في قرار أجمع الكثيرون على أنه "تاريخي" من أجل تفويض الممارسات التي تقوم بها سلطات الاحتلال الإسرائيلية والتي تفضي إلى الإبادة الجماعية، أمرت محكمة العدل الدولية دولة الاحتلال بالإسراع في اتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية في غزة والتحريض المباشر عليها، ويأتي القرار انتصارًا للدعوى التي أقامتها جنوب إفريقيا الشهر الماضي، حيث رفعت شكوى عاجلة إلى محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، المبرمة العام 1948 إثر محرقة اليهود إبان الحرب العالمية الثانية.
البارز في القرار الذي أصدرته العدل الدولية، مساء الجمعة، أنه رفض كافة المزاعم والعراقبل التي حاولت إسرائيل وضعها في طريق العدالة، من خلال ادعاء عدم الاختصاص، وكذلك محاولة دفع المحكمة لرفض الدعوى المقامة من جنوب إفريقيا، حيث رفضت "العدل الدولية" الطلب الإسرائيلي، إذ صوتت أغلبية كبيرة من أعضاء لجنة المحكمة المؤلفة من 17 قاضيا لصالح اتخاذ إجراءات عاجلة تلبي معظم ما طلبته جنوب أفريقيا باستثناء توجيه الأمر بوقف الحرب على غزة.
"العدل الدولية" تطالب بوقف كافة أشكال الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين
"على إسرائيل اتخاذ كل الإجراءات التي في وسعها لمنع ارتكاب جميع الأفعال ضمن نطاق المادة الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية"، بهذه الكلمات أكدت المحكمة في نص حكمها المبدئي حق الفلسطينيين في قطاع غزة من الحياة، ووقف كافة أعمال الإبادة الجماعية بحقهم، مؤكدة أن الشروط متوفرة لفرض تدابير مؤقتة على إسرائيل، مشددة في الوقت ذاته على ضرورة التزام إسرائيل بتجنب كل ما يتعلق بالقتل والاعتداء والتدمير بحق سكان غزة وأن تضمن توفير الاحتياجات الإنسانية الملحة في القطاع بشكل فوري.
تفاصيل قرار العدل الدولية
ولعل من أبرز ما خرج به القرار هو إلزام دولة الاحتلال برفع تقرير إلى محكمة العدل الدولية في غضون شهر بشأن كل التدابير المؤقتة، كما قالت المحكمة إن على إسرائيل أن تتأكد فورا من أن جيشها لا يرتكب الانتهاكات المذكورة سابقا، وعلى إسرائيل ضمان عدم ارتكاب قواتها أعمال إبادة جماعية، وجميع الأطراف في قطاع غزة ملزمة باحترام القانون الدولي.
ترحيب دولي
وسرعان ما توالت ردود الفعل الدولية حول قرار محكمة العدل الدولية، حيث رحبت جنوب أفريقيا -صاحبة الدعوى- بالإجراءات المؤقتة التي فرضتها المحكمة على إسرائيل، واصفة الحكم بأنه "انتصار حاسم لسيادة القانون ومنعطف مهم في البحث عن العدالة للشعب الفلسطيني".
وقالت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور -في مؤتمر صحفي أمام مقر المحكمة في لاهاي- إن بلادها فعلت كل ما يلزم لحماية أرواح آلاف الفلسطينيين في قطاع غزة، مشيرة إلى أن بلادها كانت تأمل أن تصدر المحكمة حكمًا بوقف إطلاق النار، حيث قالت: "كنا نود من المحكمة أن تصدر قرارا بوقف إطلاق النار في غزة".
من جانبه، رحب وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي بالإجراءات المؤقتة التي أمرت بها محكمة العدل الدولية، وقال إن قضاة المحكمة حكموا لصالح الإنسانية والقانون الدولي، فيما قال رئيس الدائرة السياسية لحركة حماس في الخارج سامي أبو زهري إن قرار محكمة العدل الدولية "تطور مهم يسهم في عزل إسرائيل وفضح جرائمها" في غزة، حسب تعبيره.
وفي بيان منفصل، رحبت حركة التحرير الفلسطينية "فتح"، بـ"الأمر القضائي التاريخي" الصادر عن محكمة العدل الدولية، داعية المجتمع الدولي إلى الالتزام بقرار المحكمة عبر الضغط على إسرائيل لـ"وقف عدوانها الهمجي" الذي تسبب في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وتدمير الأحياء السكنية، ودور العبادة، ومراكز الإيواء، ومنع إدخال المساعدات الإنسانية للنازحين الذين أُجبروا على النزوح إلى جنوب قطاع غزة، بحسب البيان.
وأشارت فتح في بيانها إلى أهمية التحركات القانونية والشعبية والدبلوماسية، في ظل استمرار عمليات القصف داخل قطاع غزة، واستهداف قرى ومدن الضفة الغربية و"تضاعف الجرائم" في الأراضي الفلسطينية.
مصر تدعو لاحترام قرارات "العدل الدولية"
وعلى صعيد متصل، أشادت مصر بحكم محكمة العدل الدولية بشأن طلب جنوب أفريقيا فرض إجراءات طارئة ضد إسرائيل بسبب حربها في قطاع غزة، وقالت وزارة الخارجية المصرية إن القاهرة، تتطلع إلى مطالبة محكمة العدل الدولية بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، كما حكمت في قضايا مماثلة، مشددة على ضرورة احترام قرارات المحكمة وتنفيذها.
وفي ذات السياق، أكد الاتحاد الأوروبي أنه يتوقع تنفيذًا "كاملًا وفوريًا" لقرار محكمة العدل الدولية الذي طلبت فيه من إسرائيل أن تبذل كل ما في وسعها لمنع وقوع أي أعمال إبادة في قطاع غزة.
وأكد بيان مشترك لمسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل والمفوضية الأوروبية، على أن قرارات "محكمة العدل الدولية ملزمة للأطراف وعليها الالتزام بها"، معبرًا عن تطلع الاتحاد الأوروبي لتنفيذ تلك القرارات بشكل "كامل وفوري وفعّال".
وأشاد الأمين العام لجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، والبرلمان العربي ومنظمة التعاون الإسلامي في بيانات منفصلة، بـ"توثيق المحكمة الدقيق" لما وصفوها بالجرائم من خلال قرارها "التاريخي"، داعين جميع الدول الأطراف إلى ضمان امتثال إسرائيل "التام والفوري" لقرار المحكمة، ومؤكدين على ضرورة تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه تحقيق العدالة والحماية للشعب الفلسطيني.
كما رحبت قطر والسعودية والأردن، بصدور قرار من المحكمة بأغلبية ساحقة، معتبرين أن ذلك دليل على "حجم خطر الإبادة الجماعية المحدق بالأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة، ما يستوجب ضمان تنفيذ الإجراءات المؤقتة".
وعبرت الجزائر وتونس عن ارتياحهما لقرار المحكمة الدولية، ودعتا لإلزام إسرائيل بالوقف النهائي "للعدوانه على غزة، وإنهاء حصار قطاع غزّة وكلّ الأراضي الفلسطينيّة".
أستاذ قانون دولي يوضح أبعاد قرارات العدل الدولية
وعلى صعيد متصل، قال الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي، إن ما صدر من محكمة العدل الدولية أربك حسابات إسرائيل وجميع المتآمرين معها في العالم، حيث أقرت المحكمة باختصاصها القضائي بالنظر في الدعوى، على الرغم من المطالبات الإسرائيلية المتكررة بعدم اختصاص المحكمة بالنظر في الدعوى المقامة من جنوب إفريقيا.
وأضاف "سلامة" للبوابة نيوز أن ما أمرت به محكمة العدي الدولية لا تستطيع تنفيذها الا بوقف كامل وشامل لوقف إطلاق النار، فالمحكمة دعت إلى ضرورة توصيل المساعدات لسكان غزة، وحظر كل الأعمال التي تتعلق بقتل المواطنين، فضلا عن وقف كافة الأفعال التي تفض لجريمة الإبادة الجماعية عن طريق إخضاعهم.
ولفت أستاذ القانون الدولي إلى أن النقطة المهمة أيضا في قرارات العدل الدولية هي مطالبة إسرائيل بمعاقبة المسؤولين العسكريين، والالتزام الكامل بالإجراءات والتدابير الصادرة عن المحكمة".