يوسف عيدابى: لم تحظ المرأة السودانية بالمشاركة المسرحية إلا في بداية 1941
عواطف نعيم: أتمنى إطلاق اسم المناضلات العراقيات على أحد المسارح العراقية تخليدًا لدورهن
لينا أبيض: كيف يتجه المسرح إلى المستقبل وإسرائيل تهدد بالإبادة الجماعية في غزة ولبنان؟
إن الدراسات النسوية في ستينيات، وسبعينيات، وثمانينيات القرن الماضي، على الرصد التاريخي للأدب والفنون النسوية، للوقوف على دور النساء في الحياة الثقافية والأدبية والفنية، تزامنا مع حركات التحرر النسوي في العصر الحديث، مما استدعى وصف استراتيجي وتاريخي للفنون والآداب النسوية، ومن ثم الرجوع إلى الإنتاج النسوي للكاتبات والفنانات والناقدات ووضعه محل بحث وتنقيب.
فقد اختص مهرجان المسرح العربي في دورته الرابعة عشرة، التي أقيمت فعالياتها في العراق خلال الفترة من 10 حتى 18 يناير الجاري، المحور الفكري بمناقشة ورصد صورة المرأة في المسرح العربي، وكذلك إدراجها ضمن موضوعات مسابقة البحث العلمي المسرحي لعام 2023، لذلك تظل المرأة محل بحث وتنقيب المسرحيين والنقاد والباحثين في كل الأزمنة المسرحية، وفي السطور التالية نستعرض بعض آراء الأكاديميين والمسرحيين العرب لرصد صورة المرأة في المسرح العربي.
في البداية؛ قال الكاتب المسرحي السوداني الدكتور يوسف عيدابي، إن المرأة تظل محور تباحث على مر العصور في شتى المجالات، فالمرأة في المسرح بالوطن العربي، لما لها من ثقل وأهمية كبيرة في هذا الجانب المسرحي، وحتى وقت قريب كان مستحيل التمثيل على خشبة المسرح في بعض الدول العربية منذ الفترة الاستعمارية، وفي السودان كانت الفرقة الإنجليزية تقدم عروضا مسرحية تمثل فيها فتيات أجانب.
وأضاف عيدابي: وأيضا الفرقة المصرية تمثل فيها فتيات مصريات، وكذلك الفرق السورية وهكذا، أما السودانيين فكان محظور عليهم دخول هذه العروض المسرحية، وبالتالي لم يكن للمرأة حظ المشاركة إلا بداية من العام 1941، وعندما صعدت المرأة السودانية على خشبة المسرح عانت ما عانت حتى جونّت وتوفاها الله، ولكن الأوضاع الآن مختلفة وأصبح لدينا قطاع واسع من المشاركة الإيجابية للمرأة العربية في المسرح العربي.
وتابع عيدابي: أن هذه الدورة خصصت مسابقة البحث العلمي المسرحي للمرأة في المسرح العربي، ومن بين النماذج البحثية المختارة لشباب النقاد محل البحث: الدكتورة نهاد صليحة، ونوال السعداوي، وفتحية العسال، وسلوى بكر من "مصر"، ولطيفة أحرار، وأسما هوري من "المغرب"، وبسمة يونس، ووفاء شمس من "الإمارات"، وعواطف نعيم من "العراق"، ونادية عمران من "الأردن"، ونوال الإسكندراني من "تونس"، ونعيمة الزيطان من "المغرب"، وملحة عبدالله من "السعودية"، وغيرهن، وأتمنى أن المرأة تلقى حظها في المسرح بشكل أكثر.
وقالت المخرجة العراقية الدكتورة عواطف نعيم: عندما نتحدث عن المسرح فنحن نتكلم عن عالم كبير من الجمال والحضور والفكر، والمسرح بطبيعته منذ أن ابتكره الإغريق منبرا للديمقراطية والمعرفة، فلم يكن إلا متحركا ومتجددا لا يعرف السكون والثوابت، والمرأة في المسرح حاضرة في كل الأزمنة المسرحية سواء حين كان الرجال يمثلون شخصيات النساء أو كان النساء يمثلن شخصياتهن، فالمرأة حاضرة منذ سوفوكليس، وأسخيلوس، ويوربيدس، وشكسبير، ومن تلاهم من الكتاب العالميين والعرب، وبالدليل نتذكر دور النساء العظيمات منهن: ميديا، وأنتيجونا، وأفيجينا، والكترا.. وغيرهن، فهناك أسماء كثيرة في المسرح العالمي والعربي.
وتابعت نعيم: أن المسرح كائن يتحرك ويتطور ويزدهر على أيدي العنصر البشري صاحب العقل الخلاق الذي ابتكره ورسخ وجوده وأرسى لأجله الصروح والفضاءات على تنوعها أو اختلاف معمارها، فالمسرح الذي انطلق من أرض الإغريق وجاء في العالم أجمع دون أن يحمل جواز مرور إلا جواز الإبداع والابتكار، حيث وجد له أينما حل حاضنا وتقبلا وتفاعلا، فهو أيضا المسرح الذي يفتح أحضانه لكل عقلية إبداعية تجتهد وتبتكر وتغامر، فتغاير ما هو موجود وسائر إلى ما هو حداثي ومتجدد، وحينما نتحدث عن المسرح لا بد أن ننحنى لقامات ضحت من أجل أن يرسخ المسرح في بلدانها، فهناك نساء ضحين كي يترسخ المسرح ليكون ثابتا ومتواجدا وتظهر فيه شخصيات شابة تنويرية.
وتمنت "نعيم" أن تحمل إحدى دور العرض في العراق المسرح اسم "زينب" إحدى السيدات المناضلات، التي تصدت ووقفت في وجه الآخرين، فالمرأة موجودة ودورها مؤثر في المسرح العالمي أو العربي.
وقالت المخرجة اللبنانية الدكتورة لينا أبيض، إن المسرح وسيلة للتغير الاجتماعي وتحدي القيم والأعراف ومنتدى للمناقشة السياسية وهذا ليس بجديد، فمنذ البداية وكان المسرح يسير على هذا النحو، فنحن نعاني اليوم من ضجيج الحروب وانهيار للاقتصاد اللبناني الذي لا مثيل له في التاريخ وأيضا انفجار مرفق بيروت ولم نعرف ما السبب فيه حتى اليوم.
وأضافت أبيض، أنها ألقت الضوء على أعمالها المسرحية الرئيسية المنتجة طوال مشوارها الإخراجي، ومن خلال هذا التقييم تصورت المسرح الذي تخطط لإنتاجه في المستقبل، وما أدراك ما هو المستقبل وإسرائيل التي تهدد بالإبادة الجماعية غزة، ولبنان.. وغيرهما، فالمسرحيات التي قدمتها تدور حول ثلاث محاور وهي: الحروب الأهلية، وفلسطين، والنساء.
وتعرف لينا أبيض في لبنان كمخرجة نسوية تحدثت عن النساء في السجن برفقة الكاتبة نوال السعداوي، وعن مرض سرطان الثدي مع الممثلة العراقية نماء الورد، وذلك عن حريتهن الجنسية مع الفنانة جمانة حداد، وعن المعنفات وكيف تواجهن الحبيب القاطرى، وقد قدمت المرأة في دور "الجنرال" في مسرحية "الديكتاتور" للكاتب عصام محفوظ، تلك الجنرال المهوس بالسلطة في دولة عربية وخادمة المتملق، وهما يخططان إلى الانقلاب، فالمرأة في مسرحها ترمى في السجن، لأنها جريئة ومتمردة على الصعيد السياسي والإنساني، ولكن هي لم تتكلم عن هذه الأعمال، فهي تتحدث عن المسرح المواطن، والمسرح الإنساني.
فالمسرح المواطن عندما توقفت الحرب الأهلية اللبنانية تمنيت "أبيض" تقديم أمراء الحرب الذين ارتبكوا المجازر إلى محكمة عدل دولية في الواقع لم تتم محاسبة مرتكبي هذه الجرائم بل بالعكس، فالمجرمون أصبحوا نوابا ووزراء، وبما أنها تؤمن بأن المسرح هو إيقاذ للضمير فكانت أول مسرحية قدمتها كانت بعنوان "الكترا" لسوفوكليس، والكل يعرف حبكة المسرحية جيدا، فقد نقلت أحداث المسرحية في لبنان، ولكن الجمهور اللبناني لم يتعاطف مع الكترا، وكذلك عرض "منمنمات جزائرية" الذي تناول قضية الحرب الأهلية في الجزائر.
أما المسرح الذي ينقذ إنسانياتنا، فهناك العديد من الأعمال المسرحية التى تناولت هذا الجانب الإنساني منها: "ألاقي زيك فين يا علي" كتابة وتمثيل رائدة طه، إنه مونولوج عن سيرة أبيها الفدائي الذي استشهد في العام 1972 بعد أن قتلته القوات الخاصة الإسرائيلية، وتفكك خلالها طه صورة الشهيد ومن خلالها الكشف عن ذكرياتها ووصفها لتفاصيل مدفونة في أعماق خلايا ذكرياتها وذاكرتها.
ومما سبق فالحديث عن المرأة في المسرح لا يكل ولا يمل في العالم العربي، وهناك العديد من النماذج المسرحية تعبر عن معاناة وقضايا المرأة في كل بلدان العالم، والمسرح خير شاهدا على ذلك منذ قديم الأزل، فقد تناول العديد من الكتاب والمخرجين صورة المرأة في المسرح بشتى الطرق والرؤى المختلفة.