منذ أن بدأت عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، التي أسفرت عن وقوع الآلاف من القتلى والجرحى في صفوف الإسرائيليين بعدما أطلقت حماس ما يقرب من 5000 صاروخ من غزة نحو إسرائيل، ليقع الكثير من الأسرى في قبضة حماس، ما نتج عنه قصف بشكل كامل من الجانب الإسرائيلي صوب غزة ليروح ضحيته الآلاف من الشهداء، فلم ترحم إسرائيل أحدا في غزة ولا تبالى أيا كان هذا مريضا أو لا فالقصف يتم بشكل مستمر على المستشفيات والمباني والأهالي دون رحمة.
إسرائيل تحاول تهجير الفلسطينيين من بلدهم، فهي تحاول بشتى الطرق تحقيق أطماعها بأي وسيلة كانت وقوتها في تحقيق أهدافها هي المجازر التي ترتكبها في حق الشعب الفلسطيني، فخلال الأيام الماضية رأينا جنوب أفريقيا في شكواها ضد إسرائيل واتهامها لها بارتكاب المجازر في حق الفلسطينيين، لتقضى محكمة العدل الدولية باتخاذ إجراءات لمنع ارتكاب المجازر التي ترتكبها إسرائيل.
صفحات الأدب تكشف دائما الواقع المرير الذي يعاني منه الفلسطينيون ومدى تعرضهم للظلم والطغيان ومن ذلك نرى الدكتور أحمد فؤاد أنور في كتابه "الأدب العبري شاهد على العصر" الصادر عن الهيئة العامة للكتاب يقدم أهداف اليهود وكيف يخططون في تحقيق غايتهم المنشودة عند العرب بشتى الطرق.
يقول الدكتور أحمد فؤاد أنور في هذا الكتاب إن الصهاينة الأوائل أدركوا منذ وقت مبكر أن مهمتهم الرئيسية لا تتمثل في مجرد تأسيس وطن قومي وأن مهمتهم الأصعب هي خلق إنسان جديد وهوية جديدة بعد أجيال طويلة لم تجد غضاضة في التبعية والذوبان أو الاستسلام لحملات الكراهية، وحتى اللجوء للعنف في مواجهتهم وطردهم من بلد لآخر، لذا سعى المنظرون الصهاينة لتربية النشء على الارتباط بـ"أرض إسرائيل"، وعلى تقدير الأهمية القصوى للقوة العسكرية، وعلى العداء المطلق للعرب أصحاب الأرض. وإعلاء قيمة العمل.
وبيّن "أنور" أن التوجه عندهم منذ اللحظة الأولى للأطفال بصفتهم التروس المستقبلية في ماكينة بناء الشخصية الجديدة والمجتمع الجديد، فالدولة ترتكز على أرض وشعب وحكومة، والحلقة الأضعف في هذه المعادلة هي الشعب نظرا لأنه مستورد من بقاع شتى، لكل منها ثقافتها وانحيازاتها، والمهمة الأولى بالتالي كانت غرس سمات الصهيونية في نفس الطفل لتبرير العنف، والاستيطان.
وكان المخطط من البداية يتمثل في خلق مواطن جديد نافع لدولته ومرتبط بتاريخه، ورافض للخنوع للمصير المحتوم، ومتطلع لدولة عصرية قوية يشارك في تأسيسها، ولا يتردد في أن يضغط على الزناد حين يصدر له الأمر بذلك، لذا سعت الكتابة الصهيونية للأطفال إلى رسم خط سير ومنهاج حياة، وأولويات وانحيازات الأطفال جيل كامل ينقل ما تأثر به ومنهم مشاهير الكتاب وساسة وآباء.
وأوضح أنور أن الاهتمام الصهيوني المبكر كان بالكتابة للأطفال في ظل إمكانية نفاذها للطفل حتى قبل أن يجيد القراءة من خلال تلاوة مضمونها ومحتواها عليه عبر وسيط أكبر سنا عادة ما يكون من أقارب الدرجة الأولى، ويمكن على نفس المنوال أن يتم تناقل مضمونها شفاهة بين الأطفال بعد إعادة صياغتها، أو بالأحرى تحريفها وفقا لمدى الفهم وقدر المخاوف وعمق الثقافة.
وعلى الخاضعة لها، أن تستخدم الكتابة للأطفال لتحقيق أغراضها ومراميها وهو ما يتحقق أيضا من خلال النشر في صحف مخصصة للأطفال، تربط الطفل بالوجبات الفكرية التي تقدمها له بشكل متواصل لتتحول بالتدريج جزءًا أساسيا من هويته وكيانه مستغلة الفراغ المعلوماتي والقيمي داخل عقل ونفس المواطن تحت التأسيس.
يشير "أنور" إلى أن الصهاينة في جميع الأحوال يبثون في أبنائهم وأحفادهم من جديد نفس الأفكار والقصص والمقالات والأخبار التي تأثروا بها في طفولتهم أو على الأقل يعيدون تدويرها في قوالب جديدة، أي أن هذه الصحف قد أرسلت رسائل وسعت لإرساء مفاهيم لها تأثير تراكمي على الجبل الذي قرأ والأجيال التي تلته.
وتتعاظم أهمية دراسة هذا الإنتاج وتوجهاته لكونه لم يحظ من قبل باهتمام الباحثين تصهر فيها أطفال من خلفيات ثقافية مختلفة باعتبارهم أبناء مهاجرين على الرغم من أن صحافة الأطفال الصهيونية العبرية سعت مبكرا لتلك الناحية.
وذكر أنور أن هناك بعض الدراسات السابقة ما تناول فترة زمنية وأعمال أدبية مباشرة، من أبرزها دراسة للدكتور جمال الرفاعي تحت عنوان «أدب الأطفال المصري وعنصرية أدب الأطفال الإسرائيلي، حلل فيها مضمون عدد من القصص الصادرة في إسرائيل في السبعينيات، ودراسة للدكتورة أسماء غريب بيومي تحت عنوان: "التربية السياسية في أدب الأطفال - دراسة مقارنة بين مصر وإسرائيل".
وكما هو واضح كان الاهتمام في كلتا الدراستين منصبا على الأدب العبري وليس تحليل مضمون الصحافة، ومع ملاحظة أن الإصدارات الصحفية العبرية اتسمت بالغزارة بشكل تواكب مع الدعوة للأفكار والمخططات الصهيونية، واهتم كبار الأدباء مثل "نحمان بياليك" بكتابة الشعر للأطفال.
وفي نفس الوقت اهتمت الدوائر الصهيونية برصد أنشطتها وتاريخها فنجد أن دائرة معارف الصحافة العبرية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر شملت إصدارات في ٦٣ مدينة في مختلف أرجاء العالم، وقد اهتمت حتى بإصدارات لم تنتظم.