دائمًا ما تتعلق الأمومة بالسند، فالأم هى السند الأول والأخير لأبنائها، فهى مصدر القوة والدعم والوحيدة التى تستطيع الوصول بأبنائها إلى بر الأمان، وخاصةً إذا كانت إما لأحد مصابى مُتلازمة داون، فهنا يقع على عاتقها مسئولية كبيرة، ورغم أنها فى هذه الحالة تحتاج من يساندها إلا أنها هى من تقوم بمساندة الجميع.
فعندما تعلم الأم أن أحد أبنائها من ذوى الهمم تتغير حياتها بشكل كبير، حيث إنها تعلم جيدًا كم احتياجه لها، وأن الطفل من ذوى الهمم يحتاج الرعاية والاهتمام أكثر من أى طفل آخر، وهنا تقف الأم فى حيرة بين أحلامها ونجاحها المهنى وبين احتياجات ابنها ومستقبله، ولكن أحيانًا نجد أمهات استطعن النجاح مهنيًا وأسريًا، ولم يكتفين بذلك بل حاولن مساعدة ومساندة الآخرين وإعطائهم خلاصة تجربتهن.
فقصتنا اليوم تحكى عن أم تفوقت على نفسها وتحدت الظروف والمجتمع واستطاعت أن تنجح فى حياتها العملية، ونجحت أيضًا فى مساندة ابنها من ذوى الهمم، حتى جعلته إنسانًا ناجحًا ومميزًا ومُبدعًا.
بطلة قصتنا اليوم هى إيمان زكى، عضو لجنة المرأة ذات الإعاقة بالمجلس القومى للمرأة، تقلدت العديد من المناصب الإدارية سابقًا، فقد عملت كمعيدة بكلية التجارة جامعة الزقازيق، ورئيس شعبة الخدمات الرئاسية والدفاع والأمن والعدالة بوزارة المالية، ورئيس الإدارة المركزية للشئون المالية والإدارية بالمجلس القومى للمرأة.
تحكى «إيمان» لـ«البوابة»: «تخرجت فى كلية التجارة، وتزوجت وتم تعيينى كمعيدة بكلية تجارة جامعة الزقازيق، وكنت أود أن أبدأ بالتحضير لرسالة الماجستير، ولكن شاء القدر أن يرزقنى ربنا بكريم ابنى، طفل أشبه بالملاك فهو مصاب بمتلازمة داون سندروم (إعاقة سمعية وذهنية)».
وتابعت: «ومن هنا تغيرت حياتى وانقلبت رأسًا على عقب، وبدأت فى تغير بعض الخطط، فقد تركت عملى كمعيدة، واعتذرت عن رسالة الماجستير، لكى أبقى بجانب ابنى فى القاهرة، لكى أستطيع القيام برعايته».
وتقول «إيمان»: «تغيرت حياتى بشكل كبير منذ هذا الوقت، ففى بداية الأمر كنت مصدومة مش عارفه أتصرف إزاى، ولا فاهمة أبدأ منين، ومع مرور الوقت أدركت الوضع».
وأوضحت: «تقبلت أمر الله برضا تام، وكنت بشتغل ليل ونهار، الصبح فى الوزارة، وبعد الضهر محاسبة فى أحد المكاتب، وفى المساء كنت أعمل فى مهنة التصميم عشان أقدر أساعد زوجى فى الإنفاق على علاج ابننا كريم، وقد ساندتنى والدتى كثيرًا فى هذه الفترة فى رعايته».
وتضيف: «لقد عانيت كثيرًا حتى يستطيع ابنى أن يتعلم ويسمع ويتكلم مثل أى طفل، فقد كان يُعانى العديد من المشاكل الصحية فى القلب وفقد السمع والحالة الذهنية وحساسية الصدر، وبعد إجراء الكثير من العمليات كزرع القوقعة وغيرها، وصل الأمر للبس سماعة أذن عشان يقدر يسمع بيها بنسبة ١٣٪ والباقى يفهمه من حركة الشفايف والإشارة».
وأردفت: «كنت حريصة رغم انشغالى فى عملى ونجاحى على أن الأولوية دائمًا لكريم، فكنت أذهب معه دروس التخاطب وأنا أحمله وأصعد به إلى الدور الثامن كل يوم على مدار سنوات، وكانت من أصعب فترات حياتى، واجتهدت فى مشوار علاجه وتعليمه وتنمية مهاراته».
واستكملت: «ولكن بعد ذلك التعب وبفضل الله ثم عائلتى، نجحت فى حياتى المهنية ووصلت للعديد من المراكز المرموقة، كما رأيت ثمرة تعبى فى نجاح كريم وتميزه».
واستطردت فى حديثها قائلة: «كريم هو أحد أهم أسباب نجاحى ومن غيره مكنتش هقدر أكمل، فهو مصدر قوتى، كما أنه السبب الرئيسى فى أن أصبح عضوًا لجنة المرأة ذات الإعاقة بالمجلس القومى للمرأة، فلولا علمى وإدراكى بما يُعانى منه أمهات ونساء ذوى الهمم، لما استطعت أن أصبح عضوًا بهذه اللجنة، فمهمتها هى التوعية، سواء للمرأة ذات الإعاقة، أو للأمهات لأشخاص ذوى إعاقة، وتعليمهم إزاى يقدروا يساعدوا نفسهم وأبناءهم، ومتابعة التشريعات والقوانين المعنية بالأشخاص ذوى الإعاقة، وكل هذه الأشياء عشتها من قبل مع ابنى، وبالتالى فأنا على دراية كاملة بشئون اللجنة، وبالتالى أستطيع المساعدة فى هذا الشأن».
وأضافت «إيمان»: «حقيقى أنا فخورة جدًا باللى كريم وصل له، زمان كنت بحلم أنه يسمع بس، وطمعت من ربنا أنه يتكلم، وبعدها يارب يتعلم، وبعدين يا رب يخرج للناس ويعرف يتعامل، وبعدين يارب يتقبلوه، لكن الحقيقة إن ربنا حققلى أحلام أكتر من كده بكتير».
وأشارت: «فهو يعمل الآن موظف بالدرجة الثالثة تصوير وطباعة بالهيئة القومية لدار الكتب والوثائق القومية، ويقوم بالكثير من أعمال الهاند ميد ويُبدع فيها، كما أنه شارك فى العديد من المعارض والمسابقات، وحصل على المركز الأول فى أمريكا مسابقة (منتجات إعادة تدوير)، ومرتين فى الإمارات، وحصل أيضًا على أكثر من ١٣٦ درعا وميدالية وشهادة دولية ومحلية، كما أنه قام بتدريب الأشخاص ذوى الهمم على أعمال الهاند ميد كعمل تطوعى منه لمساعدتهم».
ووجهت «إيمان» نصيحة للأمهات من ذوى الهمم قائلة: «انتى مصدر القوة والأمل لأبنائك، ثقى فى امكانياتهم وساعديهم يكونوا ناجحين، ومتفقديش الأمل فى ربنا، واشتغلى وانجحى ومتوقفيش حياتك وحياتهم واتعلمى إزاى تساعديهم وافهمى طبيعة مرضهم عشان تعرفى تتعاملى معاه».