المركزي سيتم تحويلها إلى استثمارات، حيث تم توقيع (مصر والإمارات) لعقد تطوير وتنمية مدينة رأس الحكمة بالساحل الشمالي، تمثل المقابل النقدي لمصر مقابل تخصيص 40 ألف فدان أي ما يقرب من 170 مليون متر مربع في منطقة رأس الحكمة بالساحل الشمالي لإقامة مشروعات ( تنموية ومجتمعية وإقامة حي المال والأعمال ومطار دولي وجامعات ومدارس) وهو ما يمثل إقامة مجتمع عمراني يستخدم طوال العام وبالتالي سيكون إجمالي ما تحصل عليه مصر من هذه الصفقة ( 24 مليار دولار سيولة ستأتي من الخارج إضافة إلى 11 مليار دولار قيمة الودائع الإماراتية في مصر)
بالإضافه إلي أن مصر ستحصل على 35% من أرباح المشروع طوال فترة المشروع، ويحصل الجانب الإماراتي علي 65% من أرباح المشروع، كما أن الإمارات ستستثمر ما لا يقل عن 150 مليار دولار طيلة مدة تنفيذ المشروع لإقامة المشروع وتحقيق تنمية عمرانية ومجتمعية متكاملة كما أن هذا المشروع له عدة فوائد ومكاسب ستحققها الدولة المصرية، تتمثل في تخفيض حجم الديون الخارجية بقيمة الودائع الإماراتية البالغة 11 مليار دولار،
بالإضافة إلي توفير السيولة الدولارية لحل الأزمة الاقتصادية والسيطرة علي سوق الصرف الموازي والقضاء علي التشوهات النقدية.
وأوضح أن المشروع يستقطب حوالي 8 ملايين سائح سنويا ويضع مصر علي خريطة السياحة العالمية، كما أنه يوفر مئات الآلاف من فرص العمل ومن ثم زيادة معدلات التشغيل وتقليل معدلات البطالة . حيث إن سوق العمل في مصر يدخل له سنويا مليون مواطن، كذلك المشروع سينشط الكثير من الشركات والمصانع التي ستنتج مستلزمات ومواد البناء، وأيضا قيام الجانب الإماراتي بضخ 150 مليار دولار لبناء وإنشاء هذا المشروع، وجزء كبير من هذا المبلغ سيحول الي الجنيه المصري لشراء مواد البناء والانفاق علي المشروع .
ويضيف الخبير الاقتصادي، هذه الصفقة من شأنها توفير السيولة الدولارية التي تمكن البنك المركزي المصري من معالجة تشوهات سعر الصرف والقضاء علي السوق السوداء ويكون هناك سعر صرف واحد أو علي الأقل تقليل الفجوة الكبيرة بين السوق الرسمي وغير الرسمي، وبالتالي من المتوقع أن ينخفض سعر الصرف في السوق الموازية من 25 ٪ إلي 30 ٪ من السعر المعلن حاليا .
علامة فارقة
وقال الدكتور، هاني أبو الفتوح ، إن صفقة “رأس الحكمة” والتي تبلغ قيمتها 35 مليار دولار، علامة فارقة في مسار الاقتصاد المصري، خاصةً في ظل ما يواجهه من تحديات، أهمها تذبذب سعر صرف الجنيه المصري في السوق الموازية.
وتوقع أبو الفتوح، أن تؤدي صفقة "رأس الحكمة" إلى ضخ كميات كبيرة من العملات الأجنبية في السوق المصري، مما يُساهم في زيادة المعروض من الدولار وخفض سعره في السوق الموازية، وهو ما حدث بالفعل منذ الإعلان عن توقيع الصفقة بين الإمارات ومصر، كما أن الصفقة تعزز ثقة المستثمرين في الاقتصاد المصري، وتؤكد قدرة الدولة على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، مما يساهم في زيادة احتياطيات مصر من العملات الأجنبية وتعزيز استقرار الجنيه.
وأضاف الخبير الاقتصادي، من ناحية أخرى، مع ضخ كميات كبيرة من العملات الأجنبية، ستقل جاذبية المضاربة على الدولار في السوق الموازية، مما سيؤدي إلى تراجع سعره بشكل أكبر.
غير أن هناك تحديات أمام تحقيق التأثير في سوق الصرف، حيث يمكن الا يكون فورياً، كما أن هناك تحديات أخرى تواجه الجنيه ، مثل: (ارتفاع معدلات التضخم، واختلالات الميزان التجاري ).
فيما أكد مبارك الهواري عضو اتحاد الصناعات المصرية، أن صفقة رأس الحكمة الأعظم في تاريخ الشراكات بين الحكومة والاستثمار الأجنبي داخل مصر.
تدفقات الدولار
وأوضح الهواري، أن تأمين تدفقات نقدية من الدولار بقيمة 35 مليارات دولار نجاح كبير لحكومة مدبولي حيث تسهم في علاج الفجوات المالية من الدولار في وقت قصير لا يتعدى الشهرين.
وطالب بضرورة تسويق الحكومة لفرص الشراكات مع الجانب في التصنيع الزراعي، مؤكدًا أن القطاع الصناعي خاصة التصنيع الزراعي مؤهل أيضا لجذب الاستثمارات الأجنبية في مختلف المجالات الإنتاجية.
وقال: يجب أن يكون جذب الكيانات الاستثمارية الأجنبية في التصنيع الغذائي أولوية في أجندة الشراكة مع الدولة والقطاع الخاص المصري والأجنبي وفقًا لتنفيذ وثيقة سياسة ملكية الدولة لدوره الاستراتيجي في تحقيق الأمن الغذائي واستقرار أسعار المنتجات الغذائية بالإضافة إلي مساهمته في زيادة الصادرات.
ولفت الهواري، إلى أن هذه النوعية من الصفقات الاستثمارية تجعل من مصر دولة جاذبة للاستثمار المباشر بالشرق الأوسط وتوفير العملة الصعبة بجانب علاج الأزمات الاقتصادية من التضخم والبطالة حيث توفر فرص عمل ضخمة لجميع الشركات وللشباب ويضمن تحقيق الاقتصاد المصري نمو مستدام.
وأوضح أن صفقة تنمية مدينة رأس الحكمة على الساحل الشمالي الغربي بمبلغ إجمالي 35 مليار دولار، يتم دفعها على دفعتين، الأولى خلال أسبوع بمبلغ 15 مليار دولار، والثانية خلال شهرين من الدفعة الأولى بمبلغ 20 مليار دولا، هي أضخم صفقة استثمار أجنبي مباشر في تاريخ مصر.
وتشمل الصفقة خصم الوديعة الدولارية للإمارات بمبلغ 11 مليار دولار من الدفعتين وتحويلها إلى جنيه مصري بالبنك المركزي، مما يعد تخفيضا للديون الخارجية .
استراتيجية تنمية مصر 2052
وأضاف الهواري، أن الصفقة تأتي ضمن استراتيجية تنمية مصر 2052، والذي وضعته الدولة بهدف استغلال البنية التحتية التي تم إنشاؤها ، وستحصل مصر على نسبة 35% من أرباح المشروع أثناء التشغيل، بينما يساهم المشروع في زيادة عدد السائحين إلى مصر سنوياً بحوالي 8 ملايين سائح، مما قد يُمكننا من الوصول إلى 40 – 50 مليون سائح سنوياً، الأمر الذي يمكنه غلق عجز ميزان المدفوعات للدولة سنويا من العملة الأجنبية.
وتوقع أن تصل إجمالي استثمارات المشروع حتى انتهاء التطوير إلى 150 مليار دولار يتم ضخها من الجانب الإماراتي كاستثمارات أجنبية مباشرة.
ويرى الهواري ، أن المشروع سيخلق ملايين فرص العمل أثناء التطوير وبعد التشغيل، وسيعمل على تحقيق الاستقرار النقدي وكبح جماح التضخم عن طريق الدفعات التي سيتم ضخها في الاقتصاد المصري، وهي خطوة مهمة في سبيل تحقيق أهداف التنمية المستدامة ورفع مستوى المعيشة للمواطنين.