استكمالًا لما بدأناه من حديث عن المرأة ودورها الاجتماعي والثقافي، وكذلك وضعها المتطور في ثقافتنا العربية عامة، والمصرية خاصة، فإننا سنتوقف عن التصورات الشعبية لأدوار المرأة المصرية. فهناك رأيان حول وضع المرأة في الثقافة الشعبية المصرية، أحدهما يرى أن المرأة مقهورة ومظلومة ومضطهدة في ثقافتنا الشعبية؛ نظرًا إلى وجود بعض النصوص الشعبية التي تقلل من مكانة المرأة ودورها الاجتماعي. ويستند أصحاب هذا الرأي إلى عدد من النصوص الشعبية المتواترة على الألسنة، التي تدعم وجهة نظرهم. من ذلك بعض الأمثال الشعبية، كتلك التي تقول: "شاوروهم.. وخالفوا شورهم"، و"أبو البنات.. في الهم للممات"، و"كداب يا اللي تآمن للنسا كداب.. حبيبهم من حضر وعدوهم من غاب"، و"كيد النسا غِلب كيد الشياطين". كما يستشهد أصحاب هذا الرأي ببعض النصوص الشعرية، والتي على رأسها المربع الشهير:
كيد النسا يشبه الكي
من مكرهم نا عدت هارب
يتحزموا بالحنش حي
ويتعصبوا بالعقارب
أو ما هو متداول في أغاني هدهدة الأطفال، كتلك التي تتغنى بالولد الذكر وتحتفي به، في حين يصيبها الكدر والحزن عند إنجاب البنات، من ذلك:
لما قالوا دا غلام
اتشد ضهري واستقام
وجابوا لي البيض مقشَّر
وعليه السمن عام (عائم)
ولما قالوا دي بنيَّه
اتهدت الحيطة عليَّه
وجابوا لي البيض بقشره
وعليه بدل السمن ميَّه (مياه)
أو كما تتغني الأغنية البدوية التالية بإنجاب الطفل الذكر، فتقول:
خلِّيه ليَّه يا جبار
يزرع وييجوه التجار
يبني بيت كبير مهاود
يبني قدامه دوار
ويبلغ الاستشهاد ذروته عندما يدلل أصحاب هذا الرأي بألف ليلة وليلة، وكيف أنها- من وجهة نظرهم- تضطهد المرأة العربية؛ لأنها وضعتها في صورة المرأة الخائنة، فيختزلون ألف ليلة وليلة في هذه الصورة للمرأة.
وعلى نحو ما هو واضح فإن أصحاب هذا الرأي، ولكي يبرهنوا على صحة رأيهم، قاموا برصد مجموعة النصوص الشعبية، التي تدعم موقفهم، وانتزعوها من سياقاتها الاجتماعية والثقافية؛ ليخلصوا إلى أن الثقافة العربية تضهد المرأة، وتتخذ موقفا سلبيا منها. وفي الحقيقة فإن هذا الرأي جانبه الصواب، على نحو ما سيتضح. في مقابل هذا الرأي السلبي، نجد موقفا آخر على النقيض يرى أن الثقافة الشعبية العربية، والمصرية خاصة أنصفت المرأة في نصوصها الشعبية المتداولة. ويقوم أصحاب هذا الرأي برصد مجموعة من النصوص الشعبية التي تدعم هذا الموقف الإيجابي. من ذلك تلك الأمثال الشعبية التي تنصف المرأة، منها: "اللي يسعدها زمانها.. تجيب بناتها قبل صبيانها"، و"البنت خير من ألف ولد"، و"الأب يطفِّش.. والأم تعشش"، و"اللي بلا أم.. حاله يُغم"، أو تلك التي تنظر للرجل نظرة أقل عما هو سائد عنه في ثقافتنا العربية، كما في الأمثال الشعبية التالية: "يا مآمنة للرجال.. يا مآمنة للميه في الغربال"، و"ضل راجل ولا ضل حيطه". وللحديث بقية عن المنظور الشعبي للمرأة المصرية، الذي يمكن من خلاله قياس وضعية المرأة الاجتماعية؛ للتعرف على مدى ما لحقها من تغيير.
* أستاذ الأدب الشعبي بكلية الآداب، جامعة القاهرة.