السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الأب وليم سيدهم في آخر حوار له لـ«البوابة نيوز»: إسرائيل وجِدت بوعد من بلفور.. وليس بوعد من الله

الأب وليم سيدهم
الأب وليم سيدهم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

كان محبًا للحياة ومحبًا للإنسان، محبًا للعلم والدراسة والفن، فقد كان شخصًا فريدًا متميزًا، كان يمشي في  شوارع الفجالة يبتسم لكل من يراهم ويحاكيهم ويسمع منهم، فأصدقاؤه من العمال والصنايعية يكادون يقاربون  أصدقاءه من النخبة والسياسيين والفلاسفة، وكانت جنازته خير دليل فكنت ترى المثقف والسياسي والكهنة من  مختلف الطوائف وعامل الجراج والقهوجي والميكانيكي.

سنوات في رحاب الأب الراحل وليم سيدهم اليسوعي، وأنا في رحاب هذا العملاق الذي يملك رؤيته وحلمه  وعلمه، سنوات وأنا أنهل من هذا العلم يوميا دون ملل، فكان لقاؤنا صباحًا منذ أن أدخل المكتب ويبدأ يومنا  فنفتح عدة مواضيع يأخذني فيها إلى عالمه ووجهة نظره وأسلوبه الرشيق في تحليل كل شيء من حولنا.

كنت أعتقد أن العمر سوف يعطينا الفرصة لتسجيل كل هذه الأحاديث ولكن كما كانت حياته مفاجأة كان رحيله  مفاجأة، ولكن دعوني أقدم لكم آخر حوار له ولم ينشر بعد.

■حدثنا عن بدايتك وظروف نشأتك؟

في خضم إنشاء الدولة العبرية وثلاث سنوات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩ – ١٩٤٥) وفي أثناء العصر الملكي للملك فاروق الأول ملك مصر ولدت في ٦ نوفمبر ١٩٤٨ في قرية جراجوس بصيد مصر، ولكن والدي سجلني في الدفاتر ٢١ فبراير ١٩٤٨، كان بيتنا يكتظ بالسكان، والدي وعمي  فكري وعمي غالي وعمي نجيب وكان والدي وبقية أعمامي يعملون في أنوال النسيج إلى جانب زراعة حوالي  نصف فدان لأبي وأعمامي.

وأنا عمري حوالي ١٣ عامًا تعلمت النسيج والتخييط وشاركت في الرحلات سيرًا على الأقدام إلى حجازة ونقادة والجزيرة، وكنا نتعلم المسرح وخيال الظل والفرجة على السينما وإجادة الرسم وزيارة معابد الكرنك والأقصر والمشاركة في المسابقات المدرسية.

■لماذا اتجهت إلى الرهبنة؟

كان أكثر ما أثر على طفولتي هو التعرف على نوعين من الكهنة، الكاهن التقليدي، الذي يقيم القداسات  والطقوس والصلوات فقط، ونوعية أخرى من الكهنة بجانب القداسات كانوا يرافقوننا في العمل وفي الرحلات    سيرًا على الأقدام ويلبسون لباسًا غير تقليديا، وأرسلني الأب اليسوعي "ديمونجليفية" إلى القاهرة، وبعد أن أنهيت دراستي الابتدائية كانت الدولة تتحدث عن التعليم الصناعي (الدبلوم الصناعي) ولكن الأب ديمونجليفيه قام بتوجيهي إلى الثانوية العامة لكي أكمل في الاستعداد للكهنوت، وكان يقوم بتوصيلي إلى لجنة الامتحان ذهابًا وإيابًا، وبعد ذلك ترك الأب ديمونجليفية جراجوس وذهب إلى تشاد وجاء الأب موريس مارتان بدعوة أحد الرفاق لمرافقتي إلى الأقصر لشراء الملابس الخاصة بالدخول إلى كلية  المعادي حوالي عام ١٩٦١، وهكذا وجدت نفسي وحيدًا متميزًا عن أقراني ودخلت في سلك الكهنوت وتساءلت  لماذا لم يختر الأب ديمونجليفية آخرين معي للدخول إلى سلك الكهنوت؟

■ما أكثر التجارب التي مرت بك في هذه الفترة؟

أنا دخلت الجيش وانتهيت من الخدمة العسكرية في ١/ ٤/ ١٩٨٠ وكنت سعيدا للغاية، سعيدا لأنني رغم كوني   راهبا ومكرسا وفي هذا الوقت لم يكن الكهنة والرهبان يلتحقون بالخدمة العسكرية بسبب موقعهم لكن اختبرت  وأنا راهب أنني لا أتميز عن أقراني وعن إخوتي فواز ومتى وفايز باستثنائي من الخدمة العسكرية كنت أشعر  بحرية باطنية غير عادية لأنني لم أدخل الدير هربا من الخدمة العسكرية أو غيرها. ومن المعلوم أني دخلت  مباشرة إلى الجيش بعد انتهائي من دراستي في باريس لمدة أربع سنوات متتالية وشتان الفرق بين حياة الحرية  في باريس والحياة تحت سيف الأوامر العسكرية اليومية.

وبعد ذلك طلبت من أحد أصدقائي أن يساعدني في الحصول على عمل في حي الوايلي المكتظ بالأطفال الذين  يعملون في ورش المسامير والميكانيكا فاشتغلت "كأسطى" في ورشة أبو الجوخ في الوايلي وطلب مني أن أتعامل مع الصاروخ مثلًا لكي أقص لفة سلك كبيرة وهكذا ولكن ومع جهلي بهذا العمل وفشلي في أكثر من مهمة وبعد أن اشتغلت لمدة شهر والمرتب كان النصف  تقريبًا نظرًا للخسارة التي سببتها لصاحب الورشة وتركت العمل، كانت هذه الخبرة مهمة جدًا لي لأنني اكتشفت مئات الأطفال الفقراء يعملون في هذه الورش ويقف أمامهم شخص بشومة يهددهم إذا تقاعسوا عن العمل.  واتفقت أنا وصديق لي بعد أن رويت له ما رأيته على عمل مطعم صغير في زاوية أحد الشوارع لإطعام هؤلاء الأطفال المستغلين والذين كانوا يُعاملون بعنف ولكن كان انتهاء عملي في الورشة سببًا لعدم تكملة هذا المشروع.

■ما لاهوت التحرير؟

وُلد لاهوت التحرير في لحظة تاريخية محددة في ستينيات القرن العشرين (١٩٦٠ – ١٩٧٠) في الوقت الذى كانت تعيش فيه الكنيسة الكاثوليكية في زخم الرجاء الذى أدخله البابا يوحنا الثالث  والعشرون في قلب كاثوليك العالم بدعوته لعقد المجمع الفاتيكانى الثانى (١٩٦٣ – ١٩٦٥) ومن خلال هذا المجمع رأت الكنيسة أن تتصالح مع العالم الحديث، مفضّلة موقف الحوار ومدققة  النظر على "علامات الأزمنة".

■ولكن لاهوت التحرير غير منتشر بالصورة التي تليق به خاصة في البلاد العربية، ما السبب؟

لأن المناخ العام في البلاد العربية يُحرم على الجميع مسيحيين ومسلمين النظر للكتب المقدسة نظرًا لأنها تحث على التفكير والبحث بطريقة علمية وضرورة التغيير على كل الاتجاهات السياسية والاقتصادية والثقافية، لأن  مفهوم "التفسير" لا يخرج عن المفاهيم التقليدية والمتجمدة مثل اجتهادات ابن تيمية وسيد قطب وغيرهما وآباء الكنيسة في القرون الأولى للمسيحية. لذلك الناس تقرأ كتب لاهوت التحرير وتنبهر وتتمنى وفقط. ونظراً لسيادة الأمية  الثقافية والأبجدية يخاف المُفكر اللاهوتى ويخشي على نفسه من ردود أفعال الشعب غير المؤهل لقبول مثل هذه التفسيرات.

■شغلت منصب رئيس مجلس إدارة جمعية النهضة العلمية والثقافية.. ما قصة هذه الجمعية؟

إن جمعية النهضة بدأت كفكرة وكرؤية مثل حبة الخردل، فمنذ أن عينت مرشدًا روحيًا واجتماعيًا وثقافيًا في  القسم الثانوي في مدرسة العائلة المقدسة بالفجالة نهاية عام ١٩٨٧، وكان وقتها الأب موريس ماري مارتان هو المرشد الروحي للقسم الثانوي، كنت قد طلبت من الرئيس الإقليمي وقتها تكريسي وقتا للفقراء والمهمشين في حي الفجالة إلى جانب عملي في المدرسة، وبدأت بعض الأنشطة في المدرسة حتى انتقلنا إلى المبنى الاجتماعي للرهبانية اليسوعية في القاهرة وهو المبنى الإداري بعد تعديله لاستوديو ناصيبيان وقام الأب ماسون رئيس  جماعة الآباء اليسوعيين بتعيين أماكن خاصة بكل الأنشطة أولها مكتبة لطلبة الحي، جماعة رفاق الكرمة،  التمريض وجمعية النهضة وذلك في عام ٢٠٠١.

وتساقطت مع الوقت الأنشطة المختلفة من مبنى المهراني لأسباب مختلفة حتى بقيت جمعية النهضة العلمية و الثقافية فقط، وأنا كنت موجودا في مدرسة العائلة المقدسة كمرشد روحي واجتماعي للقسم الثانوي حتى عام ٢٠١٤ كنت أتابع تطور ونمو الأنشطة الثقافية والفنية في جمعية النهضة بمبنى المهراني.

فمن عام ٢٠٠١ حتى ٢٠١٤ تعاقبت الأنشطة الفنية والثقافية وبدأ تأسيس المدارس رغم انشغالي في التدريس ومتابعة أنشطة مدرسة العائلة المقدسة خاصة أن العمل في النهضة كان يتم في فترة بعد الظهر بعد انتهاء العمل  في المدرسة، على مدى ١٤ عامًا كبرت الجمعية وانتشرت أنشطتها.

■وماذا بعد عام ٢٠١٤؟ 

من ٢٠١٤ وحتى الآن أنا لا أزال أشغل منصب رئيس مجلس الإدارة مستقر في المكان ومعى فريق عمل رائع ومتميز وأنشطة الجمعية تتطور وتنمو واستطعنا أننا نوصل لاتفاقية مع نقابة المهن السينمائية بإصدار كارنيهات نقابة لخريجي مدرسة السينما في القاهرة والصعيد وهذا من أكثر الأمور التى أعتبرها إنجازا حقيقيا.

■كيف تقبلت خبر حريق المسرح؟

هذا المسرح كان في الأصل استوديو ناصيبيان أقدم تاني استوديو في مصر، يعني له قيمة كبيرة ليس فقط لنا  لكن للوسط الفني كله فالحريق طبعا سبب صدمة لكنني أثق بمحبينا وأصدقائنا محبي الفن والجمعية إننا في أقرب وقت هنرجع المسرح مثلما كان وأفضل.

■كيف ترى مسارات القضية الفلسطينية؟

أولا نقر حقيقة أن إسرائيل دولة غاصبة بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية وهي دولة إلى زوال.

■لكن ما رأيك في فكرة أرض الميعاد التي وعدهم بها الله؟

في البدء كان وعد الله لإبراهيم بأرض الميعاد. منذ حوالي ثلاثة آلاف عام ومنذ ١٩١٧ وعد بلفور هرتزل  بتكوين دولة لليهود المضطهدين في أوروبا، ولقد اتخذت هذه الأرض أسماء مختلفة منذ إبراهيم حتى الآن:  فلسطين أم إسرائيل أم الأرض المقدسة أم أرض الموعد كلها مفردات ولطالما تم استخدامها الكتب المقدسة في  كل الديانات بلا استثناء غطاء مقدسًا لتبرير أحط غرائز الإنسان من قتل وذبح وسفك للدماء؟! فتارة «الحرب المقدسة» وتارة «باسم الجهاد» وأخرى باسم «الدفاع عن المقدسات» الخ، وأي مدقق في تاريخ منطقتنا وفي وضع أرض فلسطين بكامل ترابها يرى أن ما  حدث منذ وعد بلفور لم يكن له أي علاقة بالكتاب المقدس اللهم إلا غطاء مقدسا لتبرير الاعتداء على أرض  الغير والتمسح بنصوص العهد القديم التي تجاوزها سيدنا عيسى (المسيح)، بصفته الوحيد الذي استطاع أن ينفذ وصيته يهوه ويربط بين تنفيذ وصايا الله واكتساب أرض الميعاد.