مائة يوم مرت على الحرب الإسرائيلية في غزة، تلك التي ورطت فيها تل أبيب واشنطن، فلا أوقفت إسرائيل هذه الحرب ولا نجت أمريكا من الفخ الإسرائيلي، خاصة وأنّ الأخيرة كانت تبحث عن شريك في الحرب وليس مجرد داعم.
دعم واشنطن لتل أبيب في الحرب الحالية سوف يُكلفها تبعات تدفع ضريبتها حاليًا ومستقبلًا، فضلًا عن الضريبة التي تدفعها إسرائيل يومًا بعد الآخر خاصة وأنها مازالت مستمرة في الحرب رغم خسائرها العسكرية والبشرية والإستراتيجية والدبلوماسية أيضًا.
باتت القوات الأمريكية هدفًا في منطقة الشرق الأوسط وتحديدًا في العراق، بل طالبت الأخيرة برحيل قوات التحالف الدولي عن أراضيها فكان التصريح الأمريكي بأنه لا تفاوض على خروج القوات وقت الصراع، بل بات البحر الأحمر منطقة نزاع وحرب حتى بعد أنّ تحركت البوارج الأمريكية لحماية مياهه.
الضربة الأمريكية البريطانية لـ ميناء ومدينة الحديدة هو دليل على المأزق الأمريكي الذي لم يجد بدًا غير المواجهة العسكرية، وما سوف يستتبعها من رد ورد مقابل، وهو ما لا تُريده واشنطن ولكنها أجبرت عليه.
وهنا يبدو المأزق الأمريكي، حيث شعرت واشنطن مؤخرًا أنّ ضريبة دعم إسرائيل ذات تكلفة باظه وأنها ما عادت قادرة عليها، خاصة وأنها أدركت منذ اللحظة الأولى أنّ أهداف حليفتها المعلنه من القضاء على حماس ثم تفكيكها وتحرير الإسرى الإسرائيليين يبدو أمرًا صعبًا للغاية.
فتورطت أمريكا في الحرب الإسرائيلية، صحيح كانت تُريد الأخيرة أنّ تدخل واشنطن الحرب بنفسها حتى يصبح موقف تل أبيب العسكري أفضل حالًا مما هو عليه الآن، ولكن الدعم الذي قدمته واشنطن ومازالت لإسرائيل جعلها شريكًا وليس مجرد دعم.
فصورة واشنطن في العالم العربي حاليًا لا تقل عن صورتها في العام 2003 وما بعد عندما أحتلت العراق، بل أسوأ وهذه تكلفة كبيرة تدفعها واشنطن حاليًا، فضلًا عن التهجم عليها واحتمال تهديد مصالحها في المنطقة بصورة أكبر، ولعلها تسير في نفس الطريق الذي سارت فيها فرنسا فخرجت من وسط وغرب أفريقيا في العام 20023، على خلفية الانقلابات العسكرية الأخيرة هناك.
وهذا يقودنا إلى نقطة مهمة تتعلق بجهود مكافحة الإرهاب التي تأثرت كثيرًا؛ فلا شك أنّ دخول واشنطن الحرب في شرق أوروبا وتحديدًا في أوكرانيا قبل عام ونصف ثم الحرب في الشرق الأوسط وتحديدًا في فلسطين أثر على دورها في مكافحة الإرهاب، وهو ما سوف تستفيد منه جماعات العنف والتطرف عابرة الحدود والقارات.
لا شك أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن خسر معركته الإنتخابية القادمة بسبب موقفة من دعم إسرائيل بالصورة التي شاهدها الأمريكان؛ نجاح بايدن مرتبط بضعف المرشح المنافس أمامة، فالرجل خسر شعبيته وبات في أضعف حالاته، خاصة وأنّ عدد كبير من الدبلوماسيين الأمريكان أعلنوا رفضهم وتمردهم على السياسة الأمريكية في العراق.
وربما وجدنا هتافات مناهضة في وجه جو بايدن بسبب دعمه لإسرائيل، وعبارات من عينة أوقفوا الحرب في غزة وأخرى قد تصفه بالسفاح؛ فشلت واشنطن في اقناع إسرائيل في أنّ تستمع لصوت العقل بينما أرادت الأخيرة أنّ تنتصر لنفسها أو أنّ تحقق أي انتصار فورطت واشنطن معها في الحرب ولم يحققا كل منهما أيًا من أهدافهما بعد المائة الأولى للحرب.
أمريكا دخلت مستنقع الشرق الأوسط من جديد ولعلها لا تُريد أنّ تخرج، سبق ودخلته باحتلالها للعراق وخرجت منه تلملم أذياع الهزيمة بعد سنوات من الاحتلال، ونفس الشيء في أفغانستان، ولعلها تورطت في فلسطين الآن، صحيح هي لم تدخل بقواتها العسكرية على غرار العراق وأفغانستان، ولكنها باتت الآن في مرمى الأهداف على الأقل في البحر الأحمر.
لم تنتهي الحرب في غزة ولا أحد يُدرك على أي صورة سوف تنتهي ومازالت كل السيناريوهات مطروحه ولا توجد رؤية واضحه تتعلق بوقف آلة الحرب ولا بترميم أمريكا لعلاقاتها في منقطة الشرق الأوسط، خاصة وأنّ تل أبيب ترفض النصائح الأمريكية التي تتعلق بضرورة السير في طريق حل الدولتين.
واشنطن تبذل قصارى جهدها في الحفاظ على أمن إسرائيل عبر مقترحات حل الدولتين وطلب وقف إطلاق النّار، خاصة وأنها مدركه بأنّ تل أبيب لن تستطيع أنّ تحقق في حربها الحالية أي انجازات غير مزيد من الخسائر العسكرية والبشرية والأهم الخسارة الإستراتيجية.
وهنا يبدو المأزق الأمريكي ممثلًا في الدعم المتواصل لإسرائيل على مدار مائة يوم، فضلًا عن فشل واشنطن في اقناع تل أبيب بإنهاء الحرب أو حتى إقامة الدولة الفلسطينية من أجل حماية إسرائيل، ويُضاف لهذا وذاك المأزق الذي سوف يعيشه العالم مستقبلًا بتنامي جماعات العنف والتطرف على خلفية هذه الحرب.