الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

نحن و السياحة و الإرهاب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شرفت بتلبية الدعوة التي وجهت إلى من كلية التربية بالغردقة للمشاركة في المؤتمر السنوي الثلاثين لعلم النفس الذي نظمته بالاشتراك مع الكلية الجمعية المصرية للدراسات النفسية في الفترة من 22-24 مارس 2014. ولقد سعدت بلقاء زملاء أعزاء حالت المشاغل دون لقائنا سنوات طوال، كما سعدت بالتعرف على زملاء لم ألتق بهم من قبل، وكانت سعادتي غامرة بالتعرف على جيل جديد من شباب علماء النفس المصريين الواعدين.
وكان موضوع الندوة العلمية التي شاركت فيها "الأمن النفسي والتنمية في البحر الأحمر"، وفضلت ألا أكرر ما ألفنا تكراره من أن الإرهاب يدمر السياحة، وأن انتعاش السياحة يتطلب القضاء على الإرهاب. وآثرت أن أتساءل: ترى هل كانت سياحتنا بخير قبل موجة الإرهاب الأخيرة؟ وهل كانت بلادنا تحظى من تدفق السياح ما يتناسب مع مناخها وكنوزها الأثرية وتاريخها الحضاري؟ وهل أقصى أمانينا أن تعود السياحة كما كانت؟
إن موجة الإرهاب الراهنة إلي نهاية حتما، و بصرف النظر عن طبيعة تلك النهاية، فإن مهمة المواجهة المباشرة للإرهاب على الأرض تقع على كاهل رجال الشرطة، والقوات المسلحة الذين يخوضون معاركهم يوميا. أما مهمة المثقفين عموما، ومنهم علماء النفس فتتلخص –فيما يتعلق بالسياحة- في دراسة المناخ النفسي الفكري المناسب لجذب السياح إلي بلادنا، وتبين العوائق النفسية التي أسهمت في انكماش سوق السياحة في بلادنا منذ زمن طويل.
وبدا لي أن أطرح تساؤلا صادما بعض الشيء: ترى هل يبهجنا حقا تدفق السياح إلى بلادنا؟ أم أن ما نسعى إليه فحسب هو ما يضخونه من نقد أجنبي نحن في حاجة إليه؟ قد يرى البعض أنه لا تناقض بين الأمرين، فالسياحة صناعة تسعى للربح، ولا بأس إذن من السعي لتعظيم أرباحنا من السياحة، غير أن ما عنيته شيئا مختلفا آثرت أن أطرحه على الحضور، تاركا لهم التفكير فيه بقدر من الأناة.
صحيح أننا نرى أحيانا إعلانا يدعونا للابتسام في وجه السياح، ومعاملتهم بلطف، لكن ترى هل يسعدنا –أو على الأقل يسعد غالبية المسلمين المصريين من أبناء تيارات الإسلام السياسي من غير الإرهابيين- رؤية الأجانب من غير المسلمين في بلادنا؟ هل يسعدهم حقا رؤيتهم يسلكون كما يسلكون في بلادهم من حيث الملابس "غير المحتشمة" أو علي الأقل سير النساء سافرات؟ هل يسعدهم حقا رؤية أولئك الأجانب يستمتعون بمشاهدة آثارنا الفرعونية، وقد شاهدنا مؤخرا من يغطون التماثيل باعتبارها من المحرمات؟ هل يسعدهم حقا رؤية أولئك الأجانب يحتسون الخمور، ويستمتعون بالسباحة على شواطئنا بملابس البحر "غير الشرعية"؟ هل نتصور أن القادم الأجنبي لا يستطيع أن يترجم لغة عيوننا و ظرتها إليه؟ ألا تنقل له عيوننا – و لندع أيدينا وألسنتنا جانبا- نظرة الاحتقار والإدانة لسلوكيات أولئك الأجانب؟ ألا يصل إليه الإحساس بالاحتقار والإدانة لما يؤمن أو بالأحرى لا يؤمن به؟ الأمر لا يقف عند حدود ما نعرفه لدى عديد من الشعوب، والجماعات من إحساس طبيعي بالاختلاف عن الآخرين، لكنه يتعدى تلك الحدود، وهل يمكن أن تتعافى السياحة بعد انتهاء موجة الإرهاب الراهنة بدون الاستقرار على إطار فكري نرتضيه للتعامل مع الأجانب؟
إن الفارق بين "الإرهابي" الذي يقتل و يفجر، وأولئك الذين يتبنون تلك الأفكار فارق بسيط: سلوك ذلك "الإرهابي" يتسق مع أفكاره، في حين أن غيره من أصحاب تلك الأفكار الرافضة للسلوك الذي يتنافي مع الخلق الديني يفتقدون الإطار الفكري المتماسك الذي يتيح لهم النظر، والتعامل مع كل ما هو مختلف في إطار إنني أطالب الآخرين بقبولي على ما أنا عليه، وأقبلهم من جانبي على ما هم عليه.
وانتهت الندوة العلمية، وأتيح لي أن ألتقي في الفندق، وعلى مقربة من حمام السباحة بعدد من الزملاء الأفاضل من المشاركين في المؤتمر، و تطرق الحوار إلى ما سبق أن طرحته في الندوة. وكانت الرؤية الغالبة هي أنه لا جدال في أن الحجاب أفضل من السفور، وأن تعري المرأة بلباس البحر حرام شرعا، إلى آخر تلك البديهيات المعلومة. لكن بقي سؤال عن الموقف الصحيح مما هو محرم، هل نحن مأمورون دينا باجتنابه فحسب؟ أم أن علينا التصدي له و لو بالنصيحة؟ أم أن الأفضل أن نتدرج في النصيحة إلى حد الزجر المادي؟ ألا تكون النتيجة الطبيعية المنطقية لمسار تلك الأفكار واحدا من أمرين: إما أن نطالب السلطة القائمة بفرض الالتزام صراحة برؤيتنا الدينية على من يدخل بلادنا، أو أن نتصادم مع السياح لتقويم عوج سلوكهم.
بطبيعة الحال ثمة طريق ثالث هو أن نتبنى تأويلا لديننا يسمح بالترحيب بأولئك الأجانب دون تحرج أو تكلف،  ويسمح بأن يسلك أولئك الأجانب ما شاءوا في إطار القيم الإنسانية الحضارية العامة، وأننا لا تضيق صدورنا بما يفعلون كما أنهم لا يضيقون بما نفعل.