عقب غارة أمريكية استهدفت مقر الحشد الشعبي، وأودت بحياة قيادى كبير فى حركة النجباء الموالية لإيران، جدد رئيس الوزراء العراقى محمد شياع السودانى رغبة بلاده فى إنهاء وجود قوت التحالف الدولى ضد تنظيم داعش الإرهابي، قائلا: "نؤكد موقفنا الثابت والمبدئيَّ فى إنهاء وجود التحالف الدولى بعد أن انتهت مبررات وجوده"، معتبرا أن الضربة الأمريكية لمقر الحشد الشعبى اعتداء على سيادة العراق.
يأتى التصعيد الجديد ضد وجود قوات التحالف الدولي، فى إطار التوترات الموجودة فى المنطقة بسبب العدوان الإسرائيلى على غزة، وما تبعه من هجمات مكثفة فى كل من العراق وسوريا على القواعد العسكرية الأمريكية، بوصفها الحليف والداعم القوى لحرب إسرائيل على غزة، ما جعل واشنطن تطالب الحكومة العراقية بحماية الوجود الأمريكى فى البلاد، وفى الوقت نفسه وجهة ضربة لمقر الحشد الشعبى معتبرة أنها ضربة استباقية دفاعا النفس.
وجاء رد رئيس الوزراء العراقي، بتجديد مطالب بلاده بإنهاء دور التحالف الدولي، وأكد "السوداني" "أننا بصدد تحديد موعد بدء الحوار من خلال اللجنة الثنائية التى شُكلت لتحديد ترتيبات انتهاء هذا الوجود"، وأن الحكومة لديها "التزام لن تتراجع عنه، ولن تفرط بكل ما من شأنه استكمال السيادة الوطنية على أرض وسماء ومياه العراق".
العملية التى نفذتها واشنطن، مطلع الشهر الجاري، ضد المقر اللوجيستى للحشد الشعبي، وأسفرت عن مقتل ابو تقوى نائب قوات التحالف الشعبي، والقيادى بحركة النجباء، وأيضا مقتل مساعده، تأتى فى إطار رد القوات الأمريكية حيث أعلنت نيتها بتنفيذ ضربات محددة ضد هذه التنظيمات المسلحة، التى تقول إنها موالية لإيران.
وعلق وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن، خلال مؤتمر صحفي، منتصف نوفمبر الماضي، قائلا: "هذه الهجمات يجب أن تتوقف، وإذا لم تتوقف، فلن نتردد فى القيام بكل ما يلزم، مرة أخرى، لحماية القوات". وأكد وزير الدفاع الأمريكى أن الضربات الأمريكية فى شرق سوريا هدفها إضعاف الجماعات المسؤولة عن الهجمات ضد القوات الأمريكية.
الهجمات على القواعد العسكرية الأمريكية، دفعت واشنطن لتعزيز علاقتها مع شرائها المحليين مثل قوات سوريا الديمقراطية فى شمال شرق سوريا، ويشير المراقبون إلى أن الجيش العراقى سوف يفقد الكثير من الدعم المقدم من الدول الأوروبية المشاركة فى التحالف، وخاصة فرنسا، التى قدمت العديد من خدمات التدريب والتنسيق الأمني.
أخرها ما أعلنت عنه قيادة العمليات المشتركة العراقية فى لقاء مع إيمانويل سلارس قائد القوات الفرنسية فى الشرق الأوسط، من أن العراق يرغب فى توسيع آفاق تدريب القوات الأمنية العراقية والتنسيق فى مجال مكافحة الارهاب.
وأشاد بالجهود الفرنسية فى مجال تدريب الوحدات الصحراوية "القوات الخاصة" قوات جهاز مكافحة الارهاب. فى حين أنه من الممكن أن يستكمل العراق التنسيق الأمنى وخدمات التدريب بشكل منفرد مع الدول الأوروبية بعيدا عن التواجد العسكرى على أرض العراق، وأيضا خارج دور قوات التحالف الدولي.
ضغوطات على الحكومة العراقية
من جانبه، قال الدكتور جاسم محمد، رئيس المركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب بألمانيا، إنه فيما يتعلق بمساعى رئيس الحكومة العراقية بوضع جدول للمفاوضات مع الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولى بغرض مغادرة البلاد يأتى فى إطار ما قامت به واشنطن من تنفيذ ضربات داخل العراق وخاصة ما قامت به ضد قيادات الحشد الشعبي، وواضح أن قوات الحشد الشعبى تعتبر جزءا من الحكومة، رغم أن هناك فصائل أخرى خارج سيطرة الحكومة.
وأضاف رئيس المركز، فى تصريحات خاصة لـ"البوابة"، أن الكتل السياسية والزعمات السياسية الموالية لإيران موجودة فى الحكومة الحالية، وموجودة فى البرلمان، ولها تأثير على سياسيات الحكومة، ولذلك فإن ما قام به الرئيس من مساعى حول التفاوض مع الولايات المتحدة ربما تكون نتيجة ضغوطات مثل هذه الشخصيات والزعمات والأحزاب والكتل مثل الحشد الشعبي.
الجيش العراقى اكتسب خبرة فى مواجهة داعش
وأكد الخبير الأمنى د. جاسم محمد، أنه فيما يتعلق بقدرات وإمكانيات الجيش العراقى فى مواجهة تنظيم داعش الإرهابي، فإن الجيش اكتسب أخيرًا خبرات فى مواجهة التنظيم الارهابي، ونجح فى فرض الأمن، وبات التنظيم يمثل مجموعات صغيرة فى مناطق نائية.
وأوضح "جاسم"، أن خطر داعش والتنظيمات المتطرفة يبقى قائما، لا ينتهى إلا بانتهاء التنظيم نفسه، ومواجهته تعتمد على مدى قدرة الحكومة العراقية فى فرض سيطرتها، خاصة لو تحدثنا عن مناطق غرب العراق ومناطق تواجد بعض فلول داعش فى أطراف كركوك ومدينة الموصل صحراء حمرين وغيرها.
ولفت "جاسم" إلى أن الخروج المحتمل للولايات المتحدة وقوات التحالف الدولى من العراق ربما لن يؤثر كثيرا على قدرات الجيش العراقى فى مواجهة الارهاب، نظرا للخبرات المكتسبة فى مواجهة التنظيم الإرهابى على مر السنوات السابقة.
أما ما يمكن أن يخسره العراق فى ظل هذا الخروج المحتمل، أكد "جاسم" أن العراق سوف يخسر واحدًا من مصادر الاستطلاع والمراقبة، والكثير من التنسيق الاستخباراتى والمعلوماتي، ويخسر القدرات الأمريكية فى الاستطلاع الجوي، وأيضا تتبع قيادات داعش وتقديم معلومات عنها، وأيضا الأمن السيبراني، كل هذا سوف يخسره، ومازال العراق يفتقد مثل هذه القدرات.
عمليات تفتيش
فى ظل هذه الأحداث، يتابع الجيش العراقى والقوات الأمنية والتشكيلات التابعة له على مواصلة تعقب فلول تنظيم داعش الإرهابي، وفى مطلع الشهر الجارى أعلنت السلطات الأمنية العراقية العثور على وكرين لعصابات التنظيم فى صحراء الثرثار، وذلك خلال عمليات البحث والتفتيش عن بقايا العصابات الارهابية لتضييق الخناق عليهم، ومنعها من الإعلان عن نفسها بعمليات إرهابية، وذلك بإفقادها قدراتها، وإلحاق الخسائر بالتنظيم فى قياداته وعناصره ومعداته وأسلحته.
وكانت صحراء الثرثار ملاذا لفلول التنظيم الإرهابي، حيث اتخذتها مركزا لشن عمليات وهجمات ضد قوات الأمن والجيش، ما جعل قوات العمليات المشتركة العراقية من شن عملية حملت اسم "أسود الجزيرة"، فى مايو ٢٠٢٠، لتطهير المنطقة من بقايا التنظيم الإرهابي.
"التحالف الدولي" تحت القصف
فى سوريا، فإن القواعد الأمريكية وقواعد التحالف الدولى تعرضت لهجمات بكثافة دون الإعلان عن خسائر مؤثرة، بينما تم الإعلان عن إسقاط مسيرات وصد صواريخ أطلقت من تنظيمات مسلحة، ما دفع الولايات المتحدة للانخراط فى تشديدات أمنية وتدريبات مكثفة لقواتها ولحلفائها المحليين المدعومين منها مثل قوات سوريا الديمقراطية التى تدعمها واشنطن لضمان تحقيق الاستقرار فى شمال وشرق سوريا، ولضمان عدم عودة تنظيم داعش الإرهابي.
ووفقا لشبكة الأخبار العسكرية، التابعة لقوات سوريا الديمقراطية فى شمال وشرق سوريا، المدعومة من قوات التحالف الدولى بقيادة واشنطن، فإن قواعد التحالف الدولى شهدت نشاطا تدريبيا مشددا، شاركت فيه قوات سوريا الديمقراطية، بالذخيرة الحية والأسلحة النوعية، فى إطار تكثيف الجهود والتعزيزات الأمنـية لحماية مناطق وقواعد العسكرية الخاصة بالتحالف فى المنطقة من أى محاولات هجومية. وقالت شبكة الأخبار العسكرية، نقلا عن القيادة المركزية الأمريكية، أن الأخيرة تتوعد برد قاس على مصدر الهجمات الموجهة لقواعدها فى شمال شرق سوريا، بالإضافة لفرض عقوبات اقتصادية ضد أى دولة تدعم الهجمات.
ويشير مثل هذا البيان إلى التهديد المبطن من القوات الأمريكية لإيران ولحلفائها فى المنطقة، كى تتمكن من إبعادهم عن توسيع نطاق الحرب التى اشتعلت فى غزة. حيث يأتى ذلك التصعيد ضد قواعد القوات الأمريكية فى العراق وسوريا ضمن التهديدات المستمرة من التنظيمات المسلحة انتقاما مما يحدث من عدوان على غزة مدعوما من الإدارة الأمريكية.