توقفت فى المقال السابق عندما ذكر الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى كتابه الشيق والممتع "زيارة جديدة للتاريخ" أنه بعد أن أخبره "دنيس هاملتون" رئيس تحرير جريدة ال "صنداى تيمس" بأن الأنباء عن عودة الماريشال "مونتجمري" للعلمين قد أشعلت حماسة مفاجئة فى صحف بريطانية وأمريكية، وأن عدد كبيرا من الصحف- ومنها صحف ألمانية- اشترت مقالات الجريدة، ثم إن عددا آخر منها طلب إرسال مندوبين ومصورين لتغطية عودة الماريشال إلى أرض معركته التاريخية، ومن هنا كان يجب عرض الأمر مرة أخرى على الرئيس جمال عبد الناصر.
وحمل الأستاذ "هيكل" أوراقه شاملة خطاب الماريشال "مونتجمري "وخطاب" دنيس هاملتون" وقال للرئيس: "يظهر أن"مونتجمري" حوّل زيارته لمصر إلى حملة كاملة، فهو قادم ومعه أركان حربه القدامى ومؤخرة طويلة من الصحفيين والمصورين"
لكن الرئيس "جمال عبد الناصر" كان متفهما ومجاملا، بل قال للأستاذ "هيكل": "هناك فندق جديد فى العلمين، وفى شهر مايو لا يكون مزدحما وأنه يعرف أن الفندق يضم - إلى جانب مبناه الرئيسي- مجموعة من الفيلات ويمكن تخصيص واحده منها للماريشال وثانية لأركان حربه، وثالثة لرئيس تحرير ال "صنداي تيمس" وله أيضا إذا شاء أن ينضم اليهم... ثم إن أي عدد من الصحفيين والمصورين يستطيع الإقامة في غرف الفندق وهي كثيرة...
وقال:
" إن الماريشال "مونتجمري" بشخصيته وتاريخه يستحق التكريم، وإنه سوف يطلب من القوات المسلحة أن تضع تحت تصرفه عددا من السيارات الصالحة للسير في الصحراء، وطائرة هليكوبتر لكي يستطيع في المدة القصيرة التي سيقضيها في مصر أن يعود إلى ما يريد ان يعود اليه في ساحة العلمين"
علق الاستاذ "هيكل" على مجاملة الرئيس" جمال عبد الناصر" وتفهمه لموقف الماريشال بأن هذا كان أكثر مما يتصور وبعدها بادر سريعا باخطار الماريشال ورئيس تحرير ال "صنداى تيمس"، بما قررة الرئيس وكانت سعادة الاثنين من غامرة وقدر أنه لم يعد لديه في هذا الأمر غير انتظار موعد وصول الماريشال وكبار أركان حربه ومعه صديقه رئيس التحرير
لكنه كان مخطئا فيما تصوره...
ففي يوم ٤ أبريل عام ١٩٦٧ تلقى مظروفا من لندن يضم خطابين أولهما من رئيس تحرير ال "صنداى تيمس "و كان نصه:
صديقي العزيز:
انني ارسل لك مع هذا خطابا من الماريشال "مونتجمري "قد آثرت إرساله كما هو لتتصرف كما تشاء واذا وجدت انك محرج من عرضه على الرئيس "جمال عبد الناصر" فانت بالطبع أقدر منا على الحكم ...
تناول الأستاذ" هيكل" الخطاب الآخر وقد آثار فضوله ففوجئ بما فيه:
-الماريشال "مونتجمري" يرغب كجندى قديم أن ينزل من الطائرة مرتديا ملابسه العسكرية الرسمية وهي ملابس فيلد مارشال في قوات صاحبة الجلالة الملكة... وأنه لا يعرف هل يمكن قبول ذلك من جانب مصر ام لا وفي كل الأحوال فان الامر يقتضي موافقة الرئيس "جمال عبد الناصر" فقد لا يرغب فى أن يمشي زي عسكري بريطاني على أرض مصرية في الظروف القائمة...
ليس هذا فقط
بل يتمنى ان يضع علم قيادته على السيارة التي تحمله من القاهرة إلى العلمين وربما لا تريد مصر في هذه الظروف أيضا رؤية علم عسكري بريطاني على سيارة تحمل فيلد مارشال قديم...
وفى الخطاب قال الماريشال إنه يتصور أن الرئيس "جمال عبد الناصر "قد يستشعر -كجندي قديم -مشاعر جندي قديم...
بِإِذْنِ الله الأسبوع القادم أكمل ما الذى تم فيما طلبه الفيلد ماريشال "مونتجمري" فى رسالته".