- اتساع فجوة الإنتاج الحيواني وجشع التجار يفاقمان أزمة الأسعار ولا بديل عن إحياء مشروع البتلو
- «الزراعة» توافق على استيراد ١٥٤ ألف رأس عجول.. وشعبة القصابين: ٥٠٪ حجم الركود في سوق اللحوم
أزمة الإنتاج الحيوانى هى القضية الأكثر جدلًا فى ذهن المصريين؛ إثر ارتفاع أسعار اللحوم بشكل جنونى ليجاوز الكيلو جرام الواحد لأكثر من 350 جنيه وسط توقعات قد تصل إلى 500 جنيه خلال الأعياد القادمة "الفطر والأضحى "المباركين.
وهنا يرى الخبراء أهمية الاهتمام بملف الثروة الحيوانية خاصة أن تفاقم الفجوة لأكثر من 40%، وأضافوا أن عمليات الاستيراد للرؤوس الحية قد تقدم حلولا وقتية للسيطرة على الأسعار لكنها لن تعالج المشكلة بدور كبير، وطالبوا بمزيد من الدعم فى منظومة الإنتاج الحيوانى بداية من توفير "رؤوس القناية" والأعلاف والأدوية البيطرية مع رؤوس أموال بدون فائدة ثم التسويق للمربى الصغير الذي يسيطر على 80% من الانتاج الحيوانى للمساهمة فى تقليل الفجوة الغذائية وتحقيق الأمن الغذائي.
نربي بالخسارة
يقول حسين أبو صدام نقيب الفلاحين، هناك ارتفاع فى أسعار التربية والتثمين بداية من شراء العجول فى شهورها الأولى مرورًا بسنوات التربية والتثمين مع غلاء الأعلاف والأيدي العاملة حتى يتم فى نهاية المطاف بيعه للتجار التى تشارك فى الأرباح بما يزيد على ٥٠٪.
وأضاف "أبو صدام": «تتراوح أسعار العجول البقرى لعمر شهر من ١٥ إلى ٢٠ ألفا، والإناث تحت العشر بسعر ٣٠إلى ٤٠ ألف جنيه ـ أما العجول البقرى "القناية" فى سن ٣ أو ٤ شهور فيتراوح من ٤٥ إلى ٥٠ ألف جنيه، كما يحتاج سنتين على الأقل قبل بيعه بشكل نهائي للذبح».
يواصل أبو صدام لـ«البوابة»: تظل الرأس بغرض التسمين فترة ٦ إلى ٧ شهور رضاعة وتغذى على الحشائش ثم يحتاج فترة عامين يتغذى على الأعلاف والتثمين بتكلفة لا تقل عن ١٠٠ جنيه يوميًا بالأسعار الحالية ليكون إجمالى تكلفة السنة نحو ٣٦ ألف جنيه وفى العامين قرابة ٧٠ ألف جنيه يضاف عليه ٥٠ ألفا ثمن الشراء والقناية خلال الـ٦ أشهر الأولى ليكون كلفة الرأس الواحدة حوالى ١٥٠ ألف جنيه.
ويتابع نقيب الفلاحين: «الأكثر غرابة بأن فى حالة البيع للتجار يكون سعر الكيلو قائم بنحو ١٥٠إلى ١٦٠ جنيه فى متوسط أوزان ٦٠٠ أو ٨٠٠ أو ٩٠٠ كيلوجرام ليكون الوسط ٦٠٠ كيلو جرام ليكون الإجمالى ما بين ٩٠ إلى ١٠٠ ألف جنية ما يعنى أن العملية بالأرقام الحسابية تحقق الخسارة والمكسب، وهذا هو السبب الرئيسى وراء عزوف المربى الصغير عن التربية ولكن الفلاحين تنظر إلى المكاسب غير المباشرة من خلال توفير الحشائش والاستفادة من الروث أو تجميع رأس مال مجمد علاوة عن أمله فى تحقيق أسعار تحقق التوازن».
ويواصل "أبو صدام": أن التجار والحلقات الوسيطة تقاسم المربى فى مكسبه أو تجاوزه من خلال شراء الكيلو جرام قائم فى العجل بــ١٥٠ إلى ١٦٠ جنيه ثم بيعه للجزارين بـ٣٠٠ جنيه ليبيعه الأخير للمستهلك الأخير بـ٣٥٠ إلى ٤٠٠ جنيه وهنا يكون مكسب الحلقات الوسيطة ضعف الأرباح ويضيع جهد المربى هباء منثورا، ناهيك عن مخاطر التربية والأمراض التى تصيب الماشية أثناء تربيتها وهنا نحتاج لمنظومة جديدة فى الثروة الحيوانية فى مصر لأن التربية بالخسارة وعزوف المربى الصغير سيؤدى إلى زيادة الفجوة فى البروتين الحيوانى مما يهدد أمننا الغذائي.
الجدير بالذكر أن الحكومة تحاول بشكل مستمر توفير الاحتياجات من اللحوم عن طريق تشجيع المنتج المحلي ودعم المشروع القومى للبتلو، وكذلك تنويع مناشئ الاستيراد وزيادة الافراجات لإتاحة المرونة والمتطلبات خلال الفترة القادمة ومتطلباتها.
وبدوره يقول السيد القصير "وزير الزراعة" واستصلاح الأراضي: فى إطار تنفيذ تكليفات القيادة السياسية تحرص على تعزيز مخزونها الاستراتيجي من اللحوم بإجراء تعاقدات لإمدادات اللحوم من بدائل متعددة من دول جديدة إلى جانب اهتمام الدولة بإطلاق العديد من المشروعات القومية للنهوض بالثروة الحيوانية.
وفى السياق ذاته، وافقت وزارة الزراعة مؤخرًا على استيراد ١٥٤ ألف و٥٠٠ رأس منها ٣٤ ألف رأس عجول للذبيح الفورى من بعض الدول الأفريقية الشقيقة، بالإضافة إلى ١٢٠ ألف رأس عجول للتربية والتسمين من دول متعددة.
ويقول محمد وهبة، رئيس شعبة القصابين: عملية استيراد الرؤوس الحية قد يساعد فى السيطرة على الأسعار بشرط أن تتم عمليات الاستيراد بأسعار مقبولة، علاوة أن الأسعار ليس لها مقياس حسب كل قطعة فى الذبيحة تبدأ من ٢٨٠ جنيها للكيلو فى مناطق البطن "الملبسة" وصولًا إلى ٤٠٠ جنيه فى القطع المميزة مثل "عرق الفلتو".
وأضاف وهبة لـ«البوابة»: هناك ركود بشكل كبير يصل إلى ٥٠٪ منذ أكثر من عام بسبب الغلاء الأخير وهذا بشكل عام على جميع الجزارين "القصابين" على مستوى الجمهورية، ويجب علينا الاستيراد بأسعار مقبولة ومناسبة حتى يكون لها انعكاس على المستهلك الأخير، علاوة على أن تكلفة التربية للرؤوس الحية غالية بسبب الأعلاف وتوفيرها بأسعار مناسبة مهم بشكل كبير.
ويواصل "وهبة: نستورد اللحوم السودانى بأسعار رخيصة، وهناك من أيرلندا وإسبانيا وجنوب البرازيل والمقياس الأهم هى الأسعار وتظل اللحوم البلدية هى الأكثر إقبالًا وطلبًا ولكنها متاحة بأسعار غالية وقد يجاوز الكيلو من اللحوم البلدية خلال عيد الأضحى المبارك إلى ٥٠٠ جنية بسبب غلاء الأعلاف ونأمل فى السيطرة على الأسعار.
وعلى الجانب الآخر، أكد وزير الزراعة واستصلاح الأراضى على اهتمام الحكومة البالغ بزيادة الافراجات لتوفير الأعلاف مما كان له الأثر الإيجابى فى خفض أسعار الأعلاف اللازمة للثروة الحيوانية والداجنة.وبدوره أكد المهندس مصطفى الصياد نائب وزير الزراعة للثروة الحيوانية والسمكية والداجنة، التى اتخذت اللجنة الاستيرادية المشكلة بقرار رئيس مجلس الوزراء مجموعة قرارات خلال العام الماضي أثرت بشكل إيجابى على توفير الأعداد المناسبة لاحتياجاتنا الفعلية من رؤوس الحيوانات الحية المطلوب استيرادها بدون حدوث أى نقص فى الاحتياجات للمواطنين رغم الأحداث العالمية التى شهدها العالم.
٤٠٪ فجوة فى الإنتاج الحيواني
من ناحيته يقول الدكتور شعبان درويش" الخبير البيطري" ومدير مجازر السويس سابقًا: الفشل فى ملف الإنتاج الحيوانى سبب فجوة تزيد على الـ٤٠ ٪ ما بين الاستهلاك والإنتاج المحلي ووصلت أسعار الكيلو جرام من اللحوم إلى ٤٠٠ جنيه بدلًا من ١٠٠ جنيه ما يعنى تضاعف الأسعار بنحو ٣٠٠٪ وهنا يدق ناقوس خطر ويجب علينا العودة للتخطيط وإعادة قراءة المعطيات فى ملف الزراعة عمومًا.
وأضاف درويش لـ«البوابة»: جزء من المشكلة يرجع إلى جشع كبار المربين الذى تتكون مزارعهم من ٥ إلى ٧ آلاف رأس خاصة أن الأعلاف تتوافر لديهم ولديهم الذرة والسلاج وكل ذلك يتم فى "مكمورات" لـ٦ أشهر علاوة عن أن العجول للتربية مهجنة وخليط عن طريق ولادة الإناث وهنا يسعى المربى الكبير إلى مضاعفة الأرباح دون النظر إلى المستهلك الأخير، كما تقسم الفجوة إلى ثلاثة أجزاء أولها الاستيراد من الخارج سواء عجولا للذبيح الفورى أو بغرض التربية والثانى استيراد اللحوم المجمدة يثم الثلث الأخير يرجع لكمية الإنتاج المحلى.
ويواصل "درويش: لابديل من دعم المربى الصغير الذى يسيطر على ٨٠٪ من الثروة الحيوانية فى مصر ولكن لن يتم دعمه بمشروعات وهمية أو تصريحات تليفزيونية لا جدوى منها بل علينا عمل مشروعات بتقديم قروض بدون فائدة وتسليمها لمربى الصغير علاوة عن التوسع فى زراعة الذرة الصفراء والشامية لتحويلها إلى أعلاف والبحث فى عمل استثمارات فى التوسع فى مصانع للأعلاف على جميع أنحاء الجمهورية لتوفيرها بأسعار معقولة علاوة عن الخطوة الأهم هى التسويق وشراء الرءوس قبل توزيعها عمليات الذبح تمهيدًا قبل المستهلك الأخير.
إحياء البتلو
فى إطار المبادرة الرئاسية" حياة كريمة" لتطوير الريف المصرى مولت الدولة المصرية المشروع القومى لإعادة إحياء البتلو، حتى الآن أكثر من ٧.٧ مليار جنيه لحوالى لأكثر من ٤٢ ألف مستفيد، لتربية وتسمين ما يقارب نصف مليون رأس ماشية سواء كانت عجولا لإنتاج اللحوم أو عجلات عالية الإنتاجيه، لتوفير المزيد من اللحوم والألبان
وبحسب المعلومات المنشورة على المشروع يستهدف المشروع دعم صغار المزارعين والمربين والمرأة المعيلة وشباب الخريجين فى إطار حرص الحكومة على رفع العبء عن الفلاح المصرى وخلق فرص عمل جديدة وعودة القرية المنتجة وزيادة اللحوم الحمراء.
حماية الثروة الحيوانية
حققت مصر إنجازات مهمة فى مجال الطب البيطري، وحماية الثروة الحيوانية، ففى مجال التحسين الوراثى للإنتاج الحيواني، تم تحسين السلالات فى أكثر من مليون رأس ماشية، كما تم إنشاء ٦٠٠ نقطة تلقيح اصطناعى بالوحدات البيطرية وتجهيزها بالأجهزة المطلوبة لتنفيذ إجراءات التلقيح الاصطناعى فى القرى بالمحافظات المختلفة خاصة لصغار المزارعين والمربين.
علاوة عن تنفيذ القوافل البيطرية المجانية التى تجوب كل محافظات الجمهورية لعلاج مواشٍ بقرابة ٣ آلاف قافلة بيطرية فى كل قرى مصر، كذلك تمت زيادة الطاقة الإنتاجية للقاحات البيطرية من ١٢٠ مليونا إلى ٢ مليار جرعة سنويًا، والسيطرة على الأمراض والأوبئة مثل مرض الحمى القلاعية والوادى المتصدع.
ويقول الدكتور حسن هيكل، الخبير الاقتصادي: الاستيراد هو الحل الأسرع لسد الفجوة فى البروتين الحيوانى التى تقدر بنحو ٢٠٪ فى الثروة الحيوانية، والحل الأسهل كمحاولة للتصدي لكبح الأسعار المتوقعة خلال فترة عيد الأضحى المقبل، ومن المعروف أن الإنتاج الحيوانى يعتمد بنسبة ٨٠إلى ٨٥٪ مربى صغير ولكن كل الحكومات السابقة كانت تقدم التسهيلات للمزارع الكبيرة التى تتبع لرجال الأعمال منذ انهيار مشروع البتلو الذى كان يغطى احتياجات مصر من اللحوم بنسبة ١٠٠٪ وحقق فائضا للتصدير إبان حرب الخليج فى التسعينيات وقتها صدرت مصر لحومها إلى دول الخليج.
وأضيف هيكل لـ«البوابة»: توقف المشروع بسبب خلافات بين وزارتى "الزراعة" و"التموين" فى ذلك الوقت حيث كانت مسئولية وزارة التموين على تسويق ما تحصل عليه من وزارة الزراعة ووقتها أخطرت وزارة الزراعة أن ثلاجاتها مكدسة باللحوم وأنها ليست بحاجة لأية كميات إضافية حتى توقف المشروع.
وأوضح، أن تفاصيل المشروع كانت تعتمد بشكل أساسي على المُربى الصغير حيث كان يتم على تربية رأس العجل منذ ٦٠كيلو جراما حتى يصل إلى ٢٠٠ كيلو جرام ثم ينقل بعد إلى مزارع كبيرة ليصل وزنه بعد التثمين إلى ٤٠٠ كيلوجرام، وبالتالى تحقق الانتاج الاقتصادى من اللحوم من مشروع اللحوم الذى بدأه الدكتور حيدر عون فى محافظة المنيا فى منتصف الثمانينات من القرن الماضي.
يواصل "هيكل": تحقق المشروع وقتها نجاحًا منقطع النظير لاعتماده على قيام الجمعيات الزراعية على توفير الأعلاف على المربى الصغير خصمًا من المقابل الذى سوف يحصل عليه عند توريده لرأس العجل عند بعد تمام وصوله إلى الوزن المطلوب وهنا كانت العملية تتم بسهولة ويسر ونجاح منقطع النظير، أما مافيا اللحوم بدأت فى الاكتفاء وتقلص حجم الاستيراد وانخفضت أسعار اللحوم البلدية ذات المذاق المفضل لدى المصريين وهناك مافيا تسعى دائمًا لتحقيق أكبر ربح ممكن وتجد فى الاستيراد سوقا رائجة لها تسببت فى انتشار الكثير من الأمراض للثروة الحيوانية فى مصر.
كما تقدر قيمة اللحوم المجمدة وفقًا للإحصاءات الصادرة على الجهاز المركزى للتعبية والإحصاء إلى ما يزيد على مليار جنية قبل ٢٠١٦ قبل التعويم علاوة عن استيراد أكثر من ٢٠٠ ألف رأس حية بقيمة تتراوح من ١٥إلى ٢٠ مليار جنيه بين "المجمد والحية" وهذه السوق الضخمة بما فيها من أرباح يجعل هناك مافيا الاستيراد التى تسعى دائماَ للمشروعات للمربى الصغير وتقديم الدولة التسهيلات إلى المربى الكبير الذى يقوم بالإنتاج لأكثر من ١٥ إلى ٢٠٪ فقط.
ويكمل هيكل: «ويضاف لذلك فشل مشروع إحياء سلالات للخراف البرقى فى مرسى مطروح وكلها مشروعات فاشلة ولم تأت ثمارها بشكل كبير وما نطالب به هى إعادة إحياء مشروع البتلو كما وضع أساسياته الدكتور حيدر عون وللأسف كل المحاولات اللاحقة التى قامت بها الحكومة لإحياء مشروع البتلو هى مشروعات للتمويل للمشروعات الكبيرة وليس دعمًا للمربى الصغير. خاصة أن المربى الصغير بثقافته وفكره لا يفضل التعامل مع البنوك وإنما مع الجمعيات الزراعية التى كانت توفر له رءوس الماشية بشكل مباشر وحتى لا يتم ذبح الإناث أو العجول فى أوزان صغيرة لعدم قدرته على الأعلاف كانت الجمعيات تقدم له الأعلاف سلفة».
واختتم «هيكيل»، "لكن تعرض المربى الصغير للكثير من المحن الاقتصادية عقب الاستيراد من ناحية انتشرت الأمراض أيضَا لأنه فى حالة عدم تطبيق إجراءات الحجر الصحى بشكل دقيق وقوى فتنقل الكثير من الأمراض التى تصيب الثروة الحيوانية وهنا لا بديل من تشديد إجراءات الحجر الصحى والذبح فى المجازر الحدودية مثل العين السخنة هو الذى يضمن عدم انتقال الأمراض إلى الرؤوس الحية على المستوى المحلى لأنها تنتقل عن طريق روث البهائم من الأمراض الخطيرة التي أصابت الثروة الحيوانية فى مصر".