تُخيم أجواء الحرب على العلاقات المصرية الإسرائيلية؛ خاصة وأنّ تل أبيب مازالت تُصر على العملية العسكرية في رفح، بما يُهدد الأمن القومي المصري، فضلًا عن إصرارها على احتلال محور فلادلفيا، وكلها مؤشرات قد تصل إلى الحرب التي لا تُريدها القاهرة ولكنها قد تكون مضطرة إليها.
أعلنت القاهرة أكثر من مرة أنها لن تُفرض في أمنها القومي، وأنها مستعدة لكل الخيارات، وأنها لا تُريد توسيع دائرة الحرب، إلا أنّ سلوك إسرائيل يبدو مختلفًا ومتناقضًا في نفس الوقت، فضلًا على أنّ أمريكا فشلت في ضبط السلوك الإسرائيلي وهو ما يُهدد أمن إسرائيل والمنطقة.
مصر جاهزة لكل السيناريوهات، صحيح أنها تُساعد كثيرًا في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على المدى القرب والبعيد، ولكنها في نفس الوقت لن ترضى بأية حلول على حساب أمنها القومي، فلن يُرضيها نصف حل أو شبه خيار، وهو جادة في تهديداتها.
الخاسر الوحيد من اتساع دائرة الحرب في المنطقة العربية إسرائيل والمصالح الأمريكية؛ فهذه الحرب المتوقعة سوف تؤثر على قوة إسرائيل العسكرية وسوف تخسر وجودها القوي وما حققته من مصادر قوة سواء على المستوى العسكري أو الإستراتيجي؛ هذه المعركة لو حدثت فسوف تكون بين العرب كل العرب وإسرائيل بمن يقف خلفها.
القاهرة تمتلك روادع قوية لإسرائيل إذا فكرت في المساس بالأمن القومي المصري، كما أنّ مصر لا تطمئن لتصريحات إسرائيل التي تُحاول معها تنفيذ خطتها، سواء بتهجير الفلسطينين إلى سيناء أو بتوجيه ضربه عسكرية إلى رفح واحتلال محور صلاح الدين، ولذلك سوف يكون الرد قويًا وغير متخيلًا وفق إجراءات تصعيدية قد تكون المواجهة العسكرية أحد أدواتها.
هناك زيارات كثيرة لقادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، الموساد والشاباك، فضلًا عن اجتماعات دائمة للجان مشتركة بين الطرفين هدفها الحفاظ على معاهدة السلام بين الجانبين، خشية أنّ تمس أو أنّ يتم تجميدها أو الإعتداء عليها من قبل أي من الطرفين، ورغم ذلك تُدرك القاهرة أنّ تل أبيب قد تخترق هذه المعاهدة أو تعتدي على الأمن القومي المصري في أي لحظة، وهو ما تستعد له القاهرة وتضع له كافة السيناريوهات بما يردع إسرائيل لو أقدمت على هذه الخطوة.
إسرائيل تتعامل برعونه شديدة في ظل وجود مكونات متطرفة داخل حكومتها الحالية، وهو ما نتج عنه أحداث 7 أكتوبر الماضي، وقد يُؤدي إلى حرب مع مصر قد تُزيد من وضع تل أبيب الحرج، خاصة وأنها تخوض عدة حروب على عدة جبهات في وقت واحد سواء في الداخل الفلسطيني أو مع حزب الله اللبناني أو مع حركة أنصار الله قي اليمن، ولذلك التصعيد الإسرائيلي مع القاهرة سوف يُقابل بتصعيد عربي مماثل.
وهنا تبدو الإدارة الأمريكية مغيبة عن المشهد تمامًا أو أنها قررت الانحياز بصورة كاملة لإسرائيل في تجاوزاتها مع الدول المجاورة لها، وهو ما سوف تكون له العواقب الوخيمة على أمريكا ومصالحها وعلى الأبن المدلل الذي لا يُدرك مصالحه ويعبث بأمنه.
مصر تستعد لأي حرب وسوف ترد على أي تهديد لأمنها، صحيح لا ترغب في خوض معارك عسكرية، ولكنها إذا كانت مضطرة فلن تتوانى بهدف الدفاع عن أمنها القومي؛ الثقة التي تتمتع بها القيادة السياسية في مصر شعبيًا وقراءتها لحجم التحديات التي تواجهها سوف يكون عنوان المواجهة القادمة المتوقعة مع إسرائيل.