قال الكاردينال كانتالاميسا الواعظ الرسولي من الفاتيكان، عندما يكتب القديس بولس: "الحياة عندي هي المسيح"، فهو لا يفكر في لحظة معينة. بالنسبة له، المسيح هو حقًا، في جميع أساليب حضوره، خبز الحياة؛ ونحن نأكله في الإيمان والرجاء والمحبة، في الصلاة وفي كل شيء. إنَّ الإنسان قد خُلق من أجل الفرح، ولا يمكنه أن يعيش بدون فرح، أو بدون رجاء الفرح. الفرح هو خبز القلب. ويبحث بولس الرسول أيضًا عن الفرح الحقيقي
ويحث أتباعه على البحث عنه - في يسوع المسيح ويقول: "إفرحوا في الرب دائما، أكرر القول: افرحوا". يسوع هو خبز الحياة الأبدية، ليس فقط لما يقدمه، وإنما أيضًا – ولاسيما – لما هو عليه. الكلمة والسر هما الوسيلة، أما العيش به وفيه فهو الهدف: "كما أن الآب الحي أرسلني وأني أحيا بالآب فكذلك الذي يأكلني سيحيا بي".
لذلك، أضاف واعظ القصر الرَّسوليّ يقول فإن كل خطاب يسوع يميل إلى توضيح ما هي الحياة التي يعطيها: لا حياة الجسد، بل حياة الروح، الحياة الأبدية. ولكنني لا أريد أن أواصل تفكيري في هذا السياق. إزاء الإنجيل، هناك دائمًا عمليتان يجب القيام بهما، مع احترام ترتيبهما بدقة: الاستئثار أولًا، ثم الاقتداء والتشبّه. لقد حصلنا حتى الآن على خبز الحياة بالإيمان، ونحن نقوم بذلك في كل مرة نتناول فيها. وبالتالي يتعلّق الأمر الآن في كيفية ترجمتها إلى ممارسة في حياتنا. ولكي نقوم بذلك، نسأل أنفسنا سؤالًا بسيطًا: كيف أصبح يسوع خبز الحياة لنا؟ لقد أعطانا هو نفسه الجواب في إنجيل يوحنا: "الحق الحق أقول لكم: إن حبة الحنطة التي تقع في الأرض إن لم تمت تبق وحدها. وإذا ماتت، أخرجت ثمرا كثيرًا". ونحن نعرف جيدًا ما تشير إليه صور الوقوع في الأرض. إن قصّة الآلام بأكملها موجودة فيها. وبالتالي علينا أن نحاول أن نرى ما تعنيه تلك الصور بالنسبة لنا. إنَّ يسوع في الواقع، من خلال صورة حبة الحنطة، لا يشير إلى مصيره الشخصي فحسب، بل إلى مصير كل واحد من تلاميذه الحقيقيين. ولا يمكن للمرء أن يسمع إلى الكلمات التي وجهها الأسقف إغناطيوس الأنطاكي إلى كنيسة روما دون أن يتأثر أو يتعجب، لرؤية ما يمكن لنعمة المسيح أن تفعله بخليقة بشرية: "دعوني أكون طعامًا للبهائم أستطيع من خلاله أن أصل إلى الله. أنا قمح الله و[يجب] أن أطحن بواسطة أسنان الوحوش لكي أُصبح خبز المسيح النقي.... صلوا إلى الرب من أجلي لكي أصبح من خلالهم ضحية لله. أنا لا أوصيكم كما فعل [بطرس وبولس]: لقد كانا رسولين، وأنا رجل محكوم عليه".
تابع الكاردينال كانتالاميسا يقول ولكن للأسف يوجد اليوم في المجتمع نوع من الأسنان التي تطحن بلا رحمة، بقسوة أكثر من أسنان الوحوش التي تحدث عنها الشهيد القديس إغناطيوس. وهي أسنان وسائل الإعلام وما يسمى بالشبكات الاجتماعية. ليس عندما تُظهر تشوهات المجتمع أو الكنيسة (وهي في هذا تستحق كل الاحترام والتقدير!)، ولكن عندما تهاجم شخصًا ما بدافع التحيز، ببساطة لأنه لا ينتمي إلى جانبهم. بخبث وبنية هدّامة لا بناءة. ومسكين من ينتهي به الأمر اليوم في مفرمة اللحم هذه، سواء كان علمانيًا أو رجل دين! في هذه الحالة، من المشروع والضروري أن نؤكد أسبابنا في المحافل المناسبة، وإذا لم يكن ذلك ممكنا، أو تبين أنه لا فائدة منه، فلا يبقى للمؤمن إلا أن يتّحد بالمسيح المجلود والمكلّل بالشوك والذي بصقوا عليه. في الرسالة إلى العبرانيين نقرأ هذه الدعوة للمسيحيين الأوائل والتي يمكنها أن تساعد في مناسبات مماثلة: "فكروا في ذاك الذي تحمل ما لقي من مخالفة الخاطئين، لكيلا تخور هممكم بضعف نفوسكم". إنه أمر صعب ومؤلم، لاسيما إذا كان إذا طال عائلة المرء الطبيعية أو الرهبانية، لكن نعمة الله يمكنها أن تجعل - وكثيرًا ما قامت بذلك - كل هذا فرصة للتطهير والتقديس. يتعلق الأمر بأن نثق أنّه في النهاية، كما حدث مع يسوع، سينتصر الحق على الأكاذيب. وربما سينتصر بالصمت بشكل أفضل من أشكال الدفاع عن النفس الأكثر عدوانية.