يسدل الستار، اليوم الأحد، على نهاية قصة بطولة كأس أمم أفريقيا 2023، بتحديد بطل النسخة 34 من البطولة مع نهاية المباراة النهائية بين كوت ديفوار ونيجيريا، المقرر إقامتها في العاشرة مساء بتوقيت القاهرة على ملعب الحسن واتارا في إبيمبي بالعاصمة الإيفوارية أبيدجان.
ويدير مباراة نهائي كان 2023، الحكم الموريتاني دحان بيدة، لينال شرف إدارة النهائي الكلاسيكي بين النسور النيجيرية وأفيال ساحل العاج، الذي ينتظره العديد من عشاق الساحرة المستديرة حول العالم، لتحديد بطل النسخة الحالية، التي انطلقت يوم 13 يناير وتنتهي اليوم 11 فبراير 2024، في واحدة من أكثر النسخ مفاجآت وإثارة كروية بتوديع المنتخبات الكبيرة مبكرًا وكذا المنتخبات العربية وعلى رأسها المنتخب المصري، صاحب الرقم القياسي في حصد اللقب القاري بـ7 مرات.
وينتهي المطاف بمواجهة متكررة بين نيجيريا وكوت ديفوار، بعد صعودهما معًا إلى دور الـ16 من مجموعة واحدة وهي الأولى، التي ضمت غينيا الاستوائية وغينيا بيساو.
ويحمل هذا النهائي، تحديا من نوع خاص بين المنتخبين، اللذين تقابلا في دور المجموعات، وحينها فاز المنتخب النيجيري على منتخب البلد المستضيف لكأس الأمم الأفريقية بهدف للا شئ من ركلة جزاء سددها بنجاح ويليام إيكونج.
الثالث أم الرابع؟
ويضع منتخبا كوت ديفوار ونيجيريا، كأس أمم أفريقيا صوب عينيه، إذ تحلم النسور النيجيرية بنظراتها الثاقبة بمعانقة الكأس الغائب منذ ما يقرب من 10 أعوام، بينما غضب جماهير الأفيال يشعل حماس لاعبي المنتخب الإيفواري من أجل حصد اللقب الثالث في تاريخ ساحل العاج.
فإن الأفيال حينما توضع في الطائرة لنقلها من مكان إلى آخر، يحضرون لها «الكتاكيت» أي صغار الدجاج معها في القفص؛ خوفًا من هيجان الفيل، حتى لا يصبح كثير الحركة في الطائرة فتختل توازنها وربما تسقط، ولكن مع وضع الكتاكيت مع الفيل يجعل الفيل ساكنًا، ولا يتحرك خوفًا من أن يدهسهم أو يتعرضون لأذى؛ لأنه يملك قلبًا كبيرًا ويخشى أن يؤذي الصغار، ولذلك فإن الاتحاد الإيفواري لكرة القدم قرر إقالة المدير الفني الفرنسي لمنتخب كوت ديفوار، جيان لويس جاسيه، ليعين المدرب الوطني إيمرس فاي، وذلك بعد اقتراب خروج أصحاب الأرض من البطولة من الدور الأول، ليقود فاي الأفيال بعد غضب الجماهير إلى معانقة المجد وبلوغ نهائي كان 2023 وسط دهشة كبيرة من محبي كرة الماما أفريكا.
ولكن يصطدم منتخب الأفيال، بنظرات النسور النيجيرية الثاقبة، التي وضعت الكأس أمام أعينها منذ بداية مشوارها في البطولة، بقيادة البرتغالي جوزيه بيسيرو ومهاجم نابولي الإيطالي، فيكتور أوسيمين، الحاصل على جائزة أفضل لاعب في أفريقيا في العام الماضي، المقدمة من الاتحاد الأفريقي لكرة القدم «كاف».
15 مواجهة سابقة بين المنتخبين
ارتفع مستوى المنتخبين في البطولة، بعدما التقيا في دور المجموعات، وازداد تركيز اللاعبين وطموحهم نحو اللقب، ليجدوا أنفسهم في مواجهة مكررة في البطولة ذاتها بصراع ناري بين الأفيال والنسور.
ويبحث منتخب نيجيريا عن اللقب الرابع في تاريخه بعد نسخ 1980 و1994 و2013، بينما يسعى منتخب كوت ديفوار إلى لقبه الثالث بعد بطولتي 1992 و2015، ليتنافس على ملعب الحسن واتارا صاحبا الـ5 ألقاب.
التقى المنتخبان في 15 مباراة من قبل في جميع المسابقات، ولكن يتفوق منتخب نيجيريا على كوت ديفوار في تاريخ المواجهات، حيث انتصر النسور في 6 مباريات، وفاز الأفيال في 3 أخرى، وتعادلا في 6 لقاءات.
وتعتبر هذه المرة الثامنة، التي تشهد مواجهة مكررة من دور المجموعات في المباراة النهائية، والتي لم تشهد تتويج الفريق الخاسر إلا في مرة واحدة فقط، حيث في 4 مرات فقط شهدت فوز منتخب واحد في دور المجموعات ثم بالنهائي، وجاء بواقع مرتين لمصر ومثلهما للجزائر، بينما مرة واحدة فقط شهدت تتويج المنتخب الذي خسر في مرحلة المجموعات، فيما كانت هناك 3 مرات انتهت مواجهة المجموعات بالتعادل.
ومازال الصراع مستمرًا على لقب هداف بطولة كأس أمم أفريقيا 2023، حيث يتصدر إيميليو إنسوي ترتيب الهدافين برصيد 5 أهداف، وخلفه كل من: مصطفى محمد مهاجم منتخب مصر، جيلسون دالا لاعب أنجولا برصيد 4 أهداف لكل منهما.
ويأمل أديمولا لوكمان نجم منتخب نيجيريا في اقتناص صدارة هدافي البطولة، حيث يملك في رصيده 3 أهداف، وخلفه مواطنه وليام تورست إيكونج بهدفين، لذلك يعتبر هذا الثنائي له فرصة كبيرة في خطف جائزة هداف بطولة كأس أمم أفريقيا كوت ديفوار 2023.
ويعد المنتخب النيجيري صاحب أقوى خط دفاع في البطولة، بالتساوي مع المنتخب السنغالي حامل اللقب، الذي استقبلت شباكه هدفين أيضًا، رغم وداعه المبكر للكان.
رجال عادوا من الموت
بدأت قصة تأهل منتخب كوت ديفوار إلى نهائي بطولة كأس أمم أفريقيا 2023، بصورة رائعة وكل شىء على ما يرام، بعد حفل افتتاح مثير على ملعب الحسن واتارا الذي استضاف المباراة الافتتاحية للنسخة الرابعة والثلاثين، والنهائي المنتظر أمام نيجيريا، حينذاك استهل الأفيال المشوار بفوز على غينيا بيساو بهدفين دون رد في الجولة الأولى.
ولكن في المباراة الثانية اصطدمت بقوة نيجيريا ليخسر منتخب ساحل العاج بهدف للا شىء، ليواجه صعوبة في عبور الدور الأول، قبل مواجهة غينيا الاستوائية بالجولة الثالثة، ليسقط سقوطًا مدويًا برباعية نظيفة، أكدت على إقصاء منتخب البلد المستضيف من البطولة مبكرًا وبطريقة غير جيدة، لينتظر المنتخب الإيفواري الذي كان يملك 3 نقاط فقط، حتى نهاية مباريات المجموعة السادسة، لاسيما فوز المغرب على زامبيا، وذلك من أجل حسم مكان لها في الدور ثمن النهائي، كأحد أفضل 4 منتخبات أصحاب المركز الثالث.
وبالرغم من ذلك، إلا أن منتخب الفيلة، واجه السنغال حامل لقب البطولة في دور الـ16، وتعادل معه بهدف لمثله، ليفوز رجال إيمرس فاي بركلات الترجيح، ويتأهلون إلى ربع النهائي بمواجهة مالي على ملعب السلام، وكاد منتخب كوت ديفوار أن يودع منافسات كأس الأمم الأفريقية من دور الثمانية، بعد تأخره في النتيجة أمام مالي بهدف، مع طرد أحد لاعبيه، ولكن أنقذ سيمون أدينجرا منتخب بلاده بهدف في الوقت القاتل وتحديدًا في الدقيقة 90، لتتجه المباراة إلى شوطين إضافيين، ليحرز عمر دياكيتي هدف الفوز في الدقيقة 120+2 بالشوط الإضافي الثاني، ليعبر بالمنتخب إلى نصف النهائي بـ9 لاعبين.
ونجح منتخب الأفيال في الفوز على الكونغو الديمقراطية بهدف للا شىء في الدور نصف النهائي، سجله سباستيان هالير، مهاجم بوروسيا دورتموند الألماني، الذي كادت أن تنتهي مسيرته الكروية مبكرًا؛ بسبب مرض السرطان الذي أبعده عن الملاعب لفترة طويلة، ليعود ويسجل هدفه الدولي التاسع والأول في البطولة، والذي يعد الأغلى في مشواره الكروي في حال تتويج بلاده باللقب القاري.
ذكريات حزينة لرجال بيسيرو
بالرغم أن منتخب نيجيريا، استهل مشواره في أمم أفريقيا 2023، بالتعثر أمام غينيا الاستوائية بالتعادل 1-1، إلا أنه نهض من كبوته واستعاد توازنه بالفوز في باقي المباريات حتى بلوغه النهائي، إذ فاز على كوت ديفوار بهدف للا شىء، وبنفس النتيجة على غينيا بيساو ليعبر دور المجموعات في وصافة المجموعة الأولى، ثم واجه الكاميرون في دور الستة عشر وأسقط الأسود بثنائية دون رد، وفي ربع النهائي تخطى أنجولا بهدف أيضًا.
وفي دور نصف نهائي الكان، اصطدم بمنتخب جنوب أفريقيا العنيد، الذي رفض الاستسلام حتى الرمق الأخير من المباراة، حيث فرض عليه التعادل بهدف لمثله في الوقت الأصلي من اللقاء، وفي الشوطين الإضافيين أكمل الدقائق المتبقية منقوص العدد، لتحسم ركلات الترجيح هوية المتأهل إلى المباراة النهائية، حينها استطاع رجال المدرب البرتغالي جوزيه بيسيرو التغلب على البافانا بافانا بنتيجة 4-2.
مشوار المنتخب النيجيري في البطولة التي تنتهي اليوم، يتشابه كثيرًا مع نسخة 1984، حيث تأهل في وصافة مجموعته للدور الثاني، قبل الفوز في نصف النهائي بركلات الترجيح أمام مصر بنتيجة 8-7، ولكن في هذه النسخة خسر اللقب أمام الكاميرون بهزيمة بثلاثية مقابل هدف، في بطولة استضافتها ساحل العاج، وهي الوحيدة قبل نسخة 2023 التي احتضنتها الملاعب الإيفوارية، لذا يخشى رجال بيسيرو من تكرار لعنة أراضي كوت ديفوار.
متلازمة ركلات الترجيح
لازمت ركلات الترجيح، منتخب كوت ديفوار في تاريخ مبارياته النهائية في بطولة كأس أمم أفريقيا، فمن الممكن أن يشهد نهائي النسخة الحالية الوصول إلى ضربات الحظ الترجيحية في حال انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل مع نيجيريا.
ولكن يريد المنتخب الإيفواري أن تبتسم له الساحرة المستديرة في حالة احتكام المباراة لركلات الترجيح. فإن المنتخب الإيفواري طوال تاريخه وصل من قبل إلى نهائي كأس أمم أفريقيا 4 مرات، أولها كان أمام غانا في نسخة 1992، فاز حينها بركلات الترجيح، والثانية في نسخة 2006 أمام منتخب مصر، لكنه خسر اللقب بضربات الحظ، أما الثالثة كانت أمام زامبيا في 2012، وخسر لقب البطولة أيضًا بنفس الطريقة، وأخيرًا أمام غانا مجددًا في 2015، ولكن حصد اللقب بركلات الترجيح.
الغريب أن الأربعة نهائيات التي لعبها منتخب ساحل العاج، جميعها انتهت بالتعادل السلبي، ولكن في النسخة الحالية لم يلجأ إلى ركلات الترجيح سوى في مباراة وحيدة أمام السنغال في دور الـ16، بعد نهاية اللقاء بالتعادل الإيجابي 1-1.
معجزة الثلاث نقاط
الجميع حول العالم، يعلم كيفية عبور منتخب الأفيال من دور المجموعات، وهو أشبه بالمعجزة التي حدثت في تاريخ البطولة، حيث كان قاب قوسين أو أدنى من توديع البطولة، ولكن أنقذته المنتخبات الأخرى بداية من تعادل موزمبيق وغانا مرورًا بفوز المغرب على زامبيا، وفي حال تتويج كوت ديفوار بلقب أمم أفريقيا أمام نيجيريا، سيكون أول منتخب يحصد اللقب وهو متأهلًا من دور المجموعات بثلاث نقاط فقط من دور المجموعات المكون من 4 منتخبات والذي بدأ تطبيقه في عام 1996.
فإن هناك أبطال حققوا ألقاب بعد حصولهم على 3 نقاط فقط من دور المجموعات، أبرزها إيطاليا في كأس العالم 1982، والبرتغال بقيادة كريستيانو رونالدو في يورو 2016، وهناك من بلغ النهائي بعد الصعود ضمن أفضل ثوالث، على رأسهم الأرجنتين في مونديال 1990، وإيطاليا في كأس العالم 1994، والبرتغال أيضًا في كأس الأمم الأوروبية 2016، والأردن في نهائي كأس آسيا 2023.
المغمور الشجاع
ويعد إيمرس فاي، المدير الفني الحالي لمنتخب ساحل العاج، رجل الظل في مشوار منتخب بلاده في البطولة، الذي كان مساعدًا مغمورًا، تاريخه في التدريب لم يكن حافلًا بالإنجازات.
ولم يخض فاي تجارب تدريبية كبيرة، حيث تولى مهمة تدريب فريقي شباب نيس ورديف كليرمونت الفرنسيين، حتى تولى مسؤولية المنتخب الإيفواري تحت 23 عامًا، قبل تعيينه مساعدًا للفرنسي جيان لويس جاسيه، الذي فشل في قيادة الأفيال في دور المجموعات وترك المنتخب مهلهلًا.
ليثبت إيمرس فاي شجاعته أمام جماهير بلاده، التي لم تقدر على إلقاء اللوم على فاي في حالة خروج الأفيال من الدور التالي، لكنه صحح الأخطاء، وتعامل نفسيًا مع اللاعبين بشكل رائع وقاد المنتخب لنهائي الكان في أكبر مفاجآت البطولة القارية.