انطلقت اليوم بمقر جامعة الدول العربية احتفالية وندوة بمناسبة اليوم الدولي للإخوة الانسانية التي تنظمها دولة الإمارات العربية المتحدة والتي تتضمن استحضار بنود وثيقة الأخوة الإنسانية التي أقرت في العاصمة الإماراتية أبوظبي في الرابع من فبراير عام 2019، التي وقع عليها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر وقداسة البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، وهي تؤكد على سعي بني البشر للعيش بسلام وأمان بالعيش المشترك.
وقالت الوزير مفوض الدكتورة مها عمر جاد مدير إدارة الثقافة وحوار الحضارات بجامعة الدول العربية في كلمة الأمانة العامة للجامعة في افتتاح الاحتفالية أن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت قراراً بالإجماع يُعلن يوم الرابع من فبراير كل عام يوماً دولياً للأخوة الإنسانية" ضمن مبادرة قادتها كل من دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية ومملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، حيث دعت فيه كافة الدول الأعضاء والمنظمات الدولية إلى الاحتفال سنويا بهذا اليوم.
وأشارت إلى ان اليوم الدولي الأخوة الإنسانية يسلط الضوء على مبادئ وقيم وثيقة الأخوة الإنسانية مع مواصلة تعزيز البحث عن أفضل الممارسات التي من شأنها أن تمهد الطريق لعالم أكثر سلما.
وقالت إن المجتمع الدولي يحتفل في هذا اليوم بالحدث التاريخي المتمثل في توقيع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية على وثيقة "الأخوة الإنسانية" في الرابع من فبراير من عام ۲۰۱۹م في إمارة أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة .
وأضافت أن احتفال اليوم يأتي في إطار تنفيذ مبادرات المجلس العالمي للتسامح والسلام حول رفع الوعي بقيم ومبادئ وطبقة الاخوة الإنسانية، مثمنة جهود المجلس العالمي في نشر قيم التسامح وثقافة السلام والتي هي إحدى الموضوعات التي يجب أن تلقى اهتماماً خاصاً من الحكومات ومنظمات المجتمع المدني في ضوء التطورات المتلاحقة التي شهدناها على الساحتين العربية والعالمية خلال الفترة الماضية.
وقالت "لقد شهدنا خلال السنوات السابقة تزايداً مطرداً للنزاعات المسلحة التي أدت إلى تدمير عدد من الدول وتهجير شعوبها وهو ما يمثل مأساة إنسانية بكل ما تحمل الكلمة من معاني، فملايين البشر أصبحوا يعيشون حياة غير أدمية بسبب هذه النزاعات التي قضت على الأخضر واليابس في أوطانهم.
وأوضحت أن النظرة التحليلية المتعمقة لمعطيات هذه النزاعات ومسبباتها تظهر أن أغلبها نشبت نتيجة لتفشي ظواهر العنف والعنصرية والتعصب الديني والعرقي والطائفي، وعلى الرغم من أن هذه الظواهر كانت أحد الآفات التي عانت منها المجتمعات الإنسانية على مر العصور، إلا أن تأثيرها المعاصر على السلام بات أكثر خطورة من أي وقت مضى.
وقالت الدكتورة مها عمر جاد مدير إدارة الثقافة وحوار الحضارات بجامعة الدول العربية إنه على الرغم من أن هذه الحروب بدأت بين أبناء الوطن الواحد إلا أن اشتعالها أوجد مناخ خصباً لتدخل أطراف خارجية مما أدى إلى تفاقم الأوضاع وصعوبة السيطرة عليها في كثير من الدول.
وأضافت قائلة "ولذا فأنني أتصور أن أخطر أعداء السلام في المرحلة الراهنة هو التطرف الفكري بمختلف أنواعه، ولذلك علينا مواجهته بنشر قيم التسامح، ونحن مؤمنون إيماناً شديداً بقوة التسامح كأداة لتحقيق السلام في مختلف المجتمعات أيا كان دينها أو انتمائها العرقي والطائفي فنحن نؤمن بأن التسامح هو نقطة التقاء البشر مهما تنوعت الديانات أو تعددت الثقافات.
وقالت الدكتورة مها عمر جاد مدير إدارة الثقافة وحوار الحضارات بجامعة الدول العربية إنه انطلاقاً من هذه الرؤية فإنني أتصور أننا أصبحنا في حاجة ماسة لتنسيق جهود العمل العربي المشترك بين كافة الفاعلين من الجهات الحكومية والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني من أجل وضع خطة استراتيجية عربية للتسامح والسلام تعزز قدرتنا على نشر ثقافة التسامح ومكافحة الإرهاب وممارسات الكراهية والتشدد .
ولفتت إلى أن الأمانة العامة للجامعة العربية تتعاون مع المجلس العالمي للتسامح في إطار مذكرة التفاهم المبرمة بين الأمانة العامة لجامعة الدول العربية والمجلس والتي أثمرت عن إعداد وصياغة الإعلان العربي للتسامح والسلام المقرر إطلاقه هذا العام.
وأكدت أن جامعة الدول العربية تسعى لمعالجة مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية التي تواجه المجتمع العربي واضعة أهداف خطة التنمية المستدامة لعام 2030 نصب عينيها وخاصة الهدف السادس عشر والذي يدعو إلى العمل على بناء مجتمعات متماسكة شاملة ومسالمة، وذلك بما يضمن تحقيق العدالة للجميع وبناء مؤسسات فاعلة ومسؤولة على كافة المستويات، وذلك إيماناً بأن هذا الهدف تحديداً يمثل صمام الأمان لاستدامة كافة محاور التنمية.
وأشارت إلى أن العمل على بناء مجتمعات متماسكة ومسالمة يمثل مسؤولية مشتركة للمؤسسات الدينية والتشريعية والتربوية والثقافية والإعلامية، تلك المؤسسات التي تقدم روافد الفكر للمجتمع العربي وتسهم في بناء الإنسان العربي الواعي بقضايا وطنه والقادر على المساهمة في حلها، فدور المؤسسات الدينية في تصحيح الكثير من المفاهيم المغلوطة لدى الشباب، ودور المؤسسات التشريعية في تطوير القوانين الوطنية التي تكافح ممارسات الكراهية والعنف وتعاقب مرتكبيها، ودور المؤسسات التربوية في تعليم أبنائنا قيم التسامح، ودور المؤسسات الثقافية في إحياء التراث الثقافي العربي المشترك الذي يمكننا من مجابهة تحديات الاندماج الثقافي، ودور الإعلام في حماية السلام المجتمعي.
وقالت "هذه كلها أدوار يجب أن تتكامل في منظومة عمل واحدة هدفها تماسك نسيج المجتمع العربي.
و أضافت وإن كانت هذه الأدوار تتكامل من أجل الحفاظ على حالة السلم والاستقرار واستدامة التنمية في الكثير من الدول التي حققت معدلات متفاوتة من التنمية، فإن الدور الأخطر هو الحالة في دول ما بعد الصراع. تلك الدول التي مزقتها النزاعات ودمرت بنيتها التحتية.
وأردفت قائلة إنه عندما نتجه إلى إعادة إعمار هذه الدول يجب أن ندرك يقيناً أن بناء البشر أهم وأولى من بناء الحجر وبناء السلام في هذه الدول ومساعدة شعوبها على التعافي واستعادة الثقة يتطلب الكثير من الجهد والعمل، ولذا فإن وضع برامج نشر قيم التسامح بين أبناء هذه الشعوب يجب أن تكون أحد أهم بنود مشروعات إعادة الإعمار.
وأشارت إلى أنه في هذا الإطار، أولت جامعة الدول العربية اهتماما بالغا بقضايا الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان، كما تدعو دائما إلى ضرورة إقامة جسور التواصل والتفاعل بين أتباع الحضارات المختلفة بما يحول دون الصدام أو المواجهة، وتسليط الأضواء على القواسم المشتركة بين مختلف الحضارات وذلك لخلق فضاءات مشتركة ومكافحة الظواهر السلبية مثل ظاهرة التطرف والتعصب بكافة صوره، والتصدي لظاهرة ازدراء الأديان والرسل، مرتكزين في ذلك على ضرورة فتح الحوار باعتباره السبيل الوحيد لترسيخ ثقافة السلام وتحقيق التعايش السلمي بين الشعوب ونبذ الكراهية وسوء الفهم والتشويه المتبادل للثقافات والحضارات المختلفة.
وقالت إنه في هذا الإطار تلعب جامعة الدول العربية دورا مهما في بلورة مفهوم متوازن للحوار بين الثقافات والتعايش بين الأديان وتحالف الحضارات مؤكدة في ذلك على ضرورة الالتزام بمبدأ الاحترام المتبادل والعدل والإنصاف ونبذ الكراهية والتعصب والتمييز العنصري.
واختتمت كلمتها بالشكر للحضور على استجابتهم للمشاركة في هذه الندوة الهامة متمنية لكم كل التوفيق، كما تقدما بالشكر لدولة الإمارات العربية المتحدة الحاضنة للتسامح والتعايش والسلام والشكر موصول للمجلس العالمي للتسامح والسلام على جهوده المقدرة في نشر قيم ومبادئ التسامح ونشر ثقافة السلام. والسلام عليكم ورحمة وبركاته
من جانبه، قال الدكتور سلامة داوود رئيس جامعة الأزهر إن الأديان السماوية تنبع من مشكاة واحدة ، وتستقي من معين واحد، هو معين الوحي الإلهي، ولذا اجتمعت كلها من أجل رفعة الإنسان والسمو بأخلاقه وسلوكه و اتفقت كلها على المعاني الإنسانية النبيلة مثل الرحمة والعدل والصدق والتسامح والتكافل والحرية واحترام الآخر والرفق بالصغير وتوقير الكبير، ونحو ذلك، فهذه القيم الإنسانية محمودة في كل دين ، لأنها تتفق مع الفطرة السليمة التي فطر الله الإنسان عليها.
واضاف قائلا "والكذب والخيانة والغدر والظلم وازدراء الآخر وأكل حقوق الناس مذمومة في كل دين لأنها تتعارض مع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، والشاعر الجاهلي القديم قال : (لا يذهب العرف بين الله والناس ) فالخير يبقى خيرا، والشر ليبقى شرا ، لا يلتبس أحدهما بالآخر كما لا يلتبس الليل بالنهار، أو كما قال الرافعي "ولن يأتي على الناس زمان يذكر فيه إبليس فيقال رضى الله عنه" .
وقال ان إحصاء القيم المشتركة بين الأديان السماوية كإحصاء نجوم السماء وقطرات البحار، ولذا أوجب الله تعالى على هذه الأمة المحمدية الخاتمة الإيمان بجميع الرسل وبجميع الكتب السماوية فقال جل وعلا : (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير).
وأضاف أنه في مثل هذا اليوم الرابع من شهر فبراير عام ٢٠١٩ وقع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وقداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان وثيقة الأخوة الإنسانية في أبوظبي بدولة الإمارات الشقيقة، بحروف من نور وكان هذا حدثا سجله التاريخ لأنه يجمع شمل الأمم ولا يفرقها ويلم شملها، ويقوى أواصر القربى بينها، مع احتفاظ كل أمة بخصائصها المميزة.
وقال "لقد كانت هذه الوثيقة النبيلة بمثابة دستور للمبادئ النبيلة والأخلاق السامية في هذا العصر الذي لوثت خريطته بكثير من شلالات الدماء والحروب والصراعات وعدوانية القوي المتغطرس على الضعيف.
وتابع : "وليس ما يدور في أرض غزة وأوكرانيا والسودان وليبيا وسوريا واليمن عنا ببعيد".
وقال إن الأديان السماوية تدعو كلها إلى الرحمة والتسامح والعفو إذ قال جل وعلا ( فاعف عنهم واصفح)
وأكد رئيس جامعة الأزهر أن الاسلام انتشر بالرحمة والرفق والعدل لا بالسيف والعنف والكراهية ، وقد قصر القرآن الكريم الكريم رسالة الرسول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على شيء واحد ألا وهو الرحمة، فقال (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ).
وقال إن جامعة الدول العربية هي بيت العرب الكبير ، وأتوجه إليها بالشكر لاحتضانها هذا الحدث الكبر، مشيرا إلى ان الأخوة الإنسانية صارت مادة علمية تدرس وتقام حولها موائد من الحوار والمناقشات بل وتسجل فيها الرسائل العلمية.
وأضاف قائلا وأنه ومن بيت العرب الكبير ( جامعة الدول العربية ) أدعو إلى حقن دماء والمسلمين وغير المسلمين المنتشرة على رفعة العالم كله ، إنني أنادي كل ضمير إنساني أن ويجتمعوا على نبذ الكراهية ووقف شلالات الدماء.