انخفض عدد المحتجزين داخل مخيم الهول بالحسكة السورية بنسبة ملحوظة بعد عدة جهود دولية لاستعادة الدول الأجنبية مواطنيها من المخيم الموبوء بالعنف والإرهاب وصعوبة الحياة بداخله، خاصة وأنه يضم عوائل تنظيم داعش الإرهابى من النساء والأطفال، ويقع تحت حماية قوات سوريا الديمقراطية "قسد" والإدارة الذاتية للأكراد فى شمال شرق سوريا، المدعومتين من قوات التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
إلى جانب الرغبة فى تفكيك المخيم وتسليم ساكنيه إلى بلادهم، فإن قوى الأمن الداخلى التابعة لقسد، أطلقت المرحلة الثالثة من العملية الأمنية "الإنسانية والأمن" بهدف تفكيك الخلايا الداخلية التابعة للتنظيم الإرهابى التى تنتظر هجوما محتملا، يخطط له "داعش" مستغلا انشغال "قسد" بزيادة التوترات بينها وبين المناطق الخاضعة تحت سيطرة تركيا، وزيادة التوترات بشأن ما تقوم به بعض الفصائل المسلحة تجاه القواعد العسكرية الأمريكية فى المنطقة.
ووفقا لآخر تحديث نشره التحالف الدولي، فإن عدد المحتجزين داخل المخيم انخفض ليصل إلى ٤٣.٤٤٦ نسمة، وأن نسبة من خرجوا حتى نهاية عام ٢٠٢٣ وصل إلى ٩٠٧٠ نسمة، وأنه خلال نفس العام تم إعادة ما يقرب من ألف عائلة إلى العراق، بينما خرج من مركز الجدعة العراقى للتأهيل أكثر من ألفى شخص، أُعيد توطينهم داخل مجتمعاتهم من جديد، إذ إن غالبية المحتجزين بالمخيم من أصحاب الجنسية السورية والعراقية إلى جانب عدة جنسيات أجنبية مثل روسيا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وغيرها.
تعانى "قسد" من أعباء ضخمة جراء وجود مثل هذه المخيمات على أراضيها، فهى أولا تعد مركزا لتربية وتنشئة الأطفال على فكر داعش الإرهابي، وفى الوقت نفسه هو مصدر للعنف ونشاط خلايا تستعد لهجوم داعشى من الخارج لتساعده هى من الداخل، إلى جانب أنه هدف ثمين بالنسبة للتنظيم الإرهابى الذى يسعى بشتى الطرق لاستعادة نسائه المحتجزات داخل المخيم.
فى أول أيام العملية التى انطلقت فى نهاية يناير الماضي، ضبطت قوات الأمن الداخلى معدات عسكرية بحوزة محتجزات تابعات لتنظيم داعش الإرهابى فى مخيم الهول بالحسكة شمال شرق سوريا. وأفادت شبكة الأخبار العسكرية التابعة لـ"قسد"، فى بيان لها، أن قوى الأمن الداخلى بمناطق الإدارة الذاتية للأكراد تمكنت خلال عملية تفتيش داخل مخيم الهول من ضبط معدات عسكرية وقنابل يدوية وسيوف، عثرت عليها بقطاع المهاجرات داخل المخيم.
تهديدات قائمة
وبحسب تقرير للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب بألمانيا، فإن القضايا التى لم يتم حلها حتى الآن وخاصة قضايا مرافق الاحتجاز ومعسكرات الأسرى فى جميع أنحاء شمال شرق سوريا، بما فى ذلك مخيم الهول، الذي وُصِف بأنه حاضنة للتطرف. تعتبر هذه المعسكرات أيضا أهدافا محتملة للهروب من سجون داعش، وهو هاجس طويل الأمد يعود تاريخه إلى حملة "تحطيم الجدران" التى أطلقها التنظيم. لقد تراجعت هجمات تنظيم داعش بشكل كبير، لكن قادته يعملون على استعادة نفوذه فى المستقبل إذا أصبحت الظروف أكثر ملاءمة.
وحذَّر المركز فى تقريره من مخيم الهول ومخيمات أخرى فى شمال شرق سوريا، لأنها تبقى مصدر تهديد إلى الأمن الإقليمى والدولي. وهذا تطلب من دول المنطقة خاصة العراق وسوريا جلب انتباه العالم من خلال عقد المؤتمرات والمنتديات ومشاركة الأطراف الدولية والأممية لوضح حد لملف مخيمات داعش فى شمال شرق سوريا.
خلايا نشطة داخل المخيم
وشرحت قوى الأمن الداخلي الظروف الموجودة داخل المخيم والتى سعت من أجلها لإطلاق المرحلة الثالثة من العملية "الإنسانية والأمن"، وقال قوى الأمن فى بيان لها، إن الإدارة الذاتية وقواتها الأمنية والعسكرية تحملت خلال الأعوام الماضية كافة الأعباء المتعلقة بمنع تعاظم الخطر الإرهابى فى مخيم الهول وتقليل وحشية العمليات الإرهابية التى تنفذها خلايا التنظيم الإرهابى ضد قاطنى المخيم، على الرغم من تدنى مستوى الاهتمام الدولى والقيام بمسئولياته تجاه هذا الملف الخطير والمتصاعد.
وأضافت فى بيانها أنها خلال الفترة الماضية، عمل التنظيم الإرهابى على زيادة نشاطه وخلاياه ضمن المخيم مستغلًا الظروف الإنسانية وانشغال القوّات العسكرية والأمنية بالتصدى لهجمات الاحتلال التركى ومرتزقة الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، حيث نفذ العديد من العمليات الترهيبية الإجرامية والقتل والضغط على القاطنين وحرق المساعدات الإنسانية ومنع وصولها الآمن إلى داخل المخيم بما فيها اللوازم الطبية.
وكذلك خلق بيئة لتشكيل الخلايا الإرهابية بما فيها زيادة تجنيد وتدريب الأطفال على الفكر المتطرف من قبل نساء التنظيم اللواتى انخرطن بشكل مباشر وممنهج فى محاولات إعادة إحياء التنظيم، إضافة للتخطيط لعمليات الفرار وبث الفوضى فى المخيم لإشغال القوّات الأمنية وعرقلة عملها فى ضبط الأوضاع.
وكشفت قوى الأمن الداخلى فى بيانها أن اعترافات العديد من عناصر الخلايا الإرهابية الذين تم القبض عليهم خلال الفترة الماضية، تشير إلى أن التنظيم الإرهابى قد خطط وبناء على توجيهات من زعيمه للهجوم على المخيم من الخارج بالتنسيق مع تحركات الخلايا فى الداخل، حيث لا يزال مخيم الهول الهدف الأساسى للتنظيم الإرهابى ومادة دعائية معتمدة فى جميع إصداراته ومعرفاته الترويجية.
وتابعت بأنه من أجل مواجهة هذا فإن قوى الأمن الداخلى لإقليم شمال وشرق سوريا وقوّات سوريا الديمقراطية وبزيادة وحدات حماية المرأة، وبدعم ومساندة من التحالف الدولى لمحاربة داعش انطلقت المرحلة الثالثة لعملية "الإنسانية والأمن" فى مخيّم الهول لملاحقة الخلايا الإرهابية لداعش وتجفيف بؤرها والقبض على المطلوبين بمن فيهم منفذو الهجمات الإرهابية والمتعاونين وكذلك المتورطين فى تسويق الأفكار المتطرفة ولا سيما بين الأطفال.
وأكدت، أن قوّات العملية والتى أثبتت جدارتها وانضباطها فى مواجهة الإرهاب خلال سنوات الكفاح الطويلة وقدمت الكثير من التضحيات، تجدد التزامها بقوانين ومواثيق حقوق الإنسان وخاصة تلك التى تنظم آلية التعامل الأمنى مع البيئات التى تتخفى فيها الخلايا الإرهابية وتستغلها للقيام بعملياتها الإرهابية وبشكل خاص فى مخيم الهول، وهى ستقوم بما يقع على عاتقها من عمليات وإجراءات أمنية فورية وطويلة الأمد لإزالة الخطر الإرهابى على المنطقة وسكانها.
نتائج المراحل السابقة
فى المراحل السابقة للعملية "الإنسانية والأمن" وخاصة المرحلة الثانية التى كانت فى سبتمبر ٢٠٢٢، حيث عثرت قوى الأمن الداخلى على أسلحة بيضاء ومعدات عسكرية، كما عثروا على خيمة تستخدمها المحتجزات لإصدار أحكام ضد بعضهن، وفق أحكام التنظيم الإرهابي.
كما عثروا على خيمة أخرى تستخدم لتنفيذ العقوبات، إلى جانب العثور على محتجزات من جنسيات أجنبية يتعرضن لتعذيب نساء التنظيم ويجبرن على الصمت وعدم الشكوى لقوى الأمن الكردية، ومنهن سيدة اختطفها التنظيم فى عام ٢٠١٤ إبان هجومه على الأقلية الإيزيدية بإقليم سنجار العراقي.
أما خارج المخيم، حاليا، فقد نفذت قوات سوريا الديمقراطية عدة عمليات لتعقب خلايا التنظيم الإرهابي، كان آخرها عملية فى دير الزور بالتعاون مع قوات التحالف الدولى أسفرت عن تصفية أحد قيادات التنظيم الإرهابى ويدعى "محمد عطية" وكنيته "أبو محمود"، بعدما حاصرته القوات وطالبته بالاستسلام لكنه رفض النداء وأطلق النار على القوات المحاصرة ما استدعى ردا منها فسقط قتيلا.
وكان الإرهابى مسئولا عن عمليّات الاغتيال فى المنطقة ومشرفا مباشرا عليها، حيث تورط فى استهداف العناصر الأمنية والعسكرية وحتى المدنية العاملة ضمن المؤسسات المدنية التابعة للمجلس المدنى فى دير الزور.