تعد قضية اللاجئين الفلسطينيين، هي إحدى قضايا الوضع النهائي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، التي تضم أيضًا القدس والمستوطنات وإعلان الدولة، وعلى مدار السنوات الماضية بدأت مخططات أمريكية إسرائيلية لتصفية القضية وكان أبرزها محاولة إنهاء حق العودة.
وتصاعد الهجوم خلال الآونة الأخيرة على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، المعنية برعاية اللاجئين الذين نزحوا من ديارهم بعد النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني في عام 1948 إثر إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي فوق الأرض العربية في فلسطين.
وبدأت الأزمة الحالية في آواخر شهر يناير الماضي، حينما اتهمت السلطات الإسرائيلية؛ المنظمة الأممية بالضلوع في الهجوم الذي أطلقته المقاومة الفلسطينية ضد مستوطنات غلاف غزة في السابع من أكتوبر من الماضي تحت شعار "طوفان الأقصى"، وبعد ذلك أعلنت الولايات المتحدة في 26 يناير 2024 تعليق تمويلها لـ"أونروا" إلى حين الانتهاء من فحص مزاعم مشاركة 12 من موظفيها في عملية طوفان الأقصى، وتبعها ما يقرب من 17 دولة إلى جانب الاتحاد الأوروبي.
وقال المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني، إن "السلطات الإسرائيلية زودت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، بمعلومات عن الضلوع المزعوم لعدد من موظفيها في هجمات السابع من أكتوبر"، مؤكدا أن "أي موظف في الأونروا متورط" سيخضع للمساءلة، ومنها الملاحقة الجنائية.
كيف تشكلت أونروا؟
كانت مأساة اللاجئين هي نتاج مباشر لزرع الكيان فوق الأرض العربية في فلسطين، وجاء القرار الأممي رقم 302 في ديسمبر من عام 1949 الخاص بتشكيل أونروا بغية التخفيف من تداعيات مأساة اللاجئين، وبدأت عملها بالفعل في 1950 بتفويض عمل يصل إلى 3 سنوات قابلة للتجديد، على أن تشمل ولايتها تقديم برامج مساعدات وتوظيف لنحو 700 ألف لاجئ فلسطيني في 5 أماكن تشمل قطاع غزة، والضفة الغربية، والأردن، وسوريا، ولبنان.
ويمثل الفلسطينيون الغالبية العظمى من موظفي الوكالة البالغ عددهم 31 ألف موظف، وتدفع الأمم المتحدة رواتب 200 من الموظفين فضلا عن بعض النفقات الإدارية بما يعادل أقل من 5% من ميزانية الأونروا.
لجنة تحقيق أممية
وأعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، في 5 فبراير 2024، إنشاء لجنة مستقلة مكلفة بتقييم حيادية وكالة "أونروا"، والرد على الاتهامات التي استهدفت عددًا من موظفيها.
وأوضح بيان أممي، أن مجموعة التقييم هذه ستكون برئاسة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاترين كولونا بالتعاون مع ثلاثة مراكز أبحاث هي: معهد راوول والنبرج في السويد، ومعهد ميكلسن في النرويج، والمعهد الدنماركي لحقوق الإنسان، وستبدأ اللجنة عملها في 14 فبراير الجاري، ومن المتوقع أن تقدم تقريرا مؤقتا إلى جوتيريش أواخر مارس المقبل.
تمويل أونروا
وفي أعقاب إعلان إسرائيل عن مزاعم مشاركة بعض موظفي أونروا في هجوم طوفان الأقصى، بادرت الولايات المتحدة، إلى قطع تمويل الوكالة وتبعها عدد من الدول الغربية وهو أمر يعطلها عن تقديم خدماتها إلى اللاجئين الفلسطينيين.
وفيما يتعلق بتمويل الأونروا فإنه وفقا لميزانيتها لعام 2022 فقد بلغت 1.2 مليار دولار أمريكي، وتعد الولايات المتحدة هي أكثر دولة تسهم في التبرع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين بـ343 مليون دولار، ولا توجد إلا دولة عربية واحدة فقط ضمن قائمة أكثر عشر دول تتبرع للأونروا من بين 98 دولة ومنظمة، وجاءت السعودية في المرتبة الثامنة بـ27 مليون دولار ما يكشف عن الغياب العربي الواضح في دعم الوكالة التي ترعى لاجئي فلسطين.
حصة الدول العربية في تمويل أونروا
ويوضح الجدول التالي الأموال التي تتبرع بها الدول العربية وترتيبها العام بين 98 دولة ومنظمة تمنح تبرعات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وهي السعودية والكويت وقطر وفلسطين والأردن ولبنان وسوريا وسلطنة عمان، كما هو موضح في الجدول التالي:
الدولة | التبرع | الترتيب العام | |
1 | السعودية | 27 مليون دولار | 8 |
2 | الكويت | 12 مليون دولار | 19 |
3 | قطر | 10.5 مليون دولار | 20 |
4 | فلسطين | 5.8 مليون دولار | 25 |
5 | الأردن | 4.2 مليون دولار | 28 |
6 | لبنان | 818 ألف دولار | 37 |
7 | سوريا | 448 ألف دولار | 45 |
8 | سلطنة عمان | 316 ألف دولار | 48 |
يتبين من هذا الجدول أن قيمة التبرعات الصادرة من الدول العربية لوكالة "أونروا" هي زهيدة قياسًا بالدول الأخرى التي تتبرع وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تعد أكبر مانح للمساعدات بقدر الثلث.
في هذا السياق، يقول الدكتور أيمن الرقب أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن الدعم العربي لوكالة أونروا ضعيف، ويتطلب تكاتف كامل من الدول العربية للتبرع للوكالة الأممية المعنية بشئون اللاجئين الفلسطينيين.
ونوه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز" بأن مبلغ المليار دولار، الذي يمثل ميزانية أونروا، ليس بالمبلغ الكبير لو قُسم على الدول العربية خاصة أن دول الخليج لديها فائض يقدر بـ550 مليار دولار وبإمكانها أن تتبنى الوكالة لتحافظ على هوية اللاجئين.
ولفت "الرقب" إلى أن هناك أصوات طالبت بضرورة أن تكون ميزانية أونروا تابعة مباشرة للأمم المتحدة، ولا تخضع للمتبرعين، حيث إن هناك حصصًا موزعة على كل الدول وهناك دول تتبرع بمفردها للوكالة.
انقسام إسرائيلي بشأن الأونروا
رغم صدور الاتهامات من تل أبيب ضد أونروا، إلا أن هناك انقسامًا إسرائيليًا بشأن التصعيد ضد الوكالة الأممية، خشية أن تأتي النتائج على غير المتوقع أو تحمل مفاجأة غير سارة لحكومة الاحتلال.
ففي الوقت الذي أعلن فيه رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضرورة إنهاء وجود وكالة أونروا، بادر عدد من ضباط جيش الاحتلال إلى بعث رسالة لرئيس هيئة الأركان بضرورة استمرارها.
وقال نتنياهو نهاية يناير الماضي، إنه يتعين إنهاء مهمة وكالة "أونروا"، مؤكدا في بيان صادر عن مكتبه أنه قال أمام وفد من الأمم المتحدة: "حان الوقت ليفهم المجتمع الدولي والأمم المتحدة نفسها أنه لا بد من إنهاء مهمة الأونروا".
وأضاف: "تسعى الأونروا إلى الإبقاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين، ولا بد أن نستبدل وكالات أخرى بالأمم المتحدة ووكالات إغاثة أخرى بالأونروا إذا أردنا حل مشكلة غزة مثلما نخطط أن نفعل".
وكتب وزير الخارجية في حكومة الاحتلال الإسرائيلية يسرائيل كاتس عبر حسابه الرسمي بمنصة "إكس" السبت 3 فبراير الجاري، أن وزارة الخارجية في حكومة الاحتلال تهدف إلى ضمان "ألا تكون الأونروا جزءا من المرحلة" التي تلي الحرب، مضيفا أنه سيسعى إلى حشد الدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأطراف مانحة أخرى رئيسية.
ولاحقا، قال كاتس في بيان "في مرحلة إعادة إعمار غزة، ينبغي أن تحل محل الأونروا وكالات تكرس عملها للسلام والتنمية"، داعيا مزيدا من الجهات المانحة إلى تعليق تمويلها.
ودعا كاتس المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني إلى الاستقالة، وكتب "لازاريني رجاء استقِل".
ورغم الخطاب الإسرائيلي الرسمي بضرورة وضع نهاية للوكالة الأممية المعنية باللاجئين الفلسطينيين، إلا أنه في الرابع من فبراير الجاري، أوصى عدد من الضباط الإسرائيليين في جيش الاحتلال لرئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي، من أجل وقف حملة التشويه ضد "أونروا" بحسب تقرير أوردته القناة 12 العبرية.
ونصح الضباط بعدم توسيع نطاق تشويه الوكالة في هذه الأوقات خاصة قبل المناقشة المزمعة بالكونجرس الأمريكي، لتقرير آليات التعامل مع الأونروا وإيجاد بدائل لها.
وأشار الضباط إلى أن التسريبات حول الوكالة والتي دفعت دولا لوقف تمويلها لم تكن تسريبات إسرائيلية منظمة وحسب القناة، يخشى الضباط من أن تأتي عملية تشويه الأونروا قبل إيجاد بديل لها بنتائج سلبية جدا في قطاع غزة.
وفي هذا السياق، قال الدكتور بهلول أبو الفضل الخبير الجزائري في القانون الدولي والعلاقات الدولية، إنه بالرجوع إلى نص تأسيس وكالة أونروا فهو ذو مرجعية دولية من خلال اللائحة رقم 302 الصادرة بتاريخ 8 ديسمبر 1949 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذي يحدد مهامها والولاية الخاصة بها، وهذا يرتب آثار قانونية وحماية دولية للفلسطينيين.
وأضاف الخبير الجزائري في القانون الدولي في تصريحات خاصة لـ"البوابة نيوز" أن هناك مؤامرة من أجل وقف عمل الوكالة لأسباب غير موضوعية وجعلها تابعة لأحد وكالات الأمم المتحدة وتعمل تحت سلطتها وهذا سيخالف قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المنشئ بموجبه الوكالة والذي يشكل الأساس القانوني لها.
وأشار الدكتور بهلول أبو الفضل، إلى أن هناك سابقة مماثلة للخطوات الإسرائيلية ضد أونروا، وهي عندما بادرت الولايات المتحدة بتقديم مشروع قرار أممي يلغي قرار آخر، والذي كان يعتبر أن "الصهيونية حركة عنصرية"، لذا توحي هذه السابقة بإمكانية تقديم القوى الداعمة لإسرائيل مشروع قرار يوقف صلاحيات أونروا، ويلغي المرجعية الدولية لها.
وشكك "بهلول" في صدقية اللجنة التي شكلت من جانب الأمم المتحدة للتحقيق في مزاعم إسرائيل ضد أونروا، منوها بعدم وجود أي عضو عربي أو فلسطيني في اللجنة، التي ستكون بمثابة المبرر وصناعة الدليل ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين.
الحرب على اللاجئين تصفية للقضية الفلسطينية
كانت الحرب على أونروا هدفها في الأساس هو نسف أحد محاور الوضع النهائي في الصراع العربي الإسرائيلي وهو اللاجئين الفلسطينيين، وفي عام 2012 حددت الإدارة عدد اللاجئين، وكيف ارتفع العدد من 750 ألف لاجئ في العام 1950 إلى 5 ملايين لاجئ.
مؤامرة ترمب وكوشنر ضد القضية الفلسطينية
وبعد تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحكم في 2017 اشتدت مؤامرة الولايات المتحدة على قضايا الحل النهائي، وبدأت بإعلان ترامب الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وانتقلت إلى اللاجئين وكان صهره جاريد كوشنر هو رأس الحربة في المؤامرة على اللاجئين.
وفي أغسطس من عام 2018 كشفت صحيفة "إسرائيل هيوم" عن مخطط أمريكي ضد اللاجئين الفلسطينيين، يقضي بتقليص أعدادهم من خمسة ملايين لاجئ إلى 40 ألف فقط، وهم الذين ما زالوا أحياء منذ النكبة عام 1948.
وأوضحت الصحيفة العبرية، أن هذا التوجه تحول إلى توصية لدى مجلس الشيوخ الأمريكي باعتماد اللاجئين الفلسطينيين الأجداد الذين هجروا من ديارهم خلال نكبة فلسطين عام 1948م دون الاعتراف بأبنائهم أو أحفادهم لاجئين.
وجاء التقرير العبري بعد أيام قليلة من تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، تحت عنوان "ترامب وحلفاؤه يسعون إلى إنهاء وضع اللاجئين لملايين الفلسطينيين" كشف عن رسائل البريد الإلكتروني من كوشنر إلى الخارجية الأمريكية، دعا فيها إلى بذل "جهد مخلص لتعطيل" وكالة الأمم المتحدة لإغاثة الفلسطينيين "أونروا".
وفي يوليو من عام 2019 ألمح جاريد كوشنر إلى أن خطته للسلام في الشرق الأوسط ستسعى إلى تحسين دمج اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية، فيما يعكف على الانتهاء من إعداد اقتراحاته رغم رفض القيادة الفلسطينية لها.
وأكد الدكتور أيمن الرقب، أن وجود أونروا يمثل أزمة لدولة الاحتلال لأنها توثق وجود ستة مليون لاجئ فلسطيني، وأن هناك حق عودة بناء على قرار 194 وإعادتهم إلى ديارهم.
وأشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس إلى أنه كان هناك مخطط في عهد ترامب من خلال تجفيف مصادرها المالية، ومحاولة إلغاء وجودها.
ولفت "الرقب" إلى أنه حينما صدرت مزاعم إسرائيل بشأن ضلوع موظفي الأونروا في هجوم طوفان الأقصى، تسابقت دول العالم لقطع التمويل دون التحقق من الرواية الإسرائيلية، وهي إعادة لإنتاج الأكاذيب ضد المقاومة الفلسطينية حينما ادعى الاحتلال ارتكاب جرائم اغتصاب وقطع رؤوس الأطفال في هجوم السابع من أكتوبر الماضي، وثبت كذب كل هذا.
وافترض الرقب، أنه لو كانت رواية الاحتلال حقيقية بشأن ضلوع 12 موظفا من أونروا في هجوم طوفان الأقصى، فهو أمر لا يبرر معاقبة الملايين من اللاجئين، وحتى لو وقعت هذه الحادثة في غزة، فما ذنب اللاجئين الفلسطينيين في المناطق الأخرى.
وتطرق أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، إلى الأوامر التي أصدرها نتيناهو لجيش الاحتلال قبل يومين بألا تتسلم الأونروا المساعدات التي تأتي من مصر، وإيجاد طرق بديلة وهو أمر يرغب فيه رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية لإحداث فوضى عبر تشكيل لجان عشائرية وعائلية تتسلم المساعدات بشكل مباشر.