في الوقت الذي تتوالى فيه تنديدات كبار رؤساء وحكومات دول العالم بتصريحات رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الخميس الماضي والذي أكد فيها "إنه لا يمكن أن يسمح بقيام دولة فلسطينية ما دام في منصبه، وأن الصراع ليس على قيام دولة فلسطينية بل القضاء على الدولة اليهودية" ربما أن هؤلاء القادة والساسة في العالم يريدون إخراج تصريحات للاستهلاك المحلي والدولي أو ينم عن عدم استعانتهم بكبرى مراكز الأبحاث الخاصة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
فمن منطلق الدراسات الدينية والسياسة لا يستطيع حزب يميني في إسرائيل حصل على أصوات جماعات دينية وجماهير داعمة لها وتكتلات سياسية يمينه وصهوينة قبول فكرة إقامة دولة فلسطينية وذلك من منظور ديني بحت، والدليل على ذلك ما جاء من مزاعم في كتابات الحاخام شلومو جورين بأن "التوراة تحظر التخلي عن أراضي أرض إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة ليس بسبب وعد سماوي فقط بل أيضا بحكم استيلاء أبينا إبراهيم على الأرض من يد قادر عمر ملك عيلام من بني سام والملوك الذين معه" لنسلك أعطيت هذه الأرض "سفر التكوين (10:22)
كما أورد أنه وفقا ل"الهالاخاه" الشريعة اليهودية التي تشمل تعاليم التلمود والتعاليم الحاخامية كل يوم لا نضيف فيه الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أرض إسرائيل المقدسة تحت السيادة الإسرائيلية، فإننا ننتهك وصية العمل بحسب التوراة التي أمرتنا فيها" أن نرث الأرض التي أعطاها الله لآبائنا إبراهيم وإسحق ويعقوب، ولم تترك في أيد غيرنا من الأمم ولا إلى البرية، وقال: "وترثون الأرض وتسكنون فيها، لأني أعطيتكم الأرض لترثوها".
إن ساسة إسرائيل وعلى رأسهم نتنياهو منذ العدوان على غزة يتحدثون بخطاب ديني بأنهم ينفذون تعاليم دينية ويسعون لتحقيق نبؤات النبي أشعيا ومنها استمرار الاحتلال والعمل على بناء الهيكل المزعوم في القدس وتهجير أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة من أراضيهم في ظل الدعم الأمريكي لتنفيذ الرغبات الإسرائيلية.
ويقول الحاخام شموئيل إلياهو إن كل خطط التنازلات والمساومات التي تهدف إلى أرض إسرائيل المقدسة سوف تذهب سدى، كما جاء في سفر حزقائيل (الآية 20-20): "هكذا قال السيد الرب، أجمع بيت إسرائيل من الأمم الذين تفرقوا في وسطهم". وأقدسهم أمام عيون الأمم، فيجلسون على أرضهم التي أعطيتها لعبدي يعقوب، فيتكلون عليها ويبنون بيوتا، ويغرسون كروما، ويجلسون متكلين على أحكامي في جميع الأشرار الذين حولهم لهم ويعلمون أني أنا الرب إلههم".
هاجس نهاية إسرائيل وعملية طوفان الأقصى
استغلت أحزاب اليمين وعلى رأسهم حزب نتنياهو عملية طوفان الأقصى والحرب على غزة والمناوشات مع حزب الله فى استخدام الفزاعة التاريخية للشعب اليهودي بأن إسرائيل التي تنتهي ويشتت شعبها عند بلوغها 80 عاما بعد التأسيس، تواجه هذا المصير حاليا ولذا يجب توحيد الجبهة الداخلية، لأن هذه حرب وجودية وهذا ما تم التصريح به أكثر من مرة من قبل نتنياهو ويوآف جالانت والساسة ورجال الدين في إسرائيل.
وبالعودة إلى عام 2017 أعلن نتنياهو بصفته رئيسا للحكومة وقتئذ أنه سيجتهد من أجل بلوغ إسرائيل ل100 عام، لأنه يعلم وفقا للتاريخ اليهودي أنه لم يسبق لكيان يهودي تخطى ال80 عاما، وبناء عليه تنهار إسرائيل ويتشتت الشعب اليهودي فى الأرض وهو ما حذر منه أيضا نفتالي بينيت عندما كان رئيس وزراء في الحكومة السابقة.
وظل هذا التخوف يلاحق ساسة إسرائيل ومفكريها ورجال الدين فيها منذ الاحتفال ببلوغ إسرائيل عامها ال74 حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك كتب مقالا في يديعوت أحرونوت عام 2022 أكد فيه خشيته أن تنزل بإسرائيل لعنة العقد الثامن "في العقد الثامن من وجودها انقسمت مملكة سلالة داود وسليمان إلى يهودا وإسرائيل. وفي العقد الثامن لمملكة الحشمونائيم، نشأ استقطاب داخلي، وممثلو الأجنحة حجوا إلى بومبيوس في سوريا، وطلبوا تفكيك مملكة الحشمونائيم وأصبح جناحهم تابعا لروما حتى خراب الهيكل الثاني ".
وأن إسرائيل نتاج المشروع الصهيوني هي المحاولة الثالثة في التاريخ ووصلنا إلى العقد الثامن ونحن كمن استحوذ عليهم الهوس، بتجاهل صارخ لتحذيرات التلمود، ونعجل النهاية".
بينما دلل اللواء احتياط جرشون كوهين الباحث بمركز "بيجن- السادات" للدراسات الإسرائيلية الإستراتيجية أن المخاوف الإسرائيلية من القضاء على الدولة اليهودية مسيطر بقوة على رجال السياسة والدين في إسرائيل، حيث إن التاريخ أثبت أن "مملكة داود وسليمان"، وهي الدولة الأولى لليهود، لم تصمد أكثر من 80 عاما، وكذلك "مملكة الحشمونائيم"، وهي الدولة الثانية لهم انتهت في عقدها الثامن، في حين أن إسرائيل وهي "الثالثة" تقترب من عامها الثمانين وتحارب على جبهات عديدة تحاول القضاء عليها.
ووفقا لما سبق عرضه من أفكار فإن الحاخامية اليهودية ورجالها أمثال شلومو جورين وشموئيل الياهو ويوسف دوف يعطون لحكومة اليمين الحلول الدينية لبقاء إسرائيل وعدم زوالها وتعتبر ما حدث ويحدث في إسرائيل موجه بخطة سماوية بهدف تحقيق رؤية الفداء الثالث من أجل البقاء ويتمثل من وجهة نظرهم وتفاسيرهم الخاطئة للتوراة في تحرير الأرض من الأجانب كما ورد في سفر التثنية (3:5): "ويذهب بك الرب إلهك إلى الأرض التي ورثها آباؤك، فتمتلكها وتنجح وتكاثرك أكثر من آبائك".
وكذلك سرعة بناء الهيكل وفقا للتنبؤات التي وردت في سفر حزقائيل (11-12) عن الهيكل الثالث: "يا ابن آدم، احفظ بيت إسرائيل البيت، فيصمتون من شدائدهم ويقيسون التصميم. وإذا سكتوا عن كل شيء لقد صنعوا شكل البيت وطبيعته وأصوله ومظاهره وجميع أشكاله وجميع قوانينه وجميع أشكاله وجميع تعاليمه أخبروهم واكتبوا أمام أعينهم وسيحتفظون بكل شكله وجميع قوانينه" واعملوا بها.
وورد في السفر ذاته(5:20) "هذه هي شريعة البيت الذي على رأس الجبل المحيط بتخمة..." لتكن إرادتك أيها الرب إلهنا وإله آبائنا، أن يبنى الهيكل سريعا في أيامنا هذه ".
وهذا يعكس تصميم قادة اسرائيل على المضي قدما فى استمرار الصراع والبحث عن الهيكل الثالث علي أنقاض المسجد الأقصى ورفض فكرة إقامة الدولة الفلسطينية وفقا للتعاليم الدينية التى غرست فى عقولهم بأن هذه الأرض المقدسة فى الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية المحددة لإقامة دولة فلسطينية هم أرث بنو إسرائيل وتحظر التوراة التنازل عنها للأجانب وفقا لمزاعهم.