يُعد عرض "صمت" من أبرز العروض المسرحية التي جعلت الفنانة السورية حلا عمران تتوج بجائزة أفضل ممثلة بمهرجان أيام قرطاج المسرحي في دورته الرابعة والعشرين، التي أقيمت في تونس بنهاية ديسمبر الماضي، وذلك للمرة الثانية على مدار عامين من حصولها على هذه الجائزة كأفضل ممثلة بالمهرجان.
وحصلت عمران أيضًا على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان أيام قرطاج المسرحية بدورته الثانية والعشرين، وكذلك مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي في دورته الثامنة والعشرين في ديسمبر 2021، وذلك عن عرض "آي ميديا".
ويظل المسرح في حياتها بمثابة النفس الذي تتنفسه والمحرك الأساسي لها، فقدمت على مدار مشوارها الفني عدة عروض مسرحية بلغات مختلفة منها العربية، والفرنسية، والإنجليزية، والإيطالية، وغيرها من اللغات إذا تطلب الأمر، فقد خاضت العديد من التجارب الفنية مع مجموعة من كبار المخرجين من جنسيات وتجارب متنوعة، كانت سببًا في تكوين شخصيتها كإنسانة وفنانة.
"البوابة" التقت الفنانة السورية للحديث عن العرض والجائزة التي حصلت عليها، والمسرح في حياتها، وأيضًا رؤيتها حول الاعتداءات الإسرائيلية للشعب الفلسطيني، والوضع الحالي بسوريا، والسبب الذي جعلها تسافر لفرنسا، والمشروع الفني المقبل، إلى نص الحوار..
* ماذا تمثل جائزة أفضل ممثلة بمهرجان أيام قرطاج للعام الثاني على التوالي بالنسبة للفنانة السورية حلا عمران؟
هذه الجائزة تقدير لاختياري بأن أكون ممثلة، تقديرًا لشغفي بهذه المهنة.
* كيف ترين المنافسة والمشاركة في المهرجان؟
- في الواقع هناك شعور متناقض لديَّ بهذا الخصوص: من جهة أجد أن فكرة المنافسة في الفن وفي المسرح تحديدًا غريبة، لأن الفن هو حالة خلق، وجمال الخلق يكمُن في تنوعه، والمنافسة تجعله بشكل من الأشكال أقل حرية، ومن ناحية أخرى أستمتع عندما أنال جائزة عن عمل قمت به، وأستمتع حين أشعر أن جهدي يصل للآخرين المشاركة في مهرجانات مسرح لا سيما في دول عربية، هي فرصة للقاء والاضطلاع على تجاربنا المتنوعة، وفرصة مهمة خصوصًا اليوم في هذا الزمن الصعب عربيًا.
* لماذا عرض «صمت» تحديدًا؟
عرض صمت يضع انفجار مرفأ بيروت عام ٢٠٢٠ كإطار عام له، ويسائل الجمهور حول جدوى الفعل الفني في زمن القتل، محاولًا تشريح الأنظمة الثقافية العربية، فلا توجد حكاية في العرض، ولا شخصيات، ويعتمد العرض كثيرًا على العلاقة المباشرة مع الجمهور وعلى الموسيقى.
* حدثينا عن دورك في مسرحية «صمت»؟
كما ذكرت سابقًا لا توجد حكاية في «صمت» ولا شخصية محددة، لكن هناك متكلم وهناك صامت، والحدود بينهما متداخلة وغير واضحة.
* ما الرسالة التي يحملها العرض للجمهور؟
يطرح العرض أسئلة، لا رسائل أو مقولات، وهذا برأيي أهم بكثير، بالعموم لا أحب مسرح المقولات، كمتفرجة أفضّل أن أفكر وأشعر دون أن يتم تلقيني بمقولات وأيديولوجيات جاهزة.
* تشكل الفنانة حلا عمران ثنائيًا مسرحيًا مميزًا مع الكاتب والمخرج الكويتي سليمان البسام كللت بالعديد من النجاحات والجوائز، حدثينا عن هذه التجربة.
نتعاون أنا وسليمان البسام بشكل مستمر منذ عام ٢٠١٢، في الواقع أن هذا التعاون لم يتوقف منذ بدأ، ينمو ويتطور مع تطورنا كأشخاص وكفنانين، فهناك حالة من التكامل بيني وبين سليمان، وتعاون، واحترام، وشغف، وبحث، وإعجاب، وحب.
وهذا ينطبق على فرقة سبب بتكوينها الحالي مني أنا وسليمان والموسيقيين عبد قبيسي، وعلي حوت، والسينوغرافر اريك سوييه إلى كل فرد من أفراد الفرقة من مهندسة الصوت، ومدير الإضاءة، والمدير والمنفذ التقني، ومدير الإنتاج، ومراقبة النص والترجمة، والمدير الإداري، إلى مدير الخدمات الإنتاجية ومسئول الفرقة، فالحب، والاحترام، والشغف يجمعنا ويحمينا من تضخم الذات ومن الملل والكليشيه.
* كيف ترين الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني الآن؟
ما يحدث للأشقاء في فلسطين جريمة إبادة وتطهير عرقي، ومجزرة بالمعنى الحرفي، تمارس على الهواء مباشرة أمام مرأى ومسمع البشرية كافة، فهي جرح عميق في أرواحنا وفي ذاكرة أجيال كثيرة.
* بجسد حر وخفيف تظهر الفنانة حلا عمران على خشبة المسرح عبر شخصيات غالبيتها متمردة وجريئة وماضية تغني وترقص وتتعرى بعيدًا عن أية قيود مجتمعية أو فكرية أو ثقافية.. كيف ترين ذلك؟
أعتبر ذلك جزءًا لا يتجزأ من اختياري بأن أكون ممثلة، لا أعتبره تمردًا أبدًا، بل أعتبره تماهيًا مع هذا الاختيار الساحر والممتع، لا أؤمن بالقيود بالعموم وفي الفن بالخصوص، ومقتنعة تمامًا أن الحرية بكافة أشكالها وأولها حرية الفكر هي أساس الإبداع.
*ما القضية التي تشغلك وتريدين العمل عليها مستقبلًا؟
لا توجد قضية معينة في الحقيقة أحب مثلا أن أبحث في موضوع الذاكرة، لكن كل فترة هناك مواد مستجدة تحتل مكانة مهمة وتصبح ضرورية بالنسبة لي.
* شاركت «حلا» في عروض مسرحية فرنسية، وإيطالية، ودنماركية، كان مخرجوها يبحثون عن ممثلة بملامح عربية تتكلم العربية، والفرنسية أو الإنجليزية، حديثنا عن ذلك.
أنا مُقيمة في أوروبا منذ زمن طويل، أتيت إليها أصلًا ارتباطًا بأعمال مسرحية فيها، معظمها طبعًا كان يبحث عن ممثلة عربية يمكنها أن تُمثل بلغات أخرى، فهناك تجارب أيضًا لم يكن لهويتي كعربية دور كبير فيها، فاللغة بالعموم لم تكن حاجزًا بالنسبة لي، مثلت بالعربية، والفرنسية، والإنجليزية، والإيطالية، ولا أستبعد أن أمثل أيضًا بلغات أخرى في المستقبل.
ما يشدني دائمًا هو التجربة نفسها، وأعتبر نفسي محظوظة كوني خُضت تجارب مع مخرجين من جنسيات وتجارب متنوعة ساهمت وتسهم حتما في تكوين شخصيتي كإنسانة وفنانة، فأنا ممتنة لكل التجارب ولكل من عملت معهم.
* من وجهة نظرك هل انتصر المسرح لقضايا المرأة؟
لا أعرف في الحقيقة يستطيع المسرح أن يطرح قضايا وأسئلة، ويستطيع صانعوه من خلال سلوكهم اليومي أن ينتصروا لقضايا المرأة والرجل والمجتمع.. إلخ، فأنا شخصيًا لست من محبي الشعارات ولا القضايا الكبيرة.
* ماذا يُمثل المسرح في حياة الفنانة حلا عمران؟
المحرك الأساسي لحياتي، فأنا مُدمنة مسرح بالمعنى الحرفي.
* ما المشروع المسرحي الذي تعملين عليه الآن؟
نقوم حاليًا بجولات عروض «صمت»، و«آي مديا» مع المخرج الكويتي سليمان البسام، و«كما روتها أمي» مع الكوريوغرافر اللبناني علي شحرور، وسأبدأ قريبًا تمارين على عرض مختلف كنوع عن ما جربته سابقًا، مع السينوغرافر بيسان الشريف، والدراماتورج وائل علي، ونحضر أيضًا مع الموسيقيين عبد قبيسي، وعلي حوت، لألبوم موسيقي يجمعنا معًا موسيقيًا وليس مسرحيًا.
* ما الرسالة التي توجهينها ولمَن؟
أظن أنني أقل من أن أوجه رسالة لأي أحد، فأنا لست سوى فنانة، وإن كنت سأوجه كلمة فستكون للشباب العربي والفنانين منهم خاصة، أن يؤمنوا بخيالهم ويدافعوا عن حريتهم بكل أشكالها، ويبحثوا عميقًا في ذاكرتهم وثقافتهم وأيضًا في اللحظة الراهنة التي يعيشونها ليخلقوا فنًا يشبههم فعلًا.