فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في تأمين الملاحة في البحر الأحمر رغم الضربات التي قامت بشنها على مواقع يمنية في صنعاء والحديدة وتعز وصعدة؛ خاصة وأنّ واشنطن مازالت مصرة على التعامل بنفس سياستها المنحازة لإسرائيل في الحرب الدائرة حاليًا، وهو ما أدى إلى تعقد الوضع الأمني في البحر الأحمر وباب المندب.
واستمرار واشنطن في انحيازها لإسرائيل سوف يُؤدي إلى تعقد أكبر للمشهد الأمني ليس فقط في البحر الأحمر وإنما سوف تمتد ألسنة اللهب إلى دول كثيرة، وبالتالي الحل العملي لتأمين مياه البحر الأحمر هو إعادة التفكير في الحرب العبثية التي مازالت تشنها إسرائيل ضد الفلسطينين، ليس ذلك فقط ولكن التفكير بشكل عملي في إقامة الدولة الفلسطينية.
سقف المطالب العربية بشأن الحق الفلسطيني ارتفع على خلفية الحرب الإسرائيلية الأخيرة إلى ضرورة تنفيذ مسار حل الدولتين من خلال الضغط على تل أبيب، وإلا سوف تنفلت الأمور من عقالها وتبدأ حرب جديدة في المنطقة سوف تتضرر أمريكا من تداعياتها، وهنا سوف تكون هناك ضغوط خشنة في التعامل مع التصور الخاص بإقامة الدولة الفلسطينية.
لا يفهم من هذا السرد تبرير الهجمات الحوثية ولا البحث عن سبب للإعتداء على السفن في المياة الدولية، ولكن قراءة استباقية لأزمة قد تتحول إلى حرب تكون فيها واشنطن طرفًا وهو ما لا تتحمله إسرائيل وبالبطع يؤثر على مصالح أمريكا في منطقة الشرق الأوسط.
بذلت واشنطن جهودًا من أجل إحتواء تطورات الموقف في البحر الأحمر ولكنها فشلت في تحقيق ذلك، سواء بإعلانها في 18 ديسمبر عام 2023 عن تأسيس تحالف عسكري بحري متعدد الجنسيات أو حتى الضربات الأمريكية على المواقع الحوثية في 12 و13 يناير وآخرها الضربة الأمريكية فجر الخميس حيث تم استهداف مواقع يمنية جديدة للمره الرابعة.
ولعل الرئيس الأمريكي جو بادين لخص جدوى الجهود الأمريكية في تأمين البحر الأحمر عندما رد على سؤال يخص وقف الهجمات الحوثية بعد الضربات الأمريكية قائلًا: لن يحدث، إذًا ما هي جدوى هذه الضربات؟ وما هي الخطة البديلة أمام الأمريكان لتأمين السفن الملاحية بداخله؟ وهل واشنطن قادره على تحقيق ذلك؟
لا أعتقد أنّ أمريكا قادرة على تحقيق الهدف من وراء تأمين مياه البحر الأحمر، خاصة وأنها أعلنت على لسان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، باتريك رايدر، أنها لا تسعى إلى الصراع مع إيران أو الحوثي، مؤكدًا في نفس التصريح أنّ الحوثيين يحتفظون بقدرات هجومية، وهو ما يُضعف الموقف الأمريكي ويؤكد ما ذهبنا إليه في رؤية سابقة بأنّ إسرائيل باتت عبئًا على واشنطن.
لا يمكن اختصار تداعيات حرب غزة فيما يجري في البحر الأحمر، ولكن فيما يمكن أنّ يجري ضد المصالح الأمريكية والإسرائيلية في كل دول العالم، الأرض اليابسة والمياه السائلة والفضاء المفتوح، إذَا الحرب لها صور مختلفة وسوف تفتح شهية الرافضون للسياسات الأمريكية مما يُعقد الوضع الأمني وربما ينقلنا إلى حرب عالمية ثالثة سوف تكون واشنطن وتل أبيب أول الخاسرين فيها وسوف يتم تشكيل العالم بعدها، وربما تصعد الصين وروسيا على خلفية هذه الحرب التي بدأت تظهر ملامحها الآن.
على المجتمع الدولي أنّ يحتوي الأزمة في فلسطين حتى لا تتسع رقعة الحرب في دول العالم، الأمر يتعدى فكرة أمن البحر الأحمر إلى الحفاظ على الأمن في المنطقة، وهو ما لم يتحقق إنّ لم يُصبح واقعًا في فلسطين، دوائر متصلة ببعضها، وهو ما ينبغي أنّ تًدركه واشنطن سريعًا وتتعامل معه وفق ما تقتضية الحكمة والواقع.