أكد الدكتور سعيد ناشيد، أستاذ الفلسفة المغربي، ورئيس مركز الحوار العمومي والدراسات المعاصرة، أن المعيار الأساسي لجودة الخطاب الديني هو التخلص من ثقافة الموت ومنح الإنسان شجاعة الروح وشجاعة الحياة والعيش، فالمعيار الذي يُناسب غايات الأديان مثل السكينة، والطمأنينة، والسلام الداخلي، والكرامة الإنسانية، ويستبعد في نفس الوقت معيار الرعب الإلهي وتخويف الإنسان من كل شيء.
وقال "ناشيد" في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن الأقدار قادته إلى لقاء "إرهابيين تائبين" سبقَ لهم ارتداء أحزمة ناسفة قبل اعتقالهم، قبل أن يجدوا أنفسهم في السجن بدل الجنة، وقد قُدر لهم عمر جديد، قصصهم مثيرة وجديرة بالتحليل لكن أكثر الباحثين عندنا لا يجتهدون.
وشرح رئيس مركز الحوار، أن الطابع المشترك لدى العائدين من كفن الحزام الناسف يبقى هو الجُبن المزمن والملازم لنظراتهم ونبراتهم وتشنُّج أياديهم، إنهم مخيفون بقدر ما هم خائفون، بل كثيرًا ما يكون ذلك الخوف الساكن في قلوبهم هو مانِعُهم السري من اكتمال توبتهم، أو تعثرها في كثير من الحالات، ذلك أنّ العودة من الموت لا تكتمل إلا بامتلاك شجاعة العيش. وهنا تكمن الحلقة المفرغة التي يعيشها الكثيرون.
وقال إن العائدين من الموت لم يعودوا كلهم من ثقافة الموت، وبذلك النحو فإنهم يظلون خائفين من كل شيء، من الجسد، الحواس، العقل، الفنون، المرأة، ظواهر الطبيعة والكون، يظلون خائفين من كل شيء، من "غضب السماء"، "مكر النساء"، "علامات الساعة"، "ضيق القبور"، "ضياع الدين"، "فقدان الفحولة"، "سخط الأم"، "حسد العين"، وفي النهاية فإنهم يظلون خائفين من الحياة نفسها.
وأضاف "ناشيد"، أن الواقع أننا خُلِقنا أصلا داخل بيئة موحشة وغير آمنة، بيئة مليئة بالوحوش والفيروسات وكوارث الأرض والسماء. فقد طرأت خمسة انقرضات كبرى كادت تمسح الأرض كل أشكال الحياة، كما كاد ينقرض النوع البشري قبل نحو مئة ألف عام، حيث لم ينج إلّا بضع آلاف، وإلى حدود القرن الرّابع عشر كان ثلث الأوروبيين قد ماتوا في الطاعون الأسود، ومرت إفريقيا ومناطق أخرى من العالم بجائحات لا تقل شراسة لكنها غير موثقة لضعف ثقافة التوثيق، وعلى الأرجح فإنّ البشرية تحمل في جيناتها ذاكرة الأنجية من الانقراض، وهو ما يُفسر هاجس الخوف من نهاية العالم، كما يفسر حاجة الإنسان إلى وجود رعاية إلهية رحيمة.
وقال : إن كانت بعضُ أنماط التديُّن تُنمي شجاعة العيش من خلال مبدأ العشق الإلهي، فإن بعض أنماط التديُّن الأخرى تُراهن على مبدأ "الرُّعب الإلهي"، وبذلك النحو تحرم الإنسان من مشاعر الأمن الروحي والتي هي أهم ما يرجوه المؤمن من التجربة الدينية. لأجل ذلك وجّه أفلاطون في جمهوريته نقدا لاذعا لأنماط الخطاب الأخروي التي تراهن على إثارة الرعب في النفوس، طالما أنها تضعف قدرة الإنسان على مواجهة الحياة.
واختتم تدوينته بأن هناك معيار أساسيّ لجودة الخطاب الديني، هل ذلك الخطاب يمنحك شجاعة الرّوح أم يثير في نفسك الرّعب الوجودي؟ إنه المعيار الذي يُناسب غايات الأديان: السكينة، الطمأنينة، السلام الداخلي، والكرامة الإنسانية.عوِّد نفسك على استعمال ذلك المعيار إذًا. إنه معيار الفطرة السليمة أيضا.
سياسة
أكاديمي مغربي: معيار جودة الخطاب الديني التشجيع على الحياة والتخلص من ثقافة الموت
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق