تهديد إسرائيل بإعادة احتلال محور فلادليفيا الفاصل ما بين قطاع غزة والحدود المصرية يمكن فهمه في سياقين، السياق الأول وهو الرعونة الإسرائيلية، حيث دخلت الأخيرة الحرب مع لبنان أو حاولت ذلك، وما زالت تتجه إلى تحقيق ذلك من خلال استفزاز الجانب المصري.
تارة من خلال التهجير القصري للفلسطينيين في سيناء، وتارة أخرى من خلال احتلال محور صلاح الدين على خلاف ما نصت عليه المعاهدات الموقعة بين البلدين قبل أكثر من أربعين عامًا؛ وهو ما يؤزم الموقف وربما يدخل إسرائيل إلى حرب غير محمودة عقباها.
السياق الثاني، هو الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي سواء في القضاء على حماس أو كسر إرادة الفلسطينيين وتحقيق الانتصار الذي كانت تنشده إسرائيل من وراء هذه الحرب، وهنا لجأت الأخيرة إلى الادعاء بأن هذا المحور يُستخدم في تهريب الأسلحة إلى الداخل الفلسطيني!
القاهرة لا ترغب بالدخول مع إسرائيل في حرب، ولكنها سوف تُدافع عن أمنها القومي حتى ولو كلفها ذلك خوض هذه الحرب والتي استعدت لها كثيرًا؛ الموقف المصري كان واضحًا منذ اللحظة الأولى قبل أكثر من مائة يوم، يعمل على تقليص حدة الصراع والبحث عن حلول عملية بدلًا من الدوران في حلقة مفرغة قد تستيقظ المنطقة على إثرها على حرب عالمية ثالثة أو على الأقل حرب مفتوحة يكون طرفاها العرب والإسرائيليون.
إسرائيل فشلت في تحقيق أهدافها في غزة بعد عشرة أيام بعد المائة الأولى، وبالتالي تُحاول توسيع دائرة هذه الحرب وتُريد أن تستنهض الولايات المتحدة الأمريكية معها، وهي هنا تدفع أطرافًا ودولًا كثيرة للدخول في هذه الحرب من أجل إجبار واشنطن على التدخل العسكري المباشر.
وهنا تلتزم القاهرة بسياسة ضبط النفس وعدم الانجراف وراء الرعونة الإسرائيلية، ولكنها في ذات الوقت توعدت بالرد على كل ما يُهدد أمنها وأنها مستعدة لذلك، وهو ما أزعج إسرائيل، ولكن لم يردعها في نفس الوقت، لأنها ببساطة تُراهن على التدخل الأمريكي المباشر في حال حدوث ذلك.
التصريحات الإسرائيلية من قبل اليمين الإسرائيلي في الكنيست تعكس حجم الرعونة غير المحسوبة، فقد خرج المحسوبون على هذا اليمين متهمين الحكومة المصرية بدعم حركتي حماس والجهاد الإسلامي بالسلاح، كما وصف هؤلاء المتطرفين الجيش المصري بأنه بات مهددًا لدولة إسرائيل وتسليحه بات مرعبًا.
تصريحات اليمين المتطرف وبعض الوزراء المحسوبين على الحكومة الإسرائيلية المتطرفة عبرت عن الحالة المتطرفة التي تعيشها هذه الدولة منذ نشأتها؛ فكلهم دعوا إلى تهجير الفلسطينيين إلى سيناء بما يمثل اعتداء على الأمن القومي المصري والعربي، فضلًا عن تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما لم ترضاه القاهرة وردت عليه في حينها.
القاهرة تُحافظ على معاهدة السلام ولا تُريد خرقها، ولكنها في نفس الوقت تعتبر هذه المعاهدة لا قيمة لها ولا أثر من ورائها لو أعادت إسرائيل احتلال محور صلاح الدين، وهنا يتجلى كلام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في عرض دفاعه عن الأراضي الصومالية: "محدش يجرب مصر"، بما يؤكد أن مصر سوف تُرد بقوة وبأسرع مما يتخيله العدو مهما كان ومهما كانت قوته.
مدينتا سرت والجفرة خط أحمر، بهذه العبارة أوقف الرئيس عبدالفتاح السيسي المطامع التركية في ليبيا، وبالأخص ما يُهدد الأمن القومي للدولة الشقيقة التي تجمعنا بها حدود تصل لأكثر من 1300 كيلومتر، فضلًا على تهديد الأمن القومي المصري، فمصر لن تفرط في أمنها مهما كانت التحديات التي تواجهها.
مصر دولة كبيرة تُدرك حجم أمنها القومي، كما أنها تُدرك أهمية الدفاع عنه، وقد بذلت الغالي والنفيس من أجل الدفاع عن هذه الأرض، فالدماء المصرية روت سيناء، وما زالت هذه المدينة موصولة بشرايين كل المصريين، وهو ما عكسته القيادة السياسية في إشارات كثيرة.
أخيرًا، محور فلادليفيا خط أحمر مثله مثل تهجير الفلسطينيين إلى سيناء وسرت والجفرة؛ فمن الذي يستطيع أنّ يتعدى خطًا وضعته مصر؟ وعلى ماذا يُراهن؟