الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

مسارات التصعيد.. اتجاهات استهداف الولايات المتحدة وبريطانيا للحوثيين

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى تصعيد يوسع إقليميا الحرب بين إسرائيل وحماس، ضربت الولايات المتحدة وبريطانيا من الجو والبحر مواقع تابعة للحوثيين فى اليمن ردًا على هجمات تنفذها الجماعة على سفن فى البحر الأحمر. 

ويقول الحوثيون إنهم لا يستهدفون سوى السفن المرتبطة بإسرائيل وإن أفعالهم تأتى تضامنًا مع ما يتعرض له الفلسطينيون فى غزة. وقالت القيادة المركزية الأمريكية فى بيان إن الهجمات شاركت فيها كل من أستراليا وكندا وهولندا والبحرين حيث قدمت الدعم اللوجستي.

على الجانب الآخر، أعلن المتحدث باسم الحوثيين يحيى سريع عن مقتل ٥ من قوات الجماعة خلال أكثر من ٧٠ غارة طالت عدة مناطق فى اليمن ومنها العاصمة صنعاء وصعدة والحديدة وتعز وحجة وغيرها، متوعدًا بالرد على الهجمات ومشيرًا إلى استمرار الحوثيين فى عملياتهم فى البحر الأحمر مساندة لغزة فى حربها مع إسرائيل.

وقد أثارت الضربات التى شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد أهداف لجماعة الحوثى فى اليمن، تساؤلات بشأن تأثيرها على قدرات الحوثيين، وتبعاتها خلال الفترة المقبلة، ومدى مساهمتها فى زيادة التصعيد بالمنطقة، أو كونها تمثل ردعًا وزيادة للأمن البحرى فى البحر الأحمر.

اتجاهات التصعيد

اعتبر الرئيس الأمريكى جو بايدن فى بيان أن هذه الضربات المحددة "رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة وشركاءها لن يغضوا الطرف عن الهجمات على القوات الأمريكية أو يسمحوا لجهات معادية بتعريض حرية الملاحة للخطر. ويعتقد محللون عسكريون ومراقبون أن الضربات الأمريكية والبريطانية "تحذيرية أكثر من كونها فارقة فى شل قدرة الحوثيين"، لكنها تمثل فى ذات الوقت "رسالة ردع" لمنع تفاقم الهجمات على السفن العابرة بالبحر الأحمر، محذرين فى ذات الوقت من رد فعل الحوثيين عليها بما يتضمن ذلك شن هجمات مؤثرة على أهداف أمريكية وبريطانية.

من ناحية أخرى، يقول الحوثيون إن هجماتهم على مسارات الشحن فى البحر الأحمر هى إظهار الدعم للفلسطينيين وحماس فى الحرب ضد إسرائيل. وتسببت الهجمات فى تعطيل حركة التجارة الدولية وأجبرت شركات شحن عالمية على قطع الرحلة الأطول حول الطرف الجنوبى لقارة أفريقيا لتجنب الاستهداف.

وأثارت زيادة تكلفة عمليات نقل السلع والشحنات مخاوف من موجة جديدة من ارتفاع التضخم فى العالم. وتقول الولايات المتحدة إن أستراليا والبحرين وكندا وهولندا دعمت العملية ضد الحوثيين كما سعت واشنطن لتصوير الضربات الجوية على أنها تأتى فى إطار جهود دولية لإعادة حرية تدفق التجارة فى مسار رئيسى يربط أوروبا بآسيا يشهد نحو ١٥ بالمئة من عمليات الشحن الدولي.

فيما أكدت الولايات المتحدة أنها سائرة فى تنفيذ المزيد من الضربات على الحوثيين فى اليمن، إذا ما استمروا فى عرقلة حرية الملاحة بالبحر الأحمر، يبدو أن بريطانيا أكثر حذرًا، فقد أوضح وزير الدفاع البريطاني، غرانس شابس، أن بلاده ما زالت تترقب وتقيم أثر الضربات المشتركة التى وجهتها سابقًا مع أمريكا إلى مواقع حوثية، قبل تنفيذ ضربات جديدة. كما أشار إلى أن بريطانيا لا تريد التوغل فى العمليات بالبحر الأحمر، إلا أنها تسعى فى الوقت عينه إلى حماية الملاحة، مؤكدًا أن حرية الملاحة حق دولي.

ولعل هذا الموقف تغير تدريجيًا بعدما أكد المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطانى أن بلاده لن تشن المزيد من الهجمات على الحوثى بعد الضربات القوية التى تم توجيهها، وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني: "لا توجد خطط لشن مزيد من الهجمات ضد أهداف الحوثيين، ولكننا سنبقى الخطط الأمنية قيد المراجعة".

من جهته، قال رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك، إن هدف بلاده هو "خفض تصعيد التوتر وإعادة الاستقرار". كما أعلن سوناك: "نعتقد أن الضربات التى نفذناها مع أمريكا على اليمن ستقلل من قدرة الحوثيين على شن هجمات فى البحر الأحمر وتعطلها".

انعكاسات عديدة

يواجه الحوثيون عواقب من غير المرجح أن يرغبوا فى تحمل تداعياتها بمفردهم. ومع ذلك، تظهر إيران و"حزب الله"، حتى اللحظة، رغبة فى الحد من حجم الصراع بدلًا من الرغبة فى تأجيجه. ومن خلال تصريحاتها بشأن استمرار الهجمات على السفن الإسرائيلية (فقط)، تلمّح قيادة الحوثيين لواشنطن إمكانية التوصل إلى تسوية، تسمح بالتحول إلى نظام "حزب الله" بالتحول إلى إظهار النشاط دون إلحاق ضرر جسيم بإسرائيل مقابل وقف قصف اليمن. قد يكون ذلك فى شكل عدد أقل من الهجمات، أو فقط هجمات لطائرات مسيرة يتم إسقاطها.

فى المقابل، يحدد تصرفات بايدن إلى حد كبير منطق الانتخابات الرئاسية، وقد أظهر بايدن تصميمه بالفعل، وهو الآن بحاجة إلى خفض التصعيد وفقًا لشروطه، أو تقديم ما يمكن طرحه بوصفه انتصارًا، بعدها يصبح من المفضل الانسحاب من الصراع.

اعتبرت جماعة "الحوثي" جميع المصالح الأمريكية والبريطانية "أهدافًا مشروعة"، وذلك ردًا على الضربات الجوية الأمريكية والبريطانية التى قصفت أهدافًا تابعة للجماعة فى اليمن، كما تعهدت بمواصلة استهداف السفن الإسرائيلية أو المتجهة إليها فى البحر الأحمر.

فى حين يعزز من مسارات التصعيد أنه من المتوقع أن تصنف الإدارة الأمريكية، ميليشيا الحوثى فى اليمن كمنظمة إرهابية، وأن إدارة بايدن قد تعيد تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية، وهو ما يأتى بعد أقل من ٣ سنوات من التراجع عن قرار إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بتصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية.

وقال صامويل وربيرغ المتحدث الإقليمى باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن واشنطن قلقة من رد فعل جماعة الحوثى وإيران على الهجمات التى تشنها بلاده على مواقع الحوثيين. وإنه "إذا كانت هناك حاجة لنعود إلى مجلس الأمن الدولى لإصدار أى بيان أو قرار، أو حتى الذهاب لأى جهة أخرى لحماية أنفسنا وحماية التجارة العالمية، فالولايات المتحدة لن تتردد فى ذلك". كما حمل وربيرغ إيران المسئولية عن الهجمات التى تشنها جماعة الحوثى على السفن فى البحر الأحمر.

غير أنه بسبب التهديد المتزايد الذى تطرحه الجماعة بالنسبة لحرية التجارة والملاحة فى البحر الأحمر – الذى يُعد طريقًا رئيسيًا للملاحة العالمية ومصلحة أمريكية خالصة فى المنطقة - اضطرت الولايات المتحدة للتحرك.  والواقع أن المخاطر وحالات عدم اليقين المرتبطة بالهجمات التى نفذتها الولايات المتحدة وبريطانيا واضحة.

فقد أعلن «الحوثيون»، الذين سحبت وزارة الخارجية الأمريكية اسمهم من قائمتها للمنظمات الإرهابية الأجنبية فى فبراير ٢٠٢١ من أجل تسهيل نقل المساعدات الإنسانية إلى أجزاء من اليمن تخضع لسيطرة «الحوثيين»، أنهم سيردّون على تلك الضربات. وهناك احتمال كبير لأن يؤدى ذلك إلى تصعيدٍ لا ترغب فيه واشنطن، مثلما تدل على ذلك الزيارات المتعددة التى قام بها وزير الخارجية أنتونى بلينكن إلى المنطقة خلال الأسابيع الأخيرة.

فى الختام: ستنعكس هذه التطورات السلبية على إعلان مبعوث الأمم المتحدة الخاص هانس جروندبرج الذى أراد من وراء إعلانه الأخير، توجيه رسالة طمأنة للداخل اليمنى بأن جهود حلحلة الملف اليمنى مستمرة بوتيرة عالية، وأن التصعيد فى البحر الأحمر ليس له تأثير كبير على الجهود الجارية.

كما أنه من المحتمل أن تنعكس متطلبات هذه المبادرة على مستقبل اليمن السياسى ومحاولة دمج الأطراف المتصارعة داخليًا فى معالجة سياسية شاملة لتحقيق التجانس بينهم وتشكيل حكومة موحدة والحفاظ على وحدة الأراضى اليمنية ووقف التدخلات الخارجية فى الأزمة، وإن كان أكثر ما يثير المخاوف بشأن الإعلان الأممى حول خارطة الطريق المرتقبة، هو التباين العميق بين المكونات اليمنية، وغياب آليات تنفيذية واضحة.

بالإضافة إلى أن تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والحوثيين وإعادة تصنيفهم كجماعة إرهابية من المحتمل أن يعصف بهذه الجهود لتسوية الأزمة، ومن ثم العودة للمربع صفر من جديد.