لم يحقق العدوان على غزة سوى الخراب والتدمير والقتل، إسرائيل لم تصل لمحتجز إسرائيلي واحد بأدوات القتال، ولكنها تستلم المحتجزين على دفعات وفق اتفاقات سياسية ووسطاء ضامنين، وحتى نكون منصفين نقول أيضًا إن حماس لم تحقق هدفها يوم السابع من أكتوبر عندما احتجزت رهائن إسرائيليين، وقالت في بياناتها إن صفقتها العادلة هي 'الكل مقابل الكل" وتبييض سجون الاحتلال من المعتقلين والمحكومين الفلسطينيين.
لا إسرائيل نجحت في هدفها ولا حماس حققت الكل مقابل الكل، ولكن الذي تحقق على الأرض هو تشريد 2 مليون مواطن غزاوي من نزوح إلى نزوح، حتى وصلت كرة اللهب إلى الحدود المصرية في رفح، حيث ألمح الخبثاء في إسرائيل إلى إمكانية تهجير الغزاوية إلى سيناء، هذا الوهم الذي يعيشه اليمين الإسرائيلي ما كان له أن يرتدع لولا الخطوط الحمراء التي أعلنت عنها مصر بحسم ووضوح.
الجولة الأخيرة من مفاوضات الهدنة التي ننتظرها والتي تتم حياكة تفاصيلها في عدة عواصم وفي المقدمة منها القاهرة، لم تتكلم عن إنهاء الحرب ولا عن انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، ولكنها أشارت إلى خروج القوات من المناطق المعمورة بالسكان، وأن تتمركز خارج الأحياء السكنية، هذا ما يمكن لإسرائيل أن توافق عليه، وهذا معناه أن خطة اليوم الثاني للحرب لم تتبلور بعد، وأن الكابوس الإسرائيلي سيظل جاثما على صدر الغزاوية إلى أمد غير منظور.
خروج القوات الإسرائيلية إلى أطراف الأحياء الكبرى يجعل سكان هذه الأحياء في مرمى النيران في أي لحظة، وهو ما يضع حماس في مأزق كبير، وعلامات هذا المأزق هو أنها لن تتمكن من إعادة بناء تنظيمها المسلح وتموضعه في مواقع قد تحتاجها لتتوقف قوة حماس عند عملية فدائية هنا أو رشفة صواريخ هناك، والمتابع للخطاب الإسرائيلي في الأيام الأخيرة سوف يلمح أجواء من الثقة تتكلم عن كسر البنية العسكرية لحماس بنسبة تجاوزت 90 في المئة، لذلك نرى إسرائيل ترفض بعناد فكرة إنهاء الحرب.
أما عن تبادل المحتجزين بعدد حتى لو بالآلاف من المحتجزين الفلسطينيين فهو في تقديرنا مكسب متوازن للطرفين، وإن كانت مكاسب إسرائيل أكبر في هذا الأمر إذا قمنا بإحصاء عدد من تم اعتقالهم منذ السابع من أكتوبر، وقد اقترب عددهم من ستة آلاف معتقل، سيكون التغيير في الأسماء والقوائم فقط، ولكن حصيلة المعتقلين فهي كما هي قبل السابع من أكتوبر.
بمثل هذه الهدنة وهي المتاحة الآن يجعلنا نلتفت وبقوة إلى الشعب الغزاوي الذي ذاق الأمرين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، نلتفت ونسأل عن حجم المساعدات التي يمكن لها أن تعوض هذا الشعب النازف عن مأساته، لا يمكن أن مختصر التفكير في الماء والغذاء ولكننا نفكر في صناعة الأجواء الطبيعية التي يمكن لبشر طبيعيين أن يعيشوا فيها.
كيف يمكننا في أسرع وقت رفع الركام والتشوهات العمرانية التي أصابت قطاع غزة، تأهيل محطات الكهرباء والمياه وإصلاح الطرق، صحيح هي هدنة مؤقتة ولكننا لا نتجاهل الإمكانيات الواسعة للسياسة وهي القادرة على تحويل الهدنة إلى وقف إطلاق نار وإعادة إعمار.
لست متعجلا إذا قلت إنه على الوسطاء ضرورة التعامل فور بدء الهدنة بجدية تامة سواء في الداخل الفلسطيني وترتيب الأوراق أو في المحيط الدولي الضاغط من أجل انسحاب إسرائيل انسحابا كاملا من القطاع، في هذه الحالة سيكون لإعادة الإعمار معنى، وسيكون ما أسميته صناعة الأجواء الطبيعية للحياة في غزة، أمرا ذا مردود إيجابي على حياة الشعب في غزة.
الشاحنات التي تتدفق على غزة لن تحقق رسالتها ما لم يتم تسييرها وفق خطة محكمة عنوانها إعادة الإعمار وفق استراتيجية تعتمد على سواعد أبناء القطاع وعلى حبهم للحياة إذا ما استطاعوا إليها سبيلا.
* كاتب صحفى