الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الوَهم.. والحقيقة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في مجتمعاتنا العربية يتم الخلط بين مفهوم «الدولة»، ومفهوم «الحكومة»، ومفهوم «النظام»، فكثيرًا ما نلاحظ أنه حين يوجه المواطن نقدًا للحاكم يُتهم ذلك المواطن بأنه يسعى لهدم الدولة، رغم وجود فرق شاسع بين الدولة والحاكم الذي يتولى السلطة، الحاكم زائل والدولة باقية. ولكن البعض  يروج لمقولة (الحاكم = الدولة)، وهى مقولة زائفة ومضللة، كذلك الزعم بأن الحاكم هو «كبير العائلة» أو «الأب» لكل المواطنين، أو هو وحده الذي يفهم، وهو وحده الذي يعرف، هو الذي يَسأل ولا يُسأل؛ ومن ثمَّ إذا أراد المواطن أن يسأل أو يستفسر عن شئ فعليه أن يسأل ذلك الحاكم، ولا يجوز للمواطن أن يسأل أحدًا غيره. كل هذه المفاهيم تتعارض مع مدنية الدولة.

وفي الدولة المدنية الحديثة ظهرت فكرة الدساتير حيث ظهرت الحاجة إلى ما يحقق التوازن بين السلطات في الدولة (السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية)، وتنظيم العلاقة بين هذه السلطات الثلاث بما يحول دون طغيان سلطة على أخرى.

ويمثل الدستور في الدولة قمة البناء القانوني فيها، إذ يجب أن تأتي القواعد القانونية التالية له متفقة معه لا تخالف نصوصه، ولا تعارض أحكامه، وإلا أصبحت غير دستورية، وهو بهذه المثابة يُعَد إطارًا حاكمًا للحياة السياسية والقانونية في الدولة. ويهدف الدستور إلي إقامة التوازن بين السلطة والحرية في المجتمع، فبهذا التوازن تستقيم الأمور ويستقر النظام. ذلك لأنه يمنع الصراع بين طبقتي الحكَّام والمحكومين. فالحكَّام – في كل حين – ينشدون مزيدًا من السلطة، والمحكومون – على النقيض – يسعون إلى مزيد من الحرية.

وتقوم الدولة المدنية على عدة مبادئ أهمها:

- الشعب مصدر السلطات.

- المساواة وعدم التمييز على أساس الدين أو العرق.

- حرية الرأي والاعتقاد.

- العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.

- احترام حق الاختيار والاختلاف.

- سيادة دول القانون والفصل بين السلطات.

في مجتمعاتنا العربية، نعاني بشدة من غياب الوعي السياسي بهذه المسائل الحيوية، لذلك نجد قطاعًا كبيرًا من الناس، يؤمن بأن الدولة إذا قامت على أساس الدين ستكون مثالية ونموذجية، ومن هنا انتشر الترويج لمقولة أن «الإسلام هو الحل» بهدف تطبيق الشريعة الإسلامية كنظام حكم للدولة. ولكننا نود أن نؤكد أن الدعوة إلى تطبيق الشريعة، ليست - كما يتوهم الكثيرون - دعوة دينية خالصة، وإنما لها بعد سياسي خطير يتمثل في السعي نحو الوصول إلى الحكم، وذلك بإقامة الحكومة الإسـلامية. إن السعي نحو الوصول إلى الحكم، في ظل نظام تعدد الأحزاب، أمر مشروع، وإنما يكمن الخطأ والخطر في إقحام الدين في الأمور السياسية. ومحاولة - بعض الداعين إلى تطبيق الشريعة - الإيهام بأنها دعوة دينية خالصة لا تبتغي إلا وجه الله وتنفيذ أوامره، ومن هنا حاولت بعض الجماعات الدينية تأكيد وجود تماثل بين الإسلام وتطبيق الشريعة، مدخلين فى روع الناس أن الدعوة إلى تطبيق الشريعة هى دعوة إلى الإسلام، وأن رفض هذه الدعوة هو مروق عن الإسلام.

هذا من جانب؛ ومن جانب آخر راجت – استنادًا إلى فترات حكم بعض سلاطين وخلفاء المسلمين – الدعوة إلى حكم «المستبد العادل» أو «الطاغية الصالح».. ومن المؤكد أنه لا وجود لطاغية صالح، فالطاغية عادةً ما يستخدم كل الوسائل في سبيل الوصول إلى غاياته. والواقع أن طريقة الحكم لدى الطاغية، سواء وصل إلى سدّة الحكم عن طريق اختيار الشعب، أم بقوة السلاح أم بالوراثة، فإن هذه الطرق جميعها «متماثلة»: إنه يقهر الشعب، وينظر إليه بوصفه فريسة له، أو يقوم باستعباده، فبدلًا من أن يحكم؛ يريد أن ينصّب نفسه سيدًا، وبدلًا من أن يتولى مهمة قيادية، يستأثر بسلطة فعلية، وبدلًا من أن يؤدي واجبًا، يمنح نفسه كل الحقوق. وأسوأ ما في الأمر أيضًا: أنه يُقْصِر حقوقه المزعومة على ممارسة البطش. ولما كان الطاغية يعيش في حالة هذيان دائم، ينهشه الفزع من كل شئ؛ ويفزع من كل شخص؛ وخاصةً من أولئك الذين اضطهدهم، لذلك يبذل الطاغية قصارى جهده لتضخيم قوته بكل الوسائل: فهو لا يعمل فقط على حرمان شعبه من العلم والفطنة، بل يحرص على أن يتفشى الفساد في كل أركان الدولة.

ويتفشي الاستبداد في منطقتنا العربية، لا على مستوى الطبقة الحاكمة فقط، بل في كل مؤسسة تجد رئيسها والعاملين بها، يشتكي كل منهم من جبروت واستبداد الحاكم الذي يجلس على رأس الدولة؛ ملكًا كان أو رئيسًا، في الوقت الذي يمارس فيه رئيس مجلس القسم أو عميد الكلية أو رئيس الجامعة أو رئيس مجلس إدارة المؤسسة أشد أنواع الاستبداد. وهذا القول ينسحب على كل مواطن تتاح له فرصة تملك سلطة!!..

وهكذا نجد المواطن العربي قد سكت طويلًا على الاستبداد فألفه، وساهم في تكريسه ورسوخه، وصارت «ثقافة الاستبداد» جزءًا من فكر المواطن وسلوكه. إن «الاستبداد» هو علة وسبب كل ما نعاني منه في مجتمعاتنا العربية الإسلامية.. والديمقراطية هى الحل.. أما مقولة إن شعوبنا غير مؤهلة للحكم الديمقراطي؛ فهى مقولة باطلة؛ وليست باطلة فحسب، بل إن ترديد مثل هذه المقولة يسهم في ترسيخ النظم الاستبدادية وتبرير استمرار بقائها.

إن الديمقراطية في جوهرها حرية، وتسامح، واحترام لحرية وحقوق الآخر، لذا فالتطرف يُعَدُّ عائقًا أساسيًا في طريق تطبيقها، لأن الشخص المتطرف يكون في العادة مغاليًا في فكره، متعصبًا، ومفتقدًا للاعتدال، يرى دائمًا أن رأيه هو الصواب، ورأي غيره خطأ، الأمر الذي يدفعه دفعًا للتمييز بين الأفراد على أساس الدين أو العرق أو غير ذلك من أسباب التمييز العنصري الأخرى، وهذا في حد ذاته ضد الديمقراطية. كذلك يؤدي ضعف منظمات المجتمع المدني إلى إعاقة الديمقراطية بشكل صحيح، ويُقْصَد بمنظمات المجتمع المدني: الجمعيات والنقابات والكوادر، والمؤسسات المحلية المسئولة عن العمل الديمقراطي داخل المجتمع. إن ضعف مثل هذه القوى، وتدني ممارستها لدورها، وعدم وجود أنشطة حقيقية لها على أرض الواقع؛ يُعَدُّ عائقًا من معوقات تحقيق الديمقراطية بالمجتمع.

* أستاذ المنطق وفلسفة العلوم بآداب عين شمس