الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

سياسة

إندونيسيا تتبنى الواقعية والسلام

إندونيسيا
إندونيسيا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

فى ظل عدم وجود علاقات دبلوماسية بين إندونيسيا وإسرائيل ترغب جاكرتا فى اختراق جمود القضية الفلسطينية وتلافى تداعيات انزلاقها باتجاه الصراع المسلح من خلال تمكين الأمة والشعب الإندونيسى من مساعدة الفلسطينيين وتنشيط العلاقات القنصلية.

ومن منطلق التزاماتها كدولة إسلامية تُعد أكبر بلد إسلامى من حيث عدد السكان، وبسبب الخشية من انعكاسات الحرب فى غزة التى قد تطول والتحذيرات المتكررة من إمكانية استفادة الجماعات المتطرفة منها فى حربها الدعائية وأنشطة التجنيد، تجد إندونيسيا أنه حان الوقت للحضور بقوة فى المشهد باعتبارها صانعة للسلام، ولسحب البساط من تحت أقدام الحركات المتطرفة.

ودعت جامعة نهضة العلماء فى سورابايا (عاصمة إقليم جاوا الشرقية) فى ٢٥ ديسمبر إلى تظاهرة واجتماع خيرى لمساندة نضال الشعب الفلسطيني، وبلغ الحماس ذروته لدرجة تجميع أكثر من ١٠٠ مليون روبية إندونيسية خلال أقل من ثلاث ساعات.

وحذر نشطاء إندونيسيون من خطط إسرائيل لاستغلال الهجوم غير المسبوق الذى شنته حركة حماس فى السابع من أكتوبر الماضى والذى نتج عنه هجوم انتقامى وحرب إبادة تريد تل أبيب من ورائها إلغاء وجود الشعب الفلسطينى وتشكيل دولة جديدة منفردة تحت عنوان (إسرائيل الكبرى).

وحملت نخب فكرية وسياسية إندونيسية الدول العربية والإسلامية المسئولية من أجل التحرك وعمل ما يلزم للحيلولة دون تحقق هذه السيناريوهات التى تهدد استقرار جميع دول العالم، حيث لا تملك رفاهية التخلى عن أدوارها ومهماتها التاريخية تحت ذريعة أن ما جرى حصل نتيجة أخطاء الآخرين وتهورهم.

نقاط الضعف والقوة

رأى خبراء إندونيسيون مقربون من صناع القرار أن جزءًا من المأساة الفلسطينية وابتعاد الفلسطينيين عن فرض حل يحقق مصالحهم سببه الانفصال عن الاستراتيجية الذكية التى اتبعتها منظمة التحرير الفلسطينية منذ قيادة ياسر عرفات من ١٩٩٤م إلى ٢٠٠٤م.

وأوضح الفريق أول متقاعد عبدالله محمود هيندروبريونو الأستاذ الفخرى بجامعة الدفاع بإندونيسيا أن خطة التحرير طويلة المدى- التى تحتاج لتكاتف جميع الفلسطينيين وتقوية منظمة التحرير- جرى تعطيلها بجهود من منظمات الإسلام السياسى مثل حركة حماس، ما جعل الشعب الفلسطينى يعيش أقسى معاناة عاشها شعب طوال تاريخ العالم.

ورأى هيندروبريونو الذى يدرس العلوم الاستخباراتية وشغل فى السابق منصب رئاسة استخبارات الدولة، أن قادة العالم العربى والإسلامى السنى رغم رغبتهم فى نصرة فلسطين والإسهام فى حل القضية بشكل عادل، إلا أن ارتباط حركة حماس بالأجندة العالمية لجمهورية إيران الإسلامية الشيعية جعلتهم مُقيدين سياسيًا.

وقلل ارتهان حماس لأهداف ومصالح إيران إلى حد كبير من رغبة وقدرة قادة العالم العربى والعالم الإسلامى السنى بمن فيهم إندونيسيا فى لعب دور فى التوصل لحلول واقعية للمعضلة الفلسطينية وهم يمتلكون مفاتيحها.

وتترسخ قناعة لدى خبراء وسياسيين إندونيسيين مفادها أن السير الوهمى بلا طائل وراء تحقيق هدف مستحيل التحقق تتبناه جمهورية إيران الإسلامية وهو محو إسرائيل من فوق خارطة الأرض، مثل نقطة ضعف للعالم العربى والإسلامى السنى وحرم القضية الأولى للعرب والمسلمين من الجهود الكاملة لقوى عربية وإسلامية كبرى ووازنه فى أفريقيا وآسيا مثل المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر وإندونيسيا.

ويجد هؤلاء أن الآمال معقودة على تصويب أخطاء السنوات الماضية ووضع الأمور فى نصابها الصحيح وإعادة القضية لأصحابها الحقيقيين الذين يعملون بجد وإخلاص ورشد ومن خلال التحلى بالواقعية فى سبيل استعادة الحقوق والكرامة للشعب الفلسطيني.

ولن تتحقق مكاسب وتقدم فعلى إلا عبر جهود الداعمين التاريخيين للقضية الفلسطينية وتمكين حركة فتح من الإمساك بدفة قيادة الفلسطينيين باتجاه إنجاز الاستقلال.

وقال إن مواصلة المقاومة والنضال بمعزل عن تصدير شعارات الحركات الدينية المتعلقة بالقضاء على معتنقى الديانات الأخرى ومحوهم من الوجود، واستعادة حركة فتح للقيادة بدعم قوى من قبل الدول العربية والإسلامية هو بمثابة الضامن الوحيد لإصلاح الإعوجاج والخلل ووضع الفلسطينيين مجددًا على طريق استرداد حقوقهم والحفاظ على كرامتهم.

ويضمن هذا المسار دعم المجتمع الدولى وجلب تعاطف العالم مع القضية الفلسطينية؛ وإزالة آثار الدعاية الإسرائيلية حول العالم بشأن مزاعم كونها تحارب تنظيمات إرهابية شبيهة بالقاعدة وداعش وليس حركات مقاومة وطنية.

ويتيح تهميش أدوار الحركات المتطرفة تمكن الدول العربية والإسلامية من امتلاك أدوات دحض رواية القادة الإسرائيليين الذين روجوا بقوة لدى الرأى العام العالمى أن القادة الفلسطينيين يسعون للقضاء على اليهود على غرار هدف القادة النازيين الألمان فى ١٩٤١-١٩٤٥م.

ووفقًا لرؤية الفريق أول متقاعد عبدالله محمود هيندروبريونو، فإن العالم العربى والإسلامى يمتلك نقاط قوة غير عسكرية منها نحو ٤ ملايين مسلم فى إنجلترا وويلز بينهم سياسيون، و١٥ ألفًا ضمن النخب المثقفة المؤثرة، علاوة على ٥ ملايين عربى من ذوى النفوذ المالى والاقتصادى بفرنسا والعديد من الشخصيات العامة البارزة ونحو ١٠ بالمئة من المسلمين السنة.

ويمكن حشد وتحفيز هذه الأعداد المؤثرة لتوسيع النضال السياسى والشعبى على غرار عقيدة الكفاح للشعب الإندونيسى وهو ما سيدعمه عصر السماوات المفتوحة والذكاء الاصطناعي، بهدف إجبار العالم على التعاون من منطلق السعى لتسوية سلمية على أساس حل الدولتين، وهى الخطة الأكثر ذكاء والأكثر قابلية للتطبيق لنسف دعاية إسرائيل المضادة.

خارطة طريق

ورشح الدكتور أسعد سعيد على نائب رئيس المخابرات الإندونيسى الأسبق  جهود مصر وإندونيسيا لرسم خارطة طريق لحل القضية الفلسطينية استنادًا لتأثيرهما فى المحافل الإقليمية والدولية ولثقلهما العربى والإسلامي، لافتًا إلى ضرورة تحقيق الآمال الفلسطينية عبر دولة مستقلة بالتوازى مع توفير الضمانات الأمنية لدولة إسرائيل.

ورغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين إندونيسيا وإسرائيل استنادًا للدستور الذى يحظر استعمار الدول، إلا أن عبارة (ممنوع زيارة إسرائيل) التى كانت مكتوبة على جواز سفر المواطنين الإندونيسيين قد أزيلت منذ عهد نظام الرئيس محمد سوهارتو بداية من سبعينات القرن الماضي.

ويجد أسعد سعيد على الذى يشغل حاليًا منصب مستشار جمعية نهضة العلماء بإندونيسيا أن الزيارات الاجتماعية والاقتصادية والتجارية بين الدول العربية والإسلامية يمكن أن تسرع التفاهم المتبادل، بحيث تصبح جسرًا نحو السلام وفتح علاقات دبلوماسية تفضى إلى إقناع إسرائيل بضمانات أمنية.

وتضع هذه التصورات فى الاعتبار ضرورة الاستفادة من جهود الجاليات اليهودية بجميع دول العالم التى ترفض تمويل حرب إسرائيل على غزة وتجد فى عصر العولمة فرصًا لتدشين تجارة عالمية تقرب بين الثقافات والحضارات وتعزز السلام والتواصل بين شعوب العالم.

وأسهمت ضغوط الجاليات اليهودية حول العالم فى السابق فى إجبار القوات الإسرائيلية على الانسحاب من جنوب لبنان عام ١٩٨٢م.

وطرح عضو جمعية نهضة العلماء أسعد سعيد على مشروعًا يتأسس على ضم زيارة القدس الشريف بالنسبة للإندونيسيين بعد أداء العمرة إلى مكة والمدينة كل عام، علاوة على تمكين المسيحيين من زيارة بيت لحم.

يعزز هذا النشاط الدينى والسياحى شعور الفلسطينيين واليهود تدريجيًا بالعوائد الاجتماعية والاقتصادية جراء التواصل مع مواطنى الدول العربية والإسلامية حول العالم وخاصة إندونيسيا أكبر بلد إسلامى من حيث عدد السكان.

ويدعم المشروع إذا تم تنفيذه الصيغة السياسية والدينية المتعلقة بكون المسجد الأقصى (القدس الشرقية) هو مكان مشترك لكل أبناء الرسالات السماوية (الإسلامية واليهودية والمسيحية)، كأساس لتشكيل وعى مواطنى العالم باتجاه تحقيق السلام.

ويطالب سياسيون ومثقفون إندونيسيون الدول العربية والإسلامية بممارسة الضغوط على كافة المستويات على الدول الأوربية خاصة بريطانيا وفرنسا لتتحمل مسؤولية أفعالها بعد الحرب العالمية الثانية وأن تبقى بعيدة عن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية المساندة لإسرائيل.

ولدى بريطانيا ودول أوربية أخرى فرصة تاريخية للتكفير عن أخطائها السابقة خاصة تلك المتعلقة بتأسيس إسرائيل داخل قلب العالم العربى والإسلامى لأهداف نفعية ولفرض السيطرة على الشرق الأوسط، من خلال الإسهام فى منح الفلسطينيين دولتهم المستقلة بعد طول نضال وصبر، بدلًا من السير فى فلك المؤامرة عليهم وعلى دول الجوار الفلسطيني.