الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

بالعربي

Le Dialogue بالعربي

رولان لومباردي يكتب: انتخابات فبراير.. ماذا عن النفوذ الفرنسي في السنغال؟.. فرنسا فقدت جزءًا كبيرًا من نفوذها بأفريقيا بسبب أخطائها السياسية والجيواستراتيجية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في السنغال، ستجرى الانتخابات الرئاسية في ٢٥ فبراير ٢٠٢٤. وقدم المعارض الرئيسي للسلطة، المسجون منذ نهاية يوليو، عثمان سونكو، ترشحه للانتخابات الرئاسية إلى المجلس الدستوري على الرغم من رفض الإدارة تسليمه للمجلس الدستوري. وقال أوسينو لي، مدير وحدة الإعلام في حزبه، يوم الثلاثاء، إنه قدم له جميع الوثائق اللازمة.

وانخرط عثمان سونكو، ٤٩ عامًا، نائب في الجمعية الوطنية من ٢٠١٧ إلى ٢٠٢٢، وعمدة زيجينشور ورئيس حزب الوطنيين الأفارقة في السنغال من أجل العمل والأخلاق والأخوة (PASTEF)، في مواجهة أخرى لمدة عامين مع الحكومة. وبعد اتهامه بالاغتصاب (وهو ما يندد به باعتباره "محاولة للتصفية السياسية"، تسبب اعتقاله في الصيف الماضي في وقوع عدة حوادث من الاشتباكات العنيفة والمميتة بين أنصاره والشرطة.. في ١ يونيو ٢٠٢٣،  تمت تبرئته من تهم الاغتصاب والتهديد بالقتل، لكن حكم عليه مع ذلك بالسجن لمدة عامين بتهمة "إفساد الشباب". ومنذ ذلك الحين، أصبح ترشيحه للانتخابات الرئاسية المقبلة موضوع معركة قانونية شديدة.

وفي منتصف ديسمبر، أطلق أحد القضاة ترشيحه من جديد، وأمر بإعادة تسجيله في القوائم الانتخابية، مؤكدًا القرار الذي أصدرته محكمة زيجينشور، في أكتوبر، والذي أبطلته المحكمة العليا.

وأعلنت رئيسة الوزراء السابقة أميناتا توري، التي كانت مقربة من ماكي سال وانضمت بعد ذلك إلى المعارضة، عن تقديم ترشيحها يوم الإثنين.

ومن المقرر أن يعلن المجلس الدستوري في ٢٠ يناير الجاري قائمة المرشحين الذين تم اختيارهم للانتخابات الرئاسية.

على أية حال، فإن باسيرو ديوماي فاي، المسجون أيضًا، هو الخطة البديلة لحزب عثمان سونكو، PASTEF ـ الذي تم حله في نهاية يوليو ـ للانتخابات الرئاسية التي ستقام في فبراير.

صراع على السلطة لأسباب أعمق مما نعتقد

ويقول المتخصص بالشأن الأفريقي برنارد لوجان: "بالنسبة لوسائل الإعلام الفرنسية، فإن تفسير الأزمة التي تمر بها السنغال بسيط. وترجع بالنسبة لها إلى رفض الشباب للرئيس (ماكي سال) الذي يحاول البقاء في السلطة لفترة ولاية ثالثة، والذي، لتحقيق ذلك،  سيحرم خصمه الشاب المؤيد للديمقراطية من الأهلية عن طريق نظام قضائي خاضع  للأوامر. وكل ذلك على خلفية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. إن مثل هذه الفرضية، التي تميزها السطحية تعتبر مزعجة إلى حد ما، وتتجاهل الشر العميق الذي يقوض السنغال. لقد كانت هذه الدولة استثناءً لفترة طويلة في أفريقيا، حيث يشهد الآن نظامها السياسي وصولة إلى نهاية الدورة من خلال تلاشي أسطورة الدولة فوق العرقية.

ومن الطبيعي أن هواة الإعلام الفرنسي لم يروا ذلك". بالنسبة للخبير، المطلع بشكل جيد على أفريقيا، فإن ما نشهده يمثل قبل كل شيء عودة قوية للمجموعات العرقية. ويضيف: "باستثناء النزعة الانفصالية في كازامانس، وعلى الرغم من المجموعات العرقية العشرين التي تضمها، فإن السنغال، التي تمثل نموذجًا للديمقراطية في أفريقيا، لم تشهد صراعًا عرقيًا. ومع ذلك، فهي تنضم حاليًا تدريجيًا إلى  المشترك القاري، حيث أصبحت حتمياتها الخاصة في طور السيطرة على الدولة فوق العرقية التي شكلها قادتها بصبر منذ ستينيات القرن العشرين.

وقد عادت العرقية الآن بقوة بعد أن تم حظرها من الإدارة منذ الاستقلال، للنقاش السياسي السنغالي. ولكن من المفارقة أنه على الرغم من حظره سياسيًا، فقد تم ذكر الواقع العرقي بانتظام من خلال التعدادات السكانية من أجل تسليط الضوء بوضوح على الهيمنة الديموغرافية للولوف، أي ٤٠٪ من السنغاليين. خمس مجموعات عرقية أخرى يبلغ مجموعها حوالي ٥٢٪، وهي السيرير ١٦٪، والفولاني ١٤٪، والتوكولور ١٠٪، والديولا ٨٪، والماندينغو ٥٪. وتشكل المجموعات العرقية الأخرى ٧٪ من سكان السنغال. لكن الواضح هو أن الفولاني والتوكولور قريبان جدًا، وبما أنهما مرتبطان في المعتقد الشعبي، فإن وزنهما يبلغ حوالي ٢٥٪ من إجمالي السكان السنغاليين. منذ الاستقلال، وإدراكا لهشاشة البلد، على وجه التحديد بسبب فسيفسائه العرقي، سعى القادة السنغاليون إلى بناء الدولة فوق الحتميات العرقية، مع الاعتراف بوجود ست لغات. ومع ذلك، في الواقع، كانت إحداها، الولوف، هي التي لها اليد العليا بسبب عدد المتحدثين بها".

وتابع: لذلك بدأ التعبير عن التأكيدات الثقافية للأقليات العرقية في مواجهة حصرية الولوف. ومن ثم، تحول هذا الطلب بطبيعة الحال إلى سعي إلى السلطة. وأضاف أن هذا التطور حجبه الرفض الذي أبداه الرئيس عبد الله واد الذي وحد ضده كل المعارضة السياسية والعرقية. وهذا ما سمح بصعود ماكي سال الذي انفصل عام ٢٠٠٨ عن الرئيس عبد الله واد، الذي كان حتى ذلك الحين معلمه والذي كان رئيسًا للوزراء.

ثم فاز في الانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٢، متغلبًا على واد المنتهية ولايته بفضل ائتلاف كبير جدًا، "بينو بوك ياكار"، والذي يعني "متحدون من أجل نفس الأمل" باللغة الولوفية، حسبما يذكر برنارد لوجان. "في عام ٢٠١٥، ظهرت فجأة الطبيعة غير المعلنة للمجموعات العرقية والطوائف إلى النور عندما أعلن الرئيس السابق واد، الغاضب من اتهام ابنه كريم في قضية (الإثراء غير المشروع)، أن الرئيس ماكي سال كان (سليل العبيد وكان والداه من أكلة لحوم البشر، وأننى في ظرف آخر كنت سأبيعه كعبد"!. لم تمنع هذه الهجمات الحمقاء ماكي سال من إعادة انتخابه في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠١٩ بأكثر من ٥٨٪ من الأصوات، وبالتالي "تجاوز قاعدته العرقية، وهي قبيلة الألبولار - أولئك الذين يتحدثون البولار - وقاعدة زوجته الإثنية من عرق سيرير، دون أن ننسى أنه استفاد من دعم جماعة المريدين القوية".

منذ هذه الانتخابات، من الواضح جدًا أن المعارضة لعبت على البطاقة العرقية لمحاولة إضعافه في ضوء الانتخابات المقبلة في عام ٢٠٢٤.

وبالنسبة للمتخصص الفرنسي، فإن عثمان سونكو، أحد المعارضين الرئيسيين لسال، الذي يقدمه أنصار الرئيس المنتهية ولايته على أنه "شهواني" و"متعجرف"، و"فقد دعم جزء كبير من الرأي العام السنغالي بارتكابه جريمة".. لقد ارتكب خطأً سياسيًا كبيرًا عندما قدم في فبراير ٢٠٢٢ شكوى ضد بلاده أمام المحكمة الجنائية الدولية، دون أن يتردد فى اتهام الدولة السنغالية بالتمييز والإبادة الجماعية (!!) ضد شعب كازامانس (ديولاس، مادينجوس، سونينكيس، مانجاك)، وأيضًا بسبب "الأحكام المسبقة التي تمنعهم من الوصول إلى مناصب مهمة".

هذه الشكوى، رغم أنها غير عادية وغير مقبولة، تم إبطالها بشكل طبيعي من قبل المحكمة الجنائية الدولية، لكن عثمان سونكو استمر في تأجيج جذوة العرق بإعلانه أن الرئيس ماكي سال يعتبر قبيلة ديولا "أشخاصا متخاذلين  يقضون وقتهم في تجرع البيرة المصنوعة من الأرز". ويتابع لوجان: "بما أنه يكره فرنسا، ويدينها باستمرار مع CFA، وكذلك الشركات الفرنسية الموجودة في السنغال، فإن وسائل الإعلام الفرنسية تلقي (بعيونها العاشقة) على عثمان سونكو، حيث يقدمونه كمرشح الشباب والتجديد والديمقراطية والتقدم. ومن خلال القيام بذلك، فإنهم لا يرون، أو الأسوأ من ذلك، أنهم لا يريدون أن يروا أنه يتصرف كمشعل حريق. ومن خلال إشعال الحرائق العرقية بشكل مستمر والتي قد تصبح خارجة عن السيطرة في أي لحظة، يعمل عثمان سونكو وأنصاره على التعجيل بإنهاء الاستثناء السياسي السنغالي. دعونا نأمل لهذا البلد الصديق ألا ينتهي هذا الأمر بمأساة أفريقية جديدة".

وماذا عن النفوذ الفرنسي والأيادي الأجنبية؟

تعتبر العلاقات بين السنغال وفرنسا قوية تاريخيًا، وتتميز بالعلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية الوثيقة. ومع ذلك، فإن ظهور (أو عودة) مؤثرات جديدة، مثل نفوذ الولايات المتحدة والصين وروسيا بشكل خاص، في أفريقيا، يمكن أن يؤثر على هذه العلاقات. وتسعى روسيا، التي جعلت فرنسا عدوًا لها منذ عام ٢٠١٣ من خلال عض اليد الممدودة من قبل موسكو هى وأتباعها الأطلسيون والأوروبيون الأغبياء منذ الحرب في أوكرانيا،  إلى توسيع وجودها في القارة المظلمة على حساب باريس التي تفقدها، ولا سيما من خلال الاتفاقيات التجارية والمساعدات العسكرية والدبلوماسية. وقد يُدخل هذا عناصر جديدة في العلاقات السنغالية الفرنسية، لكن النفوذ المحدد سيعتمد إلى حد كبير على القرارات التي ستتخذها الحكومات والأولويات الوطنية في عام ٢٠٢٤.

لقد فقدت باريس جزءًا كبيرًا من نفوذها في إفريقيا، ليس بسبب تصرفات الروس بل بسبب الأخطاء السياسية والجيواستراتيجية المروعة والمتكررة التي ارتكبها إيمانويل ماكرون وفريقه،. كما رأينا مع سلسلة الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول منطقة نفوذها السابقة، والتي سقطت الواحدة تلو الأخرى مثل بيت من ورق. وتدعم فرنسا بقوة الديمقراطية في السنغال وتأمل في حماية دولة ليوبولد سيدار سنجور من الانقلابات.

وهي مهمة يمكن أن تكون أكثر صعوبة في السياق الجيوسياسي العالمي الحالي، بطبيعة الحال، تهتم روسيا بشدة بنتائج الانتخابات السنغالية في فبراير. وبحسب بعض المصادر، فإن سونكو، الذي يُفترض عداءه لفرنسا والدول الغربية، مدعوم من موسكو (وقطر!) وكان على وشك إجراء اتصالات مع رجال من شركة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة.

على أية حال، لم يتم انتخاب سونكو بعد، وقد اعتاد الروس على عدم وضع بيضهم في سلة واحدة أبدًا. فالسنغال، مثلها في ذلك كمثل العديد من البلدان الأفريقية الأخرى، تتطلع بالفعل إلى الكرملين. دعونا نتذكر فقط مشروع الشراكة بين مدينة تييس السنغالية ومدينة سيفاستوبول، في شبه جزيرة القرم، في خضم الحرب الأوكرانية!

وقبل كل شيء، دعونا نتذكر أن داكار هي الشريك التجاري الثاني لموسكو في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بعد جنوب أفريقيا. وفي عام ٢٠٢٢، بلغ حجم التجارة بين البلدين ٥١٣.٣٠ مليار فرنك أفريقي، أي حوالي ٧٨٤ مليون يورو.

وفي عام ٢٠١٨، كانت السنغال واحدة من أكبر عشرة شركاء تجاريين لروسيا في القارة الأفريقية، ومنذ ذلك الحين، نمت الشراكة الروسية السنغالية أكثر فأكثر، وازداد حجمها، على الرغم من العقوبات الغربية التي تستهدف روسيا بسبب حربها ضد كييف. وهكذا، تعد روسيا أحد الموردين الرئيسيين للبلاد للمنتجات البتروكيماوية والأسمدة والقمح (٤٠٪ من القمح المستهلك في السنغال يأتي من روسيا) وحتى في المجال الرقمي (الخدمة الرقمية الروسية لسيارات الأجرة السنغالية، من ماركة "يانجو"، منذ عام ٢٠٢٢).

باختصار، مهما كانت نتيجة التصويت في ٢٥ فبراير، فلا يسعنا إلا أن نشعر بالقلق إزاء مستقبل النفوذ الفرنسي في هذا البلد، القريب تاريخيًا من فرنسا. وكما أوضحت بالفعل في عمود سابق، ليس بسبب عدوانية أو فعالية خصومنا الجيوسياسيين، بل بسبب عدم الكفاءة الفادحة وسياسة التخبط الحقيقية التي اعتدنا عليها لسوء الحظ من القادة الباريسيين الحاليين للدفاع عن المصالح الفرنسية في أفريقيا كما في أماكن أخرى.

رولان لومباردى: رئيس تحرير موقع «لو ديالوج»، حاصل على درجة الدكتوراة فى التاريخ، وتتركز اهتماماته فى قضايا الجغرافيا السياسية والشرق الأوسط والعلاقات الدولية وأحدث مؤلفاته «بوتين العرب» و«هل نحن فى نهاية العالم» وكتاب «عبدالفتاح السيسى.. بونابرت مصر».. يتناول فى افتتاحية العدد، تركيبة المجتمع السنغالى والصراع الدائر قبل الانتخابات الرئاسية المقررة فى فبراير المقبل.