يوما بعد يوم بدأت تتكشف النوايا الإثيوبية من مذكرة التفاهم التى وقعها رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، مع رئيس أرض الصومال الانفصالية موسى بيهى عبدى فى الأول من يناير الجاري، والتى تنص على حصول أديس أبابا على ٢٠ كم من ساحل البحر الأحمر، على سبيل الإيجار لمدة ٥٠ عاما، فى مقابل أن تعترف إثيوبيا بأرض الصومال وبعض الامتيازات الأخرى.
رئيس أرض الصومال يفضح إثيوبيا
وعلى مدار الأيام التالية لتوقيع مذكرة التفاهم بين آبى أحمد وموسى بيهي، كان المسئولون الإثيوبيون يتحدثون عن أنها ستمنح البلد الواقع فى القرن الأفريقى فرصة للنهوض والتنمية، ولكن على النقيض من ذلك خرج موسى بيهى عبدى رئيس أرض الصومال، بتصريحات مفاجئة تكشف حقيقة النوايا الإثيوبية من الحصول على منفذ على البحر الأحمر.
وقال بيهى فى مقابلة له مع تليفزيون أرض الصومال، نهاية الأسبوع الماضي، إن إثيوبيا تعتزم إنشاء قاعدة عسكرية على المساحة التى ستؤجرها من أرض الصومال على البحر الأحمر، بينما ستستخدم ميناء بربرة للأنشطة التجارية، فى الواردات والصادرات.
وأوضح أن اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال سيذكر فى الاتفاقية خلال التوقيع الرسمي، زاعما أن محتواها يوفر الطمأنينة من خلال الاعتراف بأرض الصومال ككيان مستقل، وهذه الحقيقة مذكورة صراحة فى الوثيقة ومن خلال القيام بذلك، يتم ضمان العدالة والشرعية طوال عملية التوقيع بأكملها.
ميناء بربرة
وفى حواره مع تليفزيون أرض الصومال، أشار "بيهي" إلى أن ميناء بربرة سيستخدم للأنشطة التجارية، وهو ليس ضمن المساحة التى ستمنح لإثيوبيا وفقا لمذكرة التفاهم غير القانونية.
وكانت أرض الصومال عقدت اتفاقا فى عام ٢٠١٦ مع موانئ دبى العالمية، لتطوير وإدارة الميناء وبعد عامين، استحوذت إثيوبيا على حصة قدرها ١٩٪ فى الميناء المطل على البحر الأحمر، قبل إلغاء الاتفاق، بحسب ما أعلنته أرض الصومال فى منتصف عام ٢٠٢٢ بسبب عدم التزام بتعهداتها لإتمام الصفقة.
وكان من المفترض أن تطور الحكومة الإثيوبية طريقا بطول ٢٦٠ كيلومترًا من موقع ميناء بربرة إلى حدودها ليصبح ميناء إقليميا محوريا ومعبرا رئيسيا، وبموجب الاتفاقية تمتلك موانئ دبى العالمية الحصة الأكبر فى الميناء بنسبة ٥١٪ فيما تمتلك أرض الصومال وإثيوبيا ٣٠٪ و١٩٪ قبل إلغاء الصفقة.
السفير الإثيوبى فى تل أبيب: إسرائيل تدعمنا
وفى نفس السياق، أعلن سفير إثيوبيا لدى تل أبيب تسفاى يتايه، أن المسئولين الإسرائيليين أبدوا لفتة إيجابية تجاه تطلع إثيوبيا إلى الوصول المباشر إلى البحر الأحمر وخليج عدن.
وأوضح السفير الإثيوبى فى مقابلة مع وكالة الأنباء الإثيوبية، أن الحكومة الإسرائيلية تتوقع حصول إثيوبيا على قاعدة عسكرية كخطوة جيدة لتحقيق الاستقرار فى المنطقة المضطربة ولا تعارض صفقة الميناء التى أبرمتها الأخيرة مع أرض الصومال.
وأضاف يتايه أن سفارة إثيوبيا فى إسرائيل أجرت مناقشة مع مسئولى البلاد بشأن اتفاقية الموانئ بين إثيوبيا وأرض الصومال وتفهمت قناعة الأخير بسعى إثيوبيا للوصول إلى الموانئ السيادية.
وأكد السفير الإثيوبى أن موقف إسرائيل لا يقتصر على البقاء على الحياد فحسب، بل يظهرون لنا لفتة داعمة، ونظرا للشراكة طويلة الأمد فإن إسرائيل تعتبر إنشاء إثيوبيا لقوة بحرية فى خليج عدن والبحر الأحمر بمثابة فرصة للتعاون على استقرار المنطقة الاستراتيجية لكنها منطقة مضطربة.
غضب رسمى وشعبى فى الصومال
وتسببت مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال، فى تصاعد التوتر بين مقديشيو وأرض الصومال، وهو أمر أغضب الصومال شعبيا ورسميا وفى أول رد فعل على التحرك الإثيوبى سحب سفير مقديشيو فى أديس أبابا فى اليوم التالى لتوقيع مذكرة التفاهم غير القانونية.
وخرج الشعب الصومالى فى تظاهرات رافضة فى العاصمة مقديشيو على مدار الأيام الماضي، مرددين شعارات مناوئة لإثيوبى ورئيس وزرائها آبى أحمد. وفيما يتعلق بردود الأفعال فى أرض الصومال فكان أبرزها استقالة وزير الدفاع عبد القانى محمود عطية، الذى أكد أن فى الثامن من يناير الجارى أن إثيوبيا العدو الأول للمنطقة الانفصالية أرض الصومال، موضحا أنه فى اجتماع سابق مع رئيس أرض الصومال موسى بيهي، أعرب عن اعتقاده بأن تمركز القوات الإثيوبية فى أرض الصومال غير مناسب بالأساس، بحسب ما أوردته وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية.
وأشارت وكالة "أسوشيتد برس" إلى وجود انقسام بين مواطنى أرض الصومال حول الصفقة، حيث يرى البعض فوائد اقتصادية محتملة بينما يخشى البعض الآخر المساس بسيادتهم.
تناقض إثيوبيا من صوماليلاند إلى تايوان
وفى السياق نفسه، ظهر تناقض إثيوبيا بشأن عزمها الاعتراف بصوماليلاند، للحصول على منفذ بحرى على البحر الأحمر، وبعد أيام قليلة أصدرت وزارة الخارجية الإثيوبية بيانا يؤكد على التزامها بسياسة "صين واحدة" ومعارضة أى رغبة من تايوان فى الانسلاخ عن التنين الصيني، وجاء البيان الإثيوبى تعليقا على الانتخابات الرئاسية فى تايوان فى ١٣ يناير الجاري.
وفى خضم الغضب الصومالى المشتعل من الإجراء الإثيوبي، ظن البعض أن هناك بوادر تشى بتراجع آبى أحمد عن هذا التحرك، واستندوا فى ذلك على تغريدة مستشار رئيس الوزراء الإثيوبى رضوان حسين، عبر حسابه الرسمى بمنصة “إكس” فى ٢٣ يناير الجاري، تحدث خلالها عن بذل الجهود لمزيد من التفاهم، وخفض التوتر والتوصل إلى نتيجة ودية تفيد الجميع.
وقال "حسين": "كجزء من التزامنا، سنضاعف جهودنا لضمان تفاهم أفضل، وسنستمع إلى الأصدقاء من أجل تنسيق محتمل للجهود الرامية إلى خفض التوتر.. سنواصل السعى للتوصل بشكل مطرد إلى نتيجة مع اعتبارات ودية تفيد الجميع".
إلا أن توقعات التراجع الإثيوبي، أجهضها البيان الصادر من حزب الازدهار الحاكم فى أديس أبابا فى ختام مؤتمره، والذى أعلن فيه اعتزامه تحويل مذكرة التفاهم الموقعة مع أرض الصومال إلى اتفاقية عملية، وفقا للقرار الصادر فى ختام اجتماعات أعضاء اللجنة التنفيذية والمركزية، وذكر الحزب أن مذكرة التفاهم مع أرض الصومال هى شهادة على "موقف إثيوبيا من العلاقات الاقتصادية والثقافية الإقليمية"، بحسب البيان الصادر فى ٢٦ يناير الجاري.
شيخ محمود: الاعتراف بأرض الصومال إعلان حرب
وفى منتصف الأسبوع الماضي، أكد الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود، أن اعتراف إثيوبيا باستقلال المنطقة الانفصالية "أرض الصومال"، هو بمثابة إعلان حرب علينا، وساعتها لن نقف مكتوفى الأيدى وسنرد بطريقة مناسبة، مشيرا فى تصريحات تليفزيونية خلال زيارته للعاصمة القطرية الدوحة أن مذكرة التفاهم، انتهاك لوحدة وسيادة بلاده، مؤكدا رفع بلاده تقريرا إلى مجلس الأمن الدولى بشأن الوضع الحالي.
أكاذيب إثيوبية
وبعد التضامن الدولى الواضح مع الصومال ضد إثيوبيا، سعى سفراء أديس أبابا فى دول العالم للحديث عن مذكرة التفاهم غير القانونية، بأنها ستعود بالنفع على الجانبين، حيث أشار سفير إثيوبيا فى تل أبيب لوكالة الأنباء الإثيوبية إلى أنه ينبغى على جميع الأطراف تشجيع مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال لأنها تعود بالنفع على الجانبين والدافع الوحيد لإثيوبيا هو التنمية.
وزعم السفير تسفاي، بأن نية إثيوبيا الأساسية فى تأمين الوصول إلى البحر هى نية اقتصادية، وضمان المنافع المتبادلة للمنطقة وخارجها، مدعيا أن مذكرة التفاهم الأخيرة ستحقق التكامل الاقتصادى الإقليمي.
وفى السياق نفسه نقلت وكالة الأنباء الإثيوبية تصريحات سفير أديس أبابا فى جوبا نبيل مهدى خلال مقابلة فى ٢٦ يناير الجاري، التى زعم فيها أن النية الأساسية لإثيوبيا هى اقتصادية ولها منفذ على البحر، نافيا أن يكون لإثيوبيا أى أجندة خفية لتحدى سلامة أراضى أى من جيرانها بشكل أساسي.
تأثير الأزمة على القرن الأفريقي
وبعد تصاعد التوتر بين الصومال وإثيوبيا، إلا أن الأزمة سوف يمتد تأثيرها إلى دول القرن الأفريقي، وتعد جيبوتى أكثر الدول المتأثرة بهذه الاتفاقية حيث ترتبط بعلاقات اقتصادية مع إثيوبيا، فى ظل اعتماد أديس أبابا على ميناء جيبوتى فى ٩٥٪ من تجارتها، وهذا يعنى أن اتفاق إثيوبيا مع أرض الصومال سيؤثر بشكل مباشر على جيبوتي.
وكانت إريتريا هى أول دولة يزورها الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود بعد توقيع مذكرة التفاهم الغير قانونية، وأكد أن أسمرة تدعم مقديشو فى مواجهة أديس أبابا بعد انتهاء زيارته التى أجراها فى الثامن من يناير الجاري.
يأتى ذلك فى ظل تدهور العلاقات بين أسمرة وأديس أبابا فى الآونة الأخيرة، بسبب توقيع رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد اتفاق بريتوريا مع جبهة تحرير شعب تيجراى فى نوفمبر من عام ٢٠٢٢ لينهى حربا استمرت عامين ضد إقليم تيجراى استعان خلالها بميليشيات أمهرة والجيش الإريتري.
وفى خضم كل هذه التطورات، ذكرت وسائل إعلام صومالية يوم السبت الماضي، أن القمة الأفريقية الإيطالية المزمع عقدها فى روما، ينتظر أن تشهد لقاء بين الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، لأول مرة منذ اندلاع الأزمة فى الأول من يناير الجاري.