قبل 32 عامًا أعلن المفكر الأمريكي، فرانسيس فوكوياما «نهاية التاريخ». وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي حقا بدا الأمر أن الموديل الغربي للنظام العالمي قد انتصر وسيصبح من الآن فصاعدا موجودا في كل مكان وأبديا. وإلا أن هذه التوقعات لم تتحقق.
إن تطور البشرية لم يتوقف. وإن النظام الأحادي القطب الذي تقوده الولايات المتحدة لم يصبح كما يقال "تاج الخلق الإلهي". لقد أخضع الأمريكيون تماما أوروبا وأستراليا واليابان وبعض الدول الأخرى لإرادتهم ولكنهم لم يتمكنوا على الرغم من جميع المحاولات من كبح جماح التنمية المستقلة للصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل وعدد من الدول الأخرى.
وحدثت نفس القصة مع روسيا. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي لم نكن ضد التعاون مع الغرب وبالعكس كنا نأمل في أن اختفاء الخلافات الإيديولوجية السابقة قد جعلنا أصدقاء. ولكن الغرب نفسه دفعنا بعيدا. لم يكن يريد التحدث معنا على قدم المساواة ومراعاة مصالح أمننا.
على العكس من ذلك، أراد الغرب أن يستمر في تفتيت أراضينا بمساعدة الانفصاليين، الذين دعمهم بكل قدرته. وقام بنقل البنية التحتية لحلف الناتو بالقرب من الحدود الروسية على مسافة 130 كيلومترًا من سانت بطرسبرج. وحتى خلال الفترات التي بدت فيها العلاقات جيدة فقد واصل في فرض العقوبات الاقتصادية من أجل تقويض القدرات الصناعية والعسكرية الروسية.
وأخيرًا، عبر الغرب "الخط الأحمر" عندما أراد السيطرة على أوكرانيا. هذه هي أراضينا التاريخية ومهد الحضارة الروسية. ولم تكن دولة مستقلة حتى القرن العشرين ولكنها أصبحت جمهورية سوفييتية منفصلة ذات حدود مفرطة قبل مائة عام بناء على أمر حكام روسيا الشيوعيين بعد ثورة 1917 على الرغم من أن معظم سكانها يتحدثون باللغة الروسية ولديهم عقلية روسية بالكامل.
في عام 1991 اعترفنا بدولة أوكرانيا ولم نتوقع أن يبدأ القوميون الذين وصلوا إلى السلطة هناك في إعادة كتابة التاريخ، أو بعبارة أخرى في الواقع اختراعه من جديد، وتغيير وعي الناس. وتسارعت هذه العملية بشكل حاد في عام 2014، عندما رعت الولايات المتحدة انقلابا في كييف وسيطرت بالكامل على النظام الجديد. بدأ الأمريكيون في تشجيع الاضطهاد العلني للروس، بما في ذلك فرض حظر على اللغة الروسية، وتحويل الأراضي الروسية إلى نقطة انطلاق عمليات عسكرية ضد روسيا وهو نفس ما أصبحت عليه دول البلطيق المجاورة لنا وبولندا.
ولذا فإن المواجهة بين روسيا والغرب اتخذت طابعا قاسيا ليس قبل عامين، بل في عام 2014. وأن الحرب على الأراضي الروسية تستمر منذ عشر سنوات.
وتمكنا من حماية شبه جزيرة القرم من المذبحة الدموية، حيث لم يكن هناك أي شيء أوكراني على الإطلاق. ومع ذلك، في أبريل 2014 بدأ النازيون الجدد الأوكرانيون بدعم من واشنطن والعواصم الغربية الأخرى في قصف دونباس الذي لم يرغب سكانه أيضًا في نسيان جذورهم الروسية وفي مايو قاموا بإحراق نفس المنشقين أحياء في مدينة أوديسا.
بالتوازي بدأ التطوير العسكري لأوكرانيا من قبل أعضاء الناتو. وتحت ستار التدريبات بدأ الغربيون في الاحتفاظ بأفرادهم العسكريين هناك بشكل دائم. كما فتح هناك البنتاجون شبكة من المختبرات لتطوير الأسلحة البيولوجية لاستخدامها ضد روسيا.
وحتى في مثل هذه الظروف حاولت روسيا التفاوض مع نظام كييف والغرب. وبمبادرة في عامى 2014 و2015 تم إعداد اتفاقيات في مينسك تنص بنودها حول الحفاظ على دونيتسك ولوهانسك تحت حكم كييف. ومع ذلك، وكما اعترف علنا في وقت لاحق زعماء أوكرانيا وألمانيا وفرنسا، الذين وقعوا عليها، فإنهم لم يكونوا يعتزمون في البداية تنفيذ هذه الاتفاقيات، التي تضمنت بعض التنازلات للشعب الروسي. كان الهدف هو المماطلة لبعض الوقت، وبناء القوة العسكرية الأوكرانية وإجبار دونباس على الاستسلام بقوة السلاح.
وتم اطلاق تنفيذ هذه الخطة في منتصف فبراير 2022. بحلول ذلك الوقت، كانت القوات الأوكرانية تقصف باستمرار دونيتسك ولوهانسك منذ ما يقرب من ثماني سنوات، ولكن بعد ذلك زادت هجماتها بشكل حاد استعدادًا لهجوم حاسم. وهكذا تم شطب اتفاقيات مينسك بالكامل. في مثل هذه الظروف كان على روسيا أن تنقذ سكان دونباس من خلال البدء في إجلائهم إلى أراضيها وإطلاق عملية عسكرية خاصة ضد نظام كييف.
ومن الواضح أننا منذ ذلك الحين لم نحقق بعد أهدافنا المتمثلة في نزع السلاح وإزالة النازية من أوكرانيا. ولا يزال هناك تهديد كبير للأمن الروسي من هناك حيث أن الصواريخ والقذائف تتطاير عبر مدننا. إن جزءًا كبيرًا من المجتمع الأوكراني مخمور بالدعاية القومية المجنونة، كما هو الحال في ألمانيا في عهد هتلر. ولذلك فإن العملية العسكرية مستمرة.
ويجري القتال بشكل رئيسي على الأراضي الروسية لأنه نتيجة للاستفتاءات الحرة أصبحت جمهوريتا دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين ومنطقتي زابوروجيا وخيرسون جزءا من روسيا. لذلك نحمي أرضنا ونحررها.
نحن نفهم جيدًا أن النضال يمكن أن يكون طويلًا وصعبًا للغاية. بعد كل شيء، على الجانب الآخر من الجبهة، بالزي الرسمي الأوكراني، هناك شعب روسي، تمامًا مثل جنودنا، والروس يقاتلون بعناد.
فضلًا عن ذلك فإن روسيا تواجه القوة الجماعية للغرب برمته. إنه يتعمد إطالة أمد إراقة الدماء من خلال تزويد نظام كييف بالأسلحة. وإذا توقفت هذه الإمدادات، فمن الممكن أن تنتهي الحرب في غضون بضعة أشهر. لكن هذا لا يناسب بشكل قاطع الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة. إنهم يخشون بشدة أن يُنظر إلى هزيمة كييف على أنها فشل آخر للأمريكيين، وبعد أن لم يُسمح لهم بالإطاحة بالحكومة الشرعية في سوريا واضطروا إلى الفرار من أفغانستان، فإنهم سيدمرون في النهاية هيمنة واشنطن العالمية.
إن ما يحدث حول أوكرانيا هو أحد انعكاسات حركة الإنسانية نحو عالم متعدد الأقطاب. النفوذ الغربي يضعف. وهو يحاول بشكل محموم الحفاظ على دوره القيادي السابق، لكنه لم يعد يرمز إلى التقدم الحضاري.
بل على العكس من ذلك، فهو يقود الجنس البشري إلى الهلاك. إن أيديولوجيته الحالية المتمثلة في الليبرالية اللامحدودة تؤدي إلى رفض الله، وبالتالي إلى الدعاية لظواهر مثل زواج المثليين وتغيير الجنس. وهذا يعني تدمير الأخلاق والانحطاط.
علاوة على ذلك، فإن الغرب مستعد لتعزيز مثل هذه القيم باستخدام أكثر الأساليب وحشية، والتي اعتاد عليها منذ زمن الحروب الصليبية. ومن هنا دعم واشنطن الكامل لما يفعله الإسرائيليون في قطاع غزة الفلسطيني. تعتبر إسرائيل حليفًا مخلصًا للولايات المتحدة، بما في ذلك من الناحية الأيديولوجية، وبالتالي، من وجهة نظر الديمقراطيين الأمريكيين، يمكنها قتل الفلسطينيين.
كما تحب الدول الغربية فرض عقوبات اقتصادية على من لا تحبهم. هؤلاء الليبراليون على استعداد لإغراق أمم بأكملها في الفقر وتجويع أمم بأكملها بشكل عام، تمامًا كما فعلوا خلال عصر الاستعمار. ومع ذلك، فهي الآن ليست ناجحة للغاية، كما يتضح من أمثلة كوريا الشمالية وكوبا وإيران، التي نجحت في التغلب على مثل هذه الضغوط لعقود عديدة.
وفرض الغرب 20 ألف عقوبات مختلفة على روسيا. إنهم، بالطبع، يؤذوننا. ومع ذلك، في عام 2023، أصبحت بلادنا أكبر اقتصاد في أوروبا من حيث تعادل القوة الشرائية وخامس أكبر اقتصاد في العام. أي أن الاقتصاد الروسي ينمو رغم الصعوبات. لم نعد نهتم بالعقوبات.
في حين أن الغرب، مع كل حزمة عقوبات جديدة، يعترف بعجزه، لأنه يظهر بوضوح أن القيود السابقة لم تنجح. فضلًا عن ذلك فمن الواضح أن ألمانيا وغيرها من البلدان الأوروبية، التي تخلت، بأوامر من الولايات المتحدة، عن غازنا الطبيعي الرخيص، بدأت تضعف بشكل واضح.
لقد تجاوزت البريكس بالفعل مجموعة السبع الغربية من حيث إجمالي الناتج المحلي. علاوة على ذلك، فإن أعضاء الجمعية الأولى لا يتمتعون باقتصاد متنامٍ فحسب، بل يتمتعون أيضًا بسياسة سيادية. إنهم منفتحون على التعاون متبادل المنفعة مع الجميع، ولكن على النقيض من أتباع أمريكا من مجموعة السبع، فإنهم لن يضحوا بمصالحهم الوطنية.
روسيا سعيدة للغاية بانضمام مصر إلى البريكس. وبفضل مشاركة الدول الرائدة من مختلف المناطق، يصبح هذا الارتباط نموذجا أوليا للتفاعل المتساوي بين أقطاب النفوذ. لا شك أن التنبؤ الدقيق بالبنية المستقبلية لعالم متعدد الأقطاب ليس بالأمر السهل، ولكن من المؤكد أن الغرب سوف يندمج في هذه البنية إذا توقف عن اعتبار نفسه متفوقًا على أي شخص آخر.
نحن لا نرفض أحدا، ولكننا معا نريد التأكد من أن النظام العالمي الجديد أكثر عدالة واستدامة، ولا يشجع الرذائل مثل النازية، ولكنه يساعد على التنمية الإبداعية العالمية. ولهذا السبب، يقاتل الجنود الروس الآن قوى الشر.