الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

نائب رئيس هيئة المحطات النووية الأسبق: مفاعل الضبعة صمم وفقا لأعلى معايير السلامة العالمية.. ويضمن لمصر السيادة في مجالي الطاقة والتكنولوجيا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في خضم أزمة الطاقة وتحديات تغير المناخ التي يشهدها العالم حاليًا يأتي مشروع محطة الضبعة النووية في مصر في طليعة المشاريع التي يمكن من خلالها استقراء مستقبل الطاقة في العالم. بل ويسابق هذا المشروع الزمن لضمان سرعة تنفيذه بأعلى معايير السلامة والأمان النووي بالتعاون مع شركة روساتوم الروسية الحكومية. فقد تم مؤخراً صب "الخرسانة الأولى" في المجموعة الرابعة التابعة لمحطة الطاقة النووية المصرية، وبالتالي يمكن القول بأن مصر تتجه بثقة نحو حلمها النووي.

وفي هذا الصدد تقوم “البوابة نيوز ” بمحاورة خبراء الطاقة النوويه بعد صب الخرسانه الرابعة، ومن هنا  تحدث د.علي عبد النبي أستاذ ونائب رئيس هيئة المحطات النووية الأسبق عن هذا الموضوع:
 

د. علي عبد النبي

صف لنا الميزات المبتكرة للمجموعات الأربع في محطة الضبعة النووية؟
توجد العديد من الميزات المبتكرة، خاصة في نظام الأمان النووي لمفاعلات الضبعة، الممثلة بالطراز VVER-1200+ روسي الصنع. حيث تم تصميم منظومة الأمان النووي وفقًا لأعلى معايير السلامة النووية العالمية، والتي تم تحديثها بناءً على 60 عامًا من الخبرة في تشغيل وصيانة المفاعلات النووية. لقد أصبحت منظومة الأمان النووي يعتمد بشكل كبير على نظم الأمان السلبية والتي تحتوي على تكنولوجيا التشغيل الآلي ولا تعتمد في تشغيلها على مصدر طاقة.
وتختلف منظومة الأمان النووي لمفاعلات الضبعة النووية عن باقي مفاعلات الجيل الثالث النووية التي يتم تطويرها في العالم بعدة جوانب منها:
• وعاء الاحتواء مزدوج الجدار يشتمل على أحدث أنظمة السلامة. يقوم وعاء الاحتواء بحماية مادية للوعاء الداخلي من جميع التأثيرات الخارجية. يمنع الخزان الواقي مزدوج الجدار إطلاق النشاط الإشعاعي في البيئة في حالة الطوارئ. ولذلك نعتقد أن الخزان المزدوج يمنع تسرب المواد المشعة إلى البيئة بشكل كامل. حيث يتكون وعاء الاحتواء الداخلي من الخرسانة المسلحة ومصمم وفقًا لمبادئ التصميم الزلزالي.

• المراكم الهيدروليكية (الخزانات) للتبريد الثانوي السلبي لقلب المفاعل. حيث تقوم المراكم الهيدروليكية - في حالة الطوارئ مع فقدان مياه التبريد في قلب المفاعل - بتزويد محلول البورون بشكل سلبي، أي دون استخدام مصدر للطاقة، وذلك لإعادة غمر المفاعل. مستوى مياه التبريد موجود في وعاء الضغط العالي. المفاعل منخفض وينخفض ضغط الدائرة الابتدائية إلى أقل من 15 بار. هنا يتم أيضًا تخزين محلول البورون، والذي يستخدم لملء حجرات حوض التزود بالوقود.
• نظام إزالة الحرارة من مولدات البخار السلبية هو نظام أمان يعتمد على مبدأ التشغيل السلبي ويقوم بإزالة الحرارة المتبقية من قلب المفاعل من خلال دائرة ثانوية. يعمل هذا النظام في جميع ظروف التشغيل غير الطبيعية والحوادث التي تؤدي إلى الحاجة إلى إزالة الحرارة من قلب مفاعل محطة الطاقة النووية من أجل الحفاظ عليه في حالة آمنة.
• نظام تبريد مولد البخار في حالات الطوارئ هو عبارة عن دائرة مغلقة، يزيل الحرارة المتبقية من قلب مفاعل محطة الطاقة النووية ويقوم بتبريده في حالة انقطاع التيار الكهربائي أو استحالة إزالة الحرارة العادية من قلب المفاعل من خلال الدائرة الثانوية.
• جهاز لحفظ قلب المفاعل المنصهر (في حالة الحوادث الخطيرة).
كيف تساهم محطة الضبعة النووية في تحقيق التطوير الشامل للبنية التحتية النووية وأمن الطاقة في مصر؟
أولاً، يعتمد أمن الطاقة في مصر على مزيج من مصادر الطاقة المختلفة. وبالتالي تكمن الأولوية الرئيسية الآن في إنشاء نظام طاقة قوي وموثوق يعتمد على تقنيات آمنة ونظيفة ومتطورة. ويضمن هذا النهج استقرار الشبكة ويعزز التكامل مع الشبكات العالمية، مع الأخذ بعين الاعتبار عدد سكان مصر المتزايد والنمو الاقتصادي والتوسع الحضري السريع، مما سيؤدي إلى زيادة الطلب على الطاقة في السنوات القادمة. ولذلك سوف تحتاج مصر إلى زيادة كبيرة في إمدادات الطاقة في المستقبل، وخاصة الطاقة الكهربائية النظيفة والآمنة، للحد من الآثار السلبية على البيئة وصحة الإنسان.
ثانياً، يرتبط التطوير الشامل للبنية التحتية النووية في مصر ارتباطاً وثيقاً بتنفيذ المشروع النووي الذي يعد الأول من نوعه في البلاد. وفي هذا السياق تم إنشاء البنية التحتية ذات الصلة، بما في ذلك هيئات إدارة المشروع والهيئة الوطنية للرقابة النووية. وبالفعل ساهم هذا العمل المنفذ في بدء عملية مراجعة الطلبات المقدمة وإبرام عقود إنشاء أول محطة للطاقة النووية. وبمجرد أنه تم اختيار مقترح مشروع المحطة النووية، تم إبرام العقد وبدأ العمل في بناء أول محطة للطاقة النووية في مصر، مع الالتزام بكافة متطلبات السلامة والجودة.
هل لكم أن تشرحوا لنا الدور الذي لعبه الجانب الروسي في تمكين القدرات النووية المصرية؟
في إطار تنفيذ برنامج الطاقة النووية، يتم التركيز بشكل كبير على مسألة توطين الانتاج. بعبارة أخرى من المقرر أن يتم تنفيذ حوالي 20% من إجمالي الأعمال في المجموعة الأولى، من قبل شركات مصرية، على أن تزيد حصة الأعمال المصرية في المشروع إلى 35% بحلول تنفيذ أعمال بناء المجموعة الرابعة. وهنا لابد من التذكير أن الشركات والمكاتب الهندسية المصرية تشارك بشكل فعال في تنفيذ مشروع محطة الضبعة النووية.
نحن نعتبر أن مشروع الضبعة لن يضمن السيادة في مجال الطاقة فحسب، بل سيضمن أيضاً السيادة التكنولوجية. وبفضل الخبرة المتنامية لشركاتنا المصرية في تنفيذ مشروع نووي يتم فيه مراعاة أدق معايير السلامة والجودة العالمية، يتزايد مستوى وجودة الخدمات التي تقدمها والمواد التي تنتجها، مما يتيح الوصول إلى الأسواق العالمية. وهذا الأمر سوف يسمح لنا بزيادة الصادرات والدخل الوطني من النقد الأجنبي. على كل حال يكمن الهدف النهائي من إنشاء محطة الضبعة النووية هو تحقيق "الأمن التكنولوجي الوطني".
ما الأثر البيئي الذي سيحدثه إنشاء محطة الضبعة النووية على العالم؟
الطاقة النووية هي أحد مصادر الطاقة في العالم التي تنبعث منها أقل كمية من الغازات الدفيئة. وبالتالي فإن المستوى المنخفض من انبعاث ثاني أكسيد الكربون تجعلها مصدرًا أساسيًا للطاقة للانتقال إلى الطاقة منخفضة الكربون. فعلى سبيل المثال مستوى انبعاث ثاني أكسيد الكربون من محطات الطاقة النووية أقل بأربع مرات من محطات الطاقة الشمسية، وأقل 40 مرة من محطات توليد الطاقة التي تعمل على الغاز الطبيعي، وأقل 70 مرة من محطات الطاقة التي تعمل على الفحم.
على عكس محطات توليد الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري، لا تنبعث من محطات الطاقة النووية جسيمات في الغلاف الجوي، مثل ثاني أكسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت والنترات أو الفوسفات، التي تسبب تلوث الهواء ومشاكل صحية لدى السكان.
وهنا لابد من التنويه إلى إن الاستطاعة الاجمالية لمحطة الضبعة النووية تبلغ 4800 ميجاوات سيتم انتاجها من خلال عمل أربع مجموعات طاقة، وهو ما يعادل 6 محطات كهرباء بنظام الدورة المركبة تعمل بالغاز الطبيعي بقدرة الوحدة 750 ميجاوات. وبذلك سيتم في موقع محطة الطاقة النووية التخلص من انبعاث ثاني أكسيد الكربون، كان من الممكن أن تصدر من ست مجموعات طاقة ذات دورة مركبة تعمل على الغاز الطبيعي.
كما أضاف د.كريم الأدهم الخبير في مسائل السلامة النووية حدثنا أيضاً عن أنظمة السلامة في محطة الضبعة النووية:

د. كريم الأدهم


كيف يتم الالتزام بمتطلبات السلامة في كل مجموعة من مجموعات الطاقة الأربع؟

تبدأ عملية تحقيق متطلبات السلامة في محطة الطاقة النووية من اختيار الموقع المناسب الذي يلبي جميع المعايير الصارمة من بينها - الموقع الجغرافي والمقاومة الزلزالية والبركانية وتركيبة التربة والمياه الجوفية والظروف المناخية وأحوال البحر وحركة الأمواج وتوزيع السكان في المنطقة. إذاً هناك مشروع المحطة بمكوناته المختلفة، سواء كان من ناحية الهندسة المدنية التي تراعي كافة خصائص الموقع، أو من ناحية المعدات والأجهزة التي تراعي تشغيلها بشكل فعال، في حالة التشغيل العادي أو أثناء الحوادث. وكل هذا يخضع لحسابات دقيقة تعمل على تلبية متطلبات هيئة الرقابة التي تقوم بأعمال التدقيق والتحقق، علماً أنه يتم إجراء عمليات التفتيش للتأكد من الامتثال لمعايير السلامة. ومن النقاط المهمة تأهيل المشغلين والخبراء الفنيين وفق برامج معتمدة تواكب التقنيات الحديثة لضمان التشغيل الآمن للمحطة والاستجابة لأية حالات طارئة.
هل لكم أن تحدثونا عن المهام التي تؤديها مصيدة قلب المفاعل لضمان السلامة في محطات الطاقة النووية
من المعروف أن المفاعلات عندما تتعرض لحوادث طارئة وخطيرة يمكن أن تؤدي إلى ذوبان قلب المفاعل، وبالتالي تشكل كتلة منصهرة. أما فيما يتعلق بمصيدة قلب المفاعل فهي عبارة عن نظام أمان سلبي يستخدم في الجيل الجديد من محطات الطاقة النووية، بما في ذلك محطة الضبعة للطاقة النووية. 
يتم ملء "مصيدة الذوبان" بمواد خاصة أثناء التشغيل. وعند التفاعل مع هذه المواد، يفقد الوقود النووي أولاً جزءاً من الحرارة المتراكمة. بعد ذلك، وبسبب العمليات الكيميائية، يتم إيقاف التفاعل المتسلسل للوقود على الفور وتبريده. وبالتالي فإن مصيدة الذوبان تضمن تشكل فراغ في الغلاف الواقي، حيث يتجمع قلب المفاعل المنصهر، وتمنع إطلاق شظايا قلب المفاعل المنصهر في البيئة في حالة الطوارئ. يتميز جهاز تحديد موقع الصهر بأقصى خصائص الأمان، من بينها زيادة مقاومة الزلزال والمقاومة الهيدروديناميكية ومقاومة الصدمات.
حدثنا عن التقنيات الروسية المستخدمة لضمان سلامة محطة الضبعة النووية؟
ليس هناك أدنى شك من أن التكنولوجيا الروسية شهدت تطوراً ملموساً في الآونة الأخيرة، وهذا يعود إلى سنوات الخبرة الطويلة في مجال الطاقة. هنا لابد من الاشارة إلى إن عملية التطوير بدأت مع المفاعل الأول في خمسينيات القرن العشرين، وتوج هذا العمل بتطوير مفاعلات الجيل الثالث، والتي تتمتع بتصميم بسيط ومتين، وسهولة في التشغيل وأقل عرضة للتلف. حيث تعمل المفاعلات من هذا النوع أيضًا على تقليل احتمالية حدوث أخطاء من قبل المشغلين والحد من الاعتماد على التشغيل الآلي عند حدوث أعطال لدى العمل. كما أن هذا النوع من المفاعلات يوفر عمر خدمة أطول (يصل إلى 80 عامًا) ويمنع احتمال وقوع حوادث تتعلق بانصهار قلب المفاعل.
بالإضافة إلى ذلك، تتمتع هذه المفاعلات بميزة تصميمية تسمح بتخزينها دون أن يكون هناك تدخل كبير، وذلك لفترة طويلة من الزمن بعد إغلاقها. وعلى عكس مفاعلات الجيل السابق، تم تصميم مفاعلات الجيل الثالث أيضًا بحيث يمكن توسيع قدراتها مع زيادة الكفاءة. وهي تعتمد على مبدأ الدفاع في العمق وتستخدم الحواجز المتتالية لمنع إطلاق الإشعاع. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع هذه المفاعلات بهيكلية مقاومة مقارنة بالتصميمات السابقة، مما يؤدي إلى حرق أعلى للوقود واستخدام أكثر كفاءة للوقود، وتقليل النفايات. كل هذا يسمح لك بإطالة عمر خدمة الوقود.

 

IMG-20240130-WA0031
IMG-20240130-WA0031

 

كما علق د.يسري أبو شادي، المفتش العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية وعضو مجلس الشؤون الخارجية المصري على النحو الآتي:
برأيكم ماذا يعني الانتهاء من عملية صب الخرسانة للمفاعلات الأربعة خلال عام صدور إذن البدء فى الانشاء؟
تعتبر عملية صب الخرسانة الأولى خطوة مهمة لأنها تحدث تغييراً في الوضع الرسمي للمفاعل من وضعية "مصمم على الورق" إلى وضعية "قيد الإنشاء"، وينعكس ذلك في إدراج هذه المفاعلات في إحصائيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهذا بالضبط ما حدث الآن مع المفاعلات الأربعة لمحطة الضبعة النووية. 
إذاً بمجرد البدء في صب الخرسانة الأولى، تبدأ عملية بناء المفاعل والمباني ذات الصلة، ثم يتم وضع، تحت قاعدة المفاعل، جسم الماسك الأساسي للمفاعل النووي، وهو عبارة عن وعاء على شكل مخروط فولاذي من ابتكار شركة روساتوم الحكومية الروسية. وقد تم بالفعل وضع مثل هذه المصيدة تحت المجموعتين الأولى والثانية لمحطة الطاقة النووية. ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من البناء من لحظة أول صب خرسانة للمحطة بأكملها خلال أربع سنوات. من هذا المنطلق من المخطط أن تبدأ المجموعة الأولى عملها في عام 2027، والمجموعة الرابعة (الأخيرة) في عام 2030، وربما قبل ذلك. وبمجرد الانتهاء من أعمال البناء، يتعين الحصول على عدة تراخيص أهمها رخصة موقع الوقود النووي، ورخصة تشغيل المفاعل، وغيرها من تراخيص السلامة النووية.
كيف تتأكد هيئة الطاقة الذرية من سلامة وجودة عملية صب الخرسانة للمفاعل الرابع؟   
تقوم هيئة الرقابة النووية المصرية، بالتعاون مع بعض المنظمات الدولية والجهات الاستشارية الأخرى، بمراقبة سلامة محطات الطاقة النووية بشكل مستمر. حيث تقع المسؤولية هنا بشكل أساسي على عاتق شركة البناء، أي على القسم الهندسي الممثل بشركة آتوم ستروي إكسبورت، التابع لشركة روساتوم الحكومية.
هل تقتصر مهام الجانب الروسي فقط على بناء المحطة بموجب الالتزامات التعاقدية؟
روساتوم هي الشركة المسؤولة عن أعمال البناء، لكن مهام الجانب الروسي لا تقتصر على هذا العمل فقط. وبموجب العقود الموقعة، لن يقوم الجانب الروسي ببناء المحطة فحسب، بل سيزودنا أيضًا بالوقود النووي الروسي طوال دورة حياة محطة الطاقة النووية، كما سيقدم لنا المساعدة في تدريب الكادر المختص والدعم في تشغيل وصيانة المحطة خلال السنوات العشر الأولى من عملها. كما سيقوم الجانب الروسي - ضمن إطار اتفاقية أخرى - ببناء منشأة تخزين خاصة وتقديم حاويات لتخزين الوقود النووي المستهلك.
عندما تبدأ مجموعات الطاقة النووية الأربع العمل في عام 2030، سوف تحصل مصر على أول مصدر ضخم للطاقة الكهربائية 4800 ميجاوات، (أي أكثر من ضعف استطاعة السد العالي) والذي سيعمل بشكل مستمر، دون انقطاع ودون الحاجة إلى الغاز الطبيعي ووقود الديزل . إن دخول مصر إلى عصر الطاقة النووية يمثل علامة فارقة لطالما انتظرناها طويلاً.
 

IMG-20240130-WA0031
IMG-20240130-WA0031