لم تكن المرة الأولى التي تحصل عليها الباحثة المسرحية الدكتورة منى عرفة بجائزة البحث العلمي المسرحي في مهرجان المسرح العربي، فالأولى كانت في عمان في العام 2020، والثانية في بغداد هذا العام 2024، ضمن فعاليات الدورة الرابعة عشر من مهرجان المسرح العربي.
وقد حملت المسابقة العربية للبحث العلمي المسرحي لعام 2023 في نسختها الثامنة عنوان: ''الخصوصية الفكرية والجمالية في التجربة المسرحية النسوية" من خلال دراسة نموذج تطبيقي على تجربة مسرحية معاصرة لواحدة من سيدات المسرح العربي، والتي نظمتها الهيئة العربية للمسرح.
حرصت "عرفة" على تقديم عمل بحثي نسوي لا ينظر إلى الماضي بقدر ما يتطلع إلى المستقبل، فهذا البحث معني بدراسة النص المسرحي "جنون عادي جدًا" وتحليله، بعد أن وجدت فيه طرحًا غير نمطي للرجل وللمرأة على حدٍ سواء.
التقت «البوابة نيوز» الباحثة المسرحية الدكتورة منى عرفة مدرس الدراما والنقد المسرحي بكلية الآداب بجامعة عين شمس، للحديث عن الجائزة والبحث الفائز، ودور البحث العلمي في مجال المسرح إلى نص الحوار...
* ماذا تمثل لك جائزة البحث العلمي في مهرجان المسرح العربي؟
- جائزة الهيئة العربية للمسرح عن مسابقة البحث العلمي المسرحي، هي جائزة مرموقة يتوق إليها الباحثون المسرحيون من مختلف دول الوطن العربي، ويتنافس عدد كبير للحصول عليها سنويًا، لذا فحصولي عليها للمرة الثانية هو أمر يسعدني للغاية بالطبع.
* كيف ترين المنافسة هذا العام؟
- لقد ضمت المسابقة هذا العام مجموعة متميزة من الأبحاث العلمية المسرحية المندرجة تحت الناظم العام للمسابقة، وهو تقديم عمل بحثي عن تجربة مسرحية لواحدة من سيدات المسرح العربي، وقد تشكلت لجنة التحكيم من قامات علمية منتسبة لجامعات عربية عريقة، وهن: الدكتورة منتهى طارق من "العراق"، والدكتورة جميلة بنت مصطفى الزقاي من "الجزائر"، والدكتورة ميسون علي من "سوريا"، اللاتي تحملن مشقة قراءة جميع الأبحاث المشاركة في المسابقة، وأشرن إلى صعوبة الاختيار بين تلك الأبحاث المتميزة، سواء على مستوى الاختيارات الأولية أو على مستوى تحديد المراكز الثلاثة للفوز، ثم أعلن بكل شفافية وأمانة علمية عن فوز الأبحاث الثلاثة للباحثات أمينة بنت أحمد دشراوي من "تونس" عن بحثها "من شعرية الجسد إلى جمالية الصورة وتجاوز الحدود قراءة في مسار الكوريغراف نوال إسكندراني"، وفاطمة أكنفر من "المغرب" عن بحثها "الدراماتورجيا النسوية نحو تأنيث الفرجة المسرحية الانفلات الجمالي والعمق الفكري في تجربة نعيمة زيطان"، ومنى عرفة من "مصر" عن بحثها "تمثيل الآخر من منظور ما بعد النسوي مسرحية جنون عادي جدًا نموذجًا"، ليؤكدن على تميز تلك الأبحاث واستحقاقها الفوز بجائزة الهيئة العربية للمسرح.
*"تمثيل الآخر من منظور ما بعد النسوي مسرحية جنون عادي جدا نموذجا" عنوان البحث الفائز بجائزة البحث العلمي المسرحي.. حدثينا عن البحث وفكرة تنفيذه؟
- قبل الشروع في اختيار الفكرة البحثية كنت حريصة على تقديم عمل بحثي نسوي لا ينظر إلى الماضي بقدر ما يتطلع إلى المستقبل، ولذلك اخترت موضوع تمثيل الآخر من منظور ما بعد نسوي، بعد أن لاحظت أن معظم الأعمال المسرحية النسوية المصرية والعربية على حدٍ سواء تطرح إما تمثيلًا نمطيًا للمرأة الضعيفة المقهورة، أو تمثيلًا ثوريًا للمرأة القوية القادرة على الإطاحة بالرجل ورد الصاع له صاعين، وهو ما يعني أن تلك التمثيلات رغم اختلافها كانت تؤكد بشكل مباشر أو غير مباشر على حتمية الصراع بين الجنسين، لكن مسألة حتمية الصراع بين الجنسين هي مسألة ترفضها التيارات النسوية الأحدث مثل تيار ما بعد النسوية، الذي يدعو إلى التناغم والتآلف وتبديد الانعزال بين الرجل والمرأة، ولذلك وقع الاختيار على نموذج مسرحي يتبنى أفكار ما بعد النسوية هو النص المسرحي "جنون عادي جدًا" لكاتبته المصرية مروة فاروق.
* لماذا تم اختيار مسرحية "جنون عادي جدًا" نموذجًا للبحث الفائز؟
- هذا البحث معني بدراسة النص المسرحي جنون عادي جدًا وتحليله، بعد أن وجدت فيه طرحًا غير نمطي للرجل وللمرأة على حدٍ سواء، وذلك عبر رفضه إعادة تمثيل الأدوار التقليدية للرجال والنساء بالشكل الذي طرحته أغلب الأعمال المسرحية النسوية، إذ سلكت كاتبته مروة فاروق مسلكًا مختلفًا في فضح الممارسات القمعية للنظام الأبوي، بتصويرها أثر تلك الممارسات على الرجال والنساء على حدٍ سواء.
وهو ما يؤكد أن تلك الممارسات القمعية ليست حكرًا على النساء فحسب، كما يؤكد إصرار الأنظمة الأبوية على استمرار التراتبيات الهرمية التي تضع الجنسين في مرتبتين مختلفتين، بحيث يغدو تلاقيهما مستحيلًا، فالالتزام بالقوالب الجندرية يعني سيادة هيمنة الرجل على المرأة وهو ما يضمن عدم اتحادهما، كما يضمن من ناحيةٍ أخرى سهولة إخضاع كليهما لنظام السلطة.
* ما هي أبرز الجوائز العلمية التي حصلت عليها؟
- حصلت على جائزة الهيئة العربية للمسرح في مسابقة البحث العلمي المسرحي لعام 2019، وقد تم تكريمي وسط كوكبة من المسرحيين العرب ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي 2020 في العاصمة الأردنية عمّان، ثم تكرر فوزي وتلقيت الدعوة مرة أخرى للتكريم هذا العام ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي في العاصمة العراقية بغداد.
* هل ترين أن البحث العلمي المسرحي مظلوم بين العلوم الأخرى؟
- بكل تأكيد؛ إذ يُعامل دون مبرر بالاستخفاف الشديد، لذا علينا إعادة الوعي بأهمية الأبحاث العلمية المسرحية، وذلك لأن النقد المسرحي جزءًا لا يتجزأ من العملية الإبداعية وتطوير هذه العملية مرهون بالاهتمام بالكتابات النقدية والاستفادة من النتائج العلمية التي تخلص إليها.
* ما رسالتك لشباب الباحثين المقبلين على المسابقات المسرحية في مجال البحث العلمي؟
- رسالتي لزملائي من الباحثين في المجال المسرحي هي الالتزام بمناهج البحث العلمي عند كتابة بحوثهم العلمية، علاوة على التزام الحياد والدقة في البحث العلمي المسرحي حتى تخرج بحوثهم في صورة تليق بالقارئ العربي، وتثري حقل الإنتاج الفكري العربي، وتضمن لهم الفوز في المسابقات العربية والعالمية على حدٍ سواء.